اليوم يشهد اللبنانيون نكسة جديدة للحكم المربك بعجزه عن إيصال السفينة إلى بر الامان
 

لبنان ليس بحاجة إلى مزيد من الإجتماعات والمؤتمرات، بقدر حاجته إلى إدارة رشيدة وجريئة تُنفذ أحكام الدستور وبنود الميثاق الوطني، نصاً وروحاً، وتلتزم بتحقيق الإصلاحات المالية والإدارية الملحة، لإقفال مزاريب الفساد، ووقف الصفقات المشبوهة، وإعادة التوازن الى المالية العامة .

 


 فيما البلد يرزح تحت ثقل الأزمة الاقتصادية والمعيشية الحكومة الحالية تتخبط في محاولاتها لإيجاد الحلول لمأساة البلاد ومواطنيها وهي تزعم بأنها قد عالجت 97% من القضايا والمشاكل وهي في الواقع ما زالت تلقي بها خلف ظهرها وتعطل بتجاهلها لحقيقة الأوضاع الصعبة والملتهبة، وإنعدام إمكانية الوصول إلى إيجاد حل ما يعيدنا إلى مسالك الحياة الطبيعية. دون أن تخطو خطوة واحدة ولو يتيمة على خط هذا الانهيار المخيف،وفي هذا الواقع ينعقد اللقاء الوطني الذي دعا اليه رئيس الجمهورية ميشال عون في القصر الجمهوري في ظل مقاطعة واسعة . 

 

إقرأ ايضا : اللقاء الوطني في بعبدا لزوم ما لا يلزم


على وقع تصفير الآمال المعقودة على صندوق النقد الدولي،هناك شرطان سيحكمان توقف المفاوضات او تعليقها، بعد فترة زمنية قصيرة جداً .

 

الاول، هو قبول اللبنانيين بأرقام الخسائر المالية التي يراها الصندوق واقعية واجماع الداخل عليها


الثاني، هو الاصلاحات المطلوبة.


 
لماذا يضع الصندوق هذين الشرطين، لسبب بسيط جداً الصندوق لا يهب اموالاً لا قدرة للدولة على سدادها في المدى البعيد. بمعنى آخر مبسّط، أن تسدّد الدولة دين صندوق النقد، اما من خلال عبورها مرحلة العجز اي تخطّي هذه المرحلة، او من خلال العودة الى الاسواق المالية والاستدانة منها، والخطوتان بحسب الفريق العامل على الملف مستحيلتان في ظلّ الوضع المالي القائم .

 


 
في ظلّ هذه الصورة، وفي ظلّ إقتناع القوى السياسية انّ الاموال المنتظرة من الاخير دونها كلفة شعبية، كما ودونها كلفة سياسية يعرفها الجميع، تتسابق السلطة السياسية مع عقارب ساعة الانهيار الكبير، علّ شيئاً ما يوقفها او يفرملها قبل فوات الاوان  

 


يستبعد مصدر سياسي معارض أن تكون لللقاء الوطني الذي عقد بدعوة من رئيس الجمهورية ميشال عون مفاعيل من شأنها أن تبدّل المشهد السياسي، ويعزو الأمر إلى أنه لا مشكلة لدى من يشارك فيه أو من يغيب عنه إنما المشكلة تكمن في أن حكومة الرئيس حسان دياب لم تتمكن حتى الساعة من تحقيق ما وعدت به، وهذا ما بدأ ينعكس عليها سلباً، خصوصاً من قبل بعض الجهات الدولية تحديداً فرنسا التي حاولت مساعدتها، لكن الحكومة لم تحسن الاستفادة من الدعم الفرنسي.


ويقول المصدر إن باريس ليست مرتاحة لأداء حكومة دياب التي لم توظّف الاحتضان الفرنسي للبنان لإحداث نقلة نوعية تضعه على طريق الإنقاذ، ويؤكد أن الجهات الأوروبية النافذة ليست مرتاحة للاداء الذي تقوم به الحكومة، وأنها موضع انتقاد على المستويات كافة.

 


ويكشف المصدر عن أن باريس قررت منذ فترة تجميد اتصالاتها بالحكومة اللبنانية لسؤالها عن التلكؤ في استجابتها لدفتر الشروط الذي وضعه مؤتمر سيدر لمساعدة لبنان، وتكاد تكون فقدت الأمل في الرهان عليها لإعادة تعويم المؤتمر الذي تقرر تعليق مصيره على نتائج المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي.

 


ويؤكد المصدر نفسه أن ممثل الحكومة الفرنسية بيار دوكان المكلّف بمتابعة تنفيذ مقررات سيدر لم يعد على تواصل مع الحكومة اللبنانية، ويعزو الأمر إلى أن باريس أُصيبت بإحباط مردّه إلى أن لبنان لم يستجب للشروط الإصلاحية والإدارية التي تعهد بها أمام المشاركين في سيدر. ويلفت إلى أن باريس تجهل الأسباب الكامنة وراء تأخّر الحكومة في تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء وتشكيل مجلس إدارة جديد لـمؤسسة كهرباء لبنان، ويقول إنها لا ترى مبرراً للتأخير بتذرعها بإقرار قانون جديد للكهرباء.

 


ويرى أن الإحباط الفرنسي يشمل أيضاً تراجع الحكومة عن قرار ترحيل إنشاء معمل في سلعاتا لتوليد الكهرباء، مع أنها تدرك أنه لا ضرورة له لانعدام جدواه الاقتصادية، إضافة إلى أن معظم التعيينات التي أقرّتها الحكومة تقوم على المحاصصة والمحسوبية وهذا باعتراف الرئيس دياب قبل أن ينقلب على موقفه.

 


ويؤكد المصدر السياسي أن باريس لا تتفهّم الدوافع التي ما زالت تؤخر الوصول إلى اتفاق بين الحكومة وصندوق النقد، مع أن هذا الاتفاق لن يترجم إلى خطوات عملية ما لم يحظ بتأييد القوى الدولية المؤثرة في القرارات التي يتخذها الصندوق، ويسأل؛ نقلاً عن مصادر أوروبية ومنها فرنسية، عن الإنجازات التي قامت بها الحكومة لوقف الانهيار الاقتصادي والمالي.
 


في المحصلة، وفي خلاصة كل ردود الفعل والسيناريوهات، يمكن القول انّه بين السياسة التي وصلت تقريباً الى حائط مسدود وبين المال والاقتصاد اللذين فقدا الاحتياط من اصله، الجميع يتخبّط في إنتظار فرج يبدو أنّه بعيد جداً، لا بل يلامس المستحيل.

 

 

أكثر من ذلك، فإن السلطة الحالية التي انحرفت عن سياسة النأي بالنفس أوصلتنا إلى ممارسة العرب والغرب النأي بالنفس عن لبنان. وأصحاب السلطة يراهنون على الانقسام السياسي ويستفيدون منه ويعملون على تعميقه، وهم يدعون في الخطاب إلى الوحدة الوطنية وتجاوز الخلافات السياسية. 

 


الأزمة في خضم مصاعب متزايدة والمسؤولون لدينا على كل المستويات يتنكرون لحقيقة الأسباب الموجعة ولدوافع الألم الحقيقي، ويحملوننا بكل تهور إلى مزالق حياتية أشد بؤساً ويأساً .

 اليوم يشهد اللبنانيون نكسة جديدة للحكم المربك بعجزه عن إيصال السفينة إلى بر الامان.