خلافاً لكل المخاوف المتعاظمة على مستقبل لبنان، يرى ديبلوماسي خبير في السياسة الخارجية الاميركية ان لا مصلحة لأحد بخراب «بلد الأرز»، لا الولايات المتحدة الاميركية ولا روسيا ولا اوروبا ولا ايران ولا المملكة العربية السعودية والعرب قاطبة، فالكل مجمعون على استقرار لبنان، ولكن الخلاف هو على الطريقة التي يجب اعتمادها لتحقيق هذا الاستقرار المهتز تحت وطأة الأزمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة.

يؤكّد هذا الديبلوماسي، أنّ اللقاءات التي عقدها السفير السعودي وليد البخاري قبل ايام مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ونائبه السابق محمد البعاصيري وقبلهما مع المدير العام لوزارة المال ألان بيفاني، هي تعبير عن تحرّك سعودي متناغم مع الموقف الاميركي، جاء بعد فترة من «نأي سياسي» بالنفس عن الوضع اللبناني، بدأ منذ استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري وحتى الأمس، عكسه عدم حصول اي لقاء بين رئيس الحكومة الجديدة حسان دياب والبخاري أو اي مسؤول سعودي آخر حتى الآن.

 

وهذا التحرّك السعودي الذي هو الآن تحت المجهر اللبناني، يقول الديبلوماسي نفسه، لا يمكن فصله عن الموقف الاميركي المستنفر في الاقليم في هذه المرحلة، والذي تهدف ادارة الرئيس دونالد ترامب منه تحقيق انجازات ومكاسب، من شأنها تعزيز رصيده المتراجع في المعركة الانتخابية الرئاسية التي يخوضها ضد منافسه الديموقراطي جون بايدن.

 

وخلافاً لرأي خصوم واشنطن في لبنان والمنطقة المعاكس، يرى هذا الديبلوماسي أنّه «في المبدأ لم يتغيّر شيء في علاقة الولايات المتحدة وتعاطيها مع لبنان، فهي ما زالت تساعد الجيش اللبناني، وتحاول الّا تؤثر العقوبات التي تتخذها ضدّ «حزب الله» وحلفائه والنظام السوري وايران على الاقتصاد والقطاع المصرفي اللبنانيين». فما تغيّر في المنطقة، حسب الديبلوماسي إيّاه، هو «انّ الاميركيين عادوا الى الدخول اليها بكثافة، اكثر مما سبق لأسباب انتخابية، لأنّ ترامب يحاول تحقيق انجاز في السياسة الخارجية الاميركية قبل الانتخابات الرئاسية المقرّرة في تشرين الثاني المقبل. فهو ينسحب من افغانستان ويُجري لهذه الغاية مفاوضات مع حركة «طالبان» ولكنه لم يستفد من اي شيء في هذا المجال، في الوقت الذي فشل في التوصل الى اتفاق مع كوريا الشمالية، التي تقدّمت بدلاً من ان تتراجع في المجال النووي، ما شكّل «فضيحة» للادارة الاميركية».

 

اما مع ايران، فإنّ ترامب، يضيف الديبلوماسي، «يحاول بكل قواه حالياً جذب القيادة الايرانية الى طاولة التفاوض، حتى يحقق انجازاً على الاقل في الشكل يتمثل في انّه بدأ مفاوضات معها، ولكن الايرانيين باتوا يدركون حراجة موقفه الانتخابي، ويتوقعون له الفشل، ويقولون في سرّهم ان لا داعي يجبرهم على الدخول في مفاوضات مع رجل على الارجح أنّه سيغادر البيت الابيض ليحلّ مكانه بايدن مرشح الحزب الديموقراطي، الذي يمكن ان تكون الشروط للمفاوضات معه افضل، خصوصاً وان الديموقراطيين كانوا هم من انجز الاتفاق النووي مع طهران ايام الرئيس السابق باراك اوباما، في اطار مجموعة دول (الخمسة زائد واحد)، ولكن ترامب لا يزال يحاول مع طهران ومستعد لأن يعطيها ما تريد، فيما هي غير واثقة من فوزه حتى ينفذ ما تتفق معه عليه.

 

وعلى الجبهة السورية، يحاول ترامب تحقيق انجاز، عبر سعيه لإبرام اتفاق مع روسيا فلاديمير بوتين. والانجاز الذي يريده بالدرجة الاولى هو حماية امن اسرائيل، بتقويض الوجود الايراني وحلفائه على الساحة السورية. وهنا هو يعتقد ايضاً انّ ممارسة الضغوط على الايرانيين في سوريا ديبلوماسياً بواسطة الروس وعسكرياً بواسطة اسرائيل وغاراتها، يمكن ان يجلب الايرانيين الى التفاوض معه، فهو يريد إبعادهم ومعهم «حزب الله» عن الساحة السورية «لضمان أمن إسرائيل»، وذلك عبر اتفاق يعقده مع الروس، الذين حققوا مصالحهم في سوريا ولن يفرّطوا بها إطلاقاً، وهم الوحيدون القادرون في رأيه على تثبيت اي انجاز له في سوريا في شأن امن اسرائيل او في شأن سلوك النظام السوري مستقبلاً.

 

أما في لبنان، فإنّ التحرّك الاميركي القديم - الجديد يهدف الى تحييد هذا البلد عمّا يجري في المنطقة، ليس عبر محاولة إنهاء «حزب الله»، لأنّ الاميركيين يدركون جيداً انّ هذا الامر صعب المنال، وانما يريدون اضعاف هذا الحزب او تحييده عن الوضع الاقليمي، وعن سوريا وايران بالتحديد، والمتصل بأمن اسرائيل، لأنّ ليس لديهم، او لدى حلفائهم، اي اوهام في انّ الحزب سيسلّم سلاحه مثلما يطالب البعض من قوى سياسية لبنانية وعواصم اقليمية ودولية، فترامب يعتقد انّه يحقق انجازاً كبيراً في حال توصل الى اتفاق مع روسيا حول سوريا سيكون لبنان من ضمنه بطريقة مباشرة او غير مباشرة.

 

ولذلك، يعود هذا الديبلوماسي الى التأكيد، انّ التحرك السعودي المعبّر عنه في الدور الذي يلعبه السفير البخاري، ليس بعيداً عن التحرّك الاميركي، وهو جاء بعد صمت سعودي طويل، وجاء ليثبت الرغبة في مساعدة لبنان ومنعه من الانهيار، والتأكيد انّ لا احد يريد الخراب لهذا البلد على رغم ما يكابده شعبه الآن من ويلات مالية واقتصادية ومعيشية، وانّ مصلحة الجميع هي تحقيق استقراره في النهاية، وأنّ ما تغيّر هنا هو طريقة تطبيق المواقف المنادية بهذا الاستقرار وليس المواقف في حّد ذاتها. والبعض يرى انّ هذا الامر يتطلب الحدّ من نفوذ «حزب الله» وقوته وتحييده وليس الغاؤه الذي ليس بالأمر السهل المنال.

 

وعلى رغم من كل ذلك، يقول هذا الديبلوماسي، انّ ترامب يعيش وضعاً انتخابياً صعباً، وهو يصعب اكثر فأكثر كلما اقترب موعد الانتخابات، فقبل مدة كانت الاستطلاعات تشير الى 40 و 45 في المئة من الاميركيين البيض يؤيّدونه، ولكن في آخر احصاء تراجع هذا الرقم الى 35 في المئة، فيما الاميركيون السود يعيشون تحت وطأة الاضطرابات التي نجمت عن مقتل الاميركي الاسود جورج فلويد على يد شرطي، علماً أنّ الرئيس السابق باراك اوباما نال تأييد 40 في المئة من البيض عندما فاز في الرئاسة، في ظاهرة هي الاولى في الولايات المتحدة الاميركية.