خلاص لبنان لن يكون بالتوجه شرقا، بل بالتوجه داخليا ورفض ربط مستقبل لبنان بمستقبل حزب الله، ومحاولة إجراء إصلاحات جدية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، وهو تعاون سوف يكون مؤلما في بدايته، ولكنه وجع لا مفر منه. لبنان، بكل بساطة وفظاظة بحاجة إلى عملية إصلاح جذرية إذا كان له أي حظ بولادة جديدة.
 

خارج سياق مواقف بعض الأطراف السياسية والحزبية والنيابية التي ما زالت تبحث في تلبية دعوة رئيس الجمهورية الى اللقاء يوم الخميس من عدمها، وما يمكن أن تطرحه من تأكيد ما هو مؤكد وفي ظل غياب التوقعات بتوافر نصاب المدعوين. الاكيد انه لا يوجد مفاجآت. لكن  يبدو ان الانظار ستبقى موجّهة في الساعات المقبلة الى قصر بعبدا للتثبّت من إمكانية المضي في الترتيبات الخاصة بعقد اللقاء او تأجيله او إلغائه، فكل الخيارات مطروحة في الكواليس الرسمية . 

 

 

لكن خطوة الرؤساء السابقين ستؤدي الى مزيد من التوتر السياسي في البلاد وقد انعكس سريعاً من خلال السجالات بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ. 
لم تكن خطوة رؤساء الحكومة السلبية تجاه مبادرة بعبدا إلا تعبيراً عن الحال المتردي الذي وصلت اليه البلاد والعلاقات المتوترة بين مختلف الافرقاء، بالاضافة الى الوضع الاقتصادي الآخذ بالانحدار السريع نحو الهاوية والذي لا يبدو انه سيكون هناك امكانية لوقف انهياره في المدى المنظور.

 

 

في المقابل تشهد الساحة اللبنانية جملة تحركات دبلوماسية فُهمت بأنها رسائل موجّهة الى العهد وسياساته، أبرزها مأدبة الغداء التي نظمها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ونائبه السابق محمد بعاصيري، وقد مثّل اللقاء رسالة قوية باتجاهات متعددة أولها تقديم الدعم اللازم لرياض سلامة في مواجهة الحملات التي يتعرض لها. وتشير مصادر متابعة الى ان اللقاء كان ايجابياً وتركز البحث به حول كيفية دعم سلامة في مواقفه وسياساته في ظل الضغوط والتهديدات التي يتعرض لها.

 

 

كما تتحدث معلومات انه سيتم تعيين محمد بعاصيري رئيساً للجنة التفاوض مع صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي بشأن ملفات مالية أساسية وبشأن تقدير خسائر التهريب عبر المعابر غير الشرعية.
في المقابل لفت سلامة خلال اللقاء الى الوضع الاقتصادي المتداعي والذي ينذر بمخاطر كثيرة في الاشهر المقبلة. وتشير مصادر متابعة الى ان الحركة السعودية لن تقف عند هذا الحد، انما ستتطور في الأيام المقبلة بشكل مشهود، وقد يكون هناك ترتيب للقاء مع قائد الجيش ايضاً الذي كان يلتقي بالسفيرة الاميركية بالتزامن مع لقاء البخاري سلامة، في اشارة لافتة ايضاً وموجهة للعهد وللحكومة، والبحث تركز على التعاون الاميركي مع الجيش والمجهود الذي يقوم به حالياً وفي الفترة المقبلة بشأن ضبط الحدود وإغلاق المعابر.

 

 

وتكشف مصادر دبلوماسية ان الضغوط الدولية على لبنان ستتزايد في المرحلة المقبلة وخصوصاً من قبل الاميركيين، الذين اوصلوا الكثير من رسائل التحذير في اليومين الماضيين على خلفية نشر حزب الله لفيديو يهدد فيه مواقع اسرائيلية. الرسائل حذرت الدولة اللبنانية من أي خطوة قد يقدم عليها حزب الله وأن المجتمع الدولي عندها لن يفصل في رده حزب الله عن الدولة ومؤسساتها.

إقرأ ايضا : اللقاء الوطني في بعبدا لزوم ما لا يلزم

 

 

هناك سبب أساسي آخر لاستياء المجتمع الدولي من لبنان وهو هيمنة حزب الله على القرار السياسي في لبنان وتورطه العسكري في نزاعات المنطقة. وهذا يفسر استياء شخصيات سياسية أميركية في الكونغرس من حزب الله وأنصاره في البرلمان اللبناني وخارجه، وهذا الاستياء موجود أيضا في دول أوروبية وخليجية.

 


ويعتقد أن الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي يشترطها صندوق النقد، من تعويم الليرة إلى تعزيز استقلالية القضاء وإصلاح قطاع الكهرباء بشكل جذري واعتماد الشفافية في المناقصات العمومية ومواجهة استشراء الفساد بشكل مباشر، تعني أن الطبقة السياسية اللبنانية المستفيدة من الوضع الراهن ستواجه معضلة صعبة للغاية لأن تطبيق هذه الإصلاحات سوف يزعزع من سيطرتها.

 

خلاص لبنان لن يكون بالتوجه شرقا، بل بالتوجه داخليا ورفض ربط مستقبل لبنان بمستقبل حزب الله، ومحاولة إجراء إصلاحات جدية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، وهو تعاون سوف يكون مؤلما في بدايته، ولكنه وجع لا مفر منه. لبنان، بكل بساطة وفظاظة بحاجة إلى عملية إصلاح جذرية  إذا كان له أي حظ بولادة جديدة.