فالإعلام اللبناني كان ولايزال زينة الموائد الاعلامية العربية نتيجة التجربة الكبيرة الذي اختزنها طوال الفترة الطويلة من الزخم والنضال والذي سيستمر لان استمرار لبنان سيكون باستمرار الاعلام والكلمة الحرة ...
 

تميز لبنان عن محيطه العربي  بحرية الراي التي يكفلها الدستور وبحرية الكلمة التي صنعتها الصحافة والصحافيين اللبنانيين منذ العام  1916 حين علقت المشانق للصحافيين في ساحة الشهداء وعرف ذلك اليوم بيو الصحافة ، التي خاضت نضالات طويلة تكللت بإنتاج الجمهورية اللبنانية وببزوغ الاستقلال حيث تم رفع  شان الصحافة .


ولكن مع الحرب الاهلية عاشت الصحافة اللبنانية ولادتها الثانية حيث كانت العين الساهرة على لبنان وازمته بالرغم من انقسام البلد الى قسمين لكن الجسم الصحافي بقي موحداً يجسد الوحدة الوطنية .


لقد تجسدت وحدة الصحافة بعد لم شمل البلد بعد العام 1990،  حيث ظهرت طرق وقوانين جديدة للتعامل مع الصحافة اقفلت مؤسسات اعلامية وفتحت اخرى غاب اعلاميين وظهر اخرون ،لكن الجسم الصحافي اللبناني  بقي متماسكا ، وكان همه الوحيد الحفاظ  على الكلمة والصوت الحر الذي يتميز به لبنان عن باقي دول المنطقة ، وهذا التميز جعل من لبنان مركز الصحافة  العربية والإقليمية في عصرنا الحالي،   كما كانت بيروت في فترة الرومان ام الشرائع الحقوقية  وام القانون .


بالرغم من هيمنة النظام الامني اللبناني السوري وقتها  استطاع فرض ضغط على الاعلام اللبناني في محاولة لتطويعه لكنه لم يستطع  بسبب تراكم  التراث النضالي الاعلامي الطويل الذي جسده القلم اللبناني المعمد بالدم  حيث كانت تخط الكلمات وتحديدا بدم الاعلاميين اللبنانيين 


لكن بعد الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين والتي ظهرت نتيجة الخلل في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والمالية اللبنانية مما دفع الناس للخروج الى الساحات والاعتراض على مطالب حقوقية وانسانية محقة والمطالبة بحياة كريمة باتت تفتقد لكل معنى الانسانية في بلد يعيش على حافة الهاوية والفوضى .

 

إقرأ أيضا : الصين استخدمت الكورونا كأداة نفوذ عالمية


فكان للأعلام دورا عاديا  في مواكبة الانتفاضة نتيجة وقوع المؤسسات تحت سيطرة المحاصصة الطائفية والمذهبية الذي اقر وفقا لقانون المرئي والمسموع والذي نشر في الجريدة الرسمية في العام 1996 تحت هذا العنوان .


 لكن اختلف الامر مع المراسلين والاعلاميين الذين وقفوا مع الانتفاضة وحملوا اقلامهم واجهزتهم لمساندة الانتفاضة بمطالبها مما عرضهم للاعتداءات الوحشية من قبل احزاب السلطة والمدسوسين بهدف فرض امر واقع جديد على الاعلامين يرسم خريطة طريق للتغطية الاعلامية من الساحات وتحديد المسموح والممنوع وما يجب ان يقال وينقل وان لا ينقل بما يعجب البعض ، فالتعرض للإعلاميين والمراسلين اصبح حالة مزعجة في هذا البلد الذي باتت اليات القمع واسكات الصوت تخيف والتي تمثلت في عمليات الاستدعاء المتكررة لكثير من الاعلاميين والناشطين في المجالات الاعلامية والحقوقية والمدنية .


لذلك ان حملة التوقيفات المستمرة والملاحقات للناشطين واذلالهم بهذه الطريقة سيكون جوهرها المس بالحريات العامة حيث بات واضحا  الاعتداء على الاعلاميين اثناء تأدية واجبهم  رغم ابراز بطاقاتهم الصحافية التي لم تعد تنفع ، فهذا الاستمرار في الاعتداء وعدم تحييد الاعلام عن دائرة  الصراع الداخلي  سيؤدي الى تفاقم الازمة ، وبالتالي على المعنيين الرسميين الانتباه لهذه المشكلة وعدم الاستسهال لهذه الممارسات التي لا تشبه عمل دولتنا واجهزتها التي كانت ولا تزال تحافظ على الدستور وما يتضمنه من احترام  للحرية العامة والشخصية . 


ان الكتابة على وسائل  التواصل الاجتماعي هي عملية عادية تحترمها كل الشرائع بما فيها الحرية الدستورية اللبنانية ، فاذا كان هناك اشكال حقيقي في عملية استخدام الوسائل من قبل المواطنين على الجهات اللبنانية والتشريعية ان تعمل على صياغة قانون للإعلام الالكتروني يتوافق مع حرية الصحافة اللبنانية وتاريخها ويحفظ حق القانون والدستور ، وايضا المحافظة على المهنية الاعلامية والاخلاقية التي تفرضها ثورة التكنولوجيا الجديدة في عالم العولمة  التي فككت الحواجز الاصطناعية بين البشر.


فاذا كانت الشتائم والكلمات البذيئة والتشهيرات والتهجمات بحق الشخصيات الرسمية والعادية  غير مسموحة اخلاقيا واعلاميا لأنها غير حضارية،  ولا تمت لثقافتنا  بصلة نهائيا ففي المقابل لا يمكن  لاحد ولا باي ظروف من الظروف  ان يسيطر على وسائل التعبير واخماد اصوات الناس المحقة والمطالبة بحقوقها . هذه الوسائل تتيح للناس أن تعبر عن اعتراضها الحقيقي والحضاري وترسل رسائل  واضحة عما تعاني منه في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر فيها البلد  من الناحية الاقتصادية والمالية والاجتماعية وجائحة كورونا  خاصة في بلد يتميز بالحرية الحقيقية  ويتغنى بها كل العرب، فإسكات الاصوات  لا تتم لا من خلال الترهيب و لا الترغيب ولن يكون معيار التعامل مع جهة تسرح وتمرح  على حساب اخرى تتعرض للمسائلة  فالقانون يفرض والدولة يجب ان تأخذ مكانها والقضاء هو المعيار الاساسي في التعامل مع  الجميع . 


بالحقيقة يخطئ من يتجه الى فرض قوانين على وسائل التواصل الاجتماعي بظل هذا التطور التكنولوجي في القرن الواحد وعشرين ولنتذكر انتفاضة "الواتس اب "،  لا يمكن ايضا السطو على المواقع الالكترونية وتهجينها بطريقة غير قانونية ورسمية التي لا تفيد البلد لان العالم قريبا سيكون كله يتعامل مع  التقنية الحديثة بعد تدشين الجيل الخامس من الهواتف والكمبيوترات  الحديثة التي لا تسمح لنا بالابتعاد عن هذا التطور .


 وبظل الحراك اللبناني المحق الذي ادهش العالم بسلميته وحضارته في رفع مطالب الناس الاجتماعية والاقتصادية سيبقى الاعلاميين والمراسلين هم القلعة الحصينة من اجل نقل الحقائق ونقل الوقائع التي يريد المتظاهرون التعبير عنها ونقلها للجميع لان الاعلامي وتحيدا المراسل هو عين الجمهور ومهمته تكمن في نقل الوقائع لان المعلومة حق معرفتها من الجميع والمراسل والاعلامي ليس صانع الحدث وانما عليه نقل المعلومة بموضوعية وصدق كما هي حيث تكمن الحقيقة بنقل المعلومات ومن حق كل الاعلامين بغض النظر عن هويتهم المؤسساتية بنقل الاحداث من مركز الحدث دون التعرض لهم وعلى السلطة حمايتهم لانهم يقومون بمهامهم لان عصر الكانتونات انتهت لجهة النقل وعدم امكانية الوصول الى الحدث نحن في زمن ترعاه الدولة واجهزتها التي تحمي كل لبناني  .


فالإعلام اللبناني كان ولايزال زينة الموائد الاعلامية العربية نتيجة التجربة الكبيرة الذي اختزنها طوال الفترة الطويلة من الزخم والنضال والذي سيستمر لان استمرار لبنان سيكون باستمرار الاعلام والكلمة الحرة ...