ربما تسرّع قصر بعبدا في دعوته للقاء الموسّع يوم الخميس المقبل، او على الاقل لم يُشبع الفكرة الدرس الكافي والتحضيرات المطلوبة قبل الاعلان عنها. ولا شك بأنّ الوضع المأزوم بشدّة، وانسداد افق الحلول وشعور رئيس الجمهورية «بالوحدة السياسية»، وسعيه لإخراج نفسه من زاوية حصر المسؤولية به وحده، كل ذلك دفعه لطرح الدعوة للقاء قصر بعبدا، بهدف اشراك الجميع بالكارثة التي حلّت.

لكن، وتجنباً لصفعة ثانية بعدم الحضور غير المكتمل للقاء بعبدا الاول حول الخطة المالية الانقاذية، كان يُفترض بالفريق المعاون، جسّ النبض سلفاً وتأمين شروط النجاح، قبل التوجّه الى الدعوة الرسمية. وفي افضل الاحوال، اذا ما حصلت مفاجأة وأدّت الى تأمين الحضور المطلوب، فإنّ اضواء النجاح ستتركّز على رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي نجح حتى الآن في تأمين حضور وليد جنبلاط، ويضغط لتأمين حضور الرئيس سعد الحريري. تماماً كما نجح سمير جعجع في تسليط الاضواء عليه مع حضوره اجتماع بعبدا المالي.

 

انّها الاخطاء نفسها التي تتكرّر من اصحاب «النصيحة» انفسهم، في وقت لم يعد في الرصيد السياسي لرئيس الجمهورية الكثير ليبدده من دون حساب.


 
 

احدى هذه الاخطاء، التصوير له بأنّ اعتماد التوقيفات بحق المتطاولين على مقام الرئاسة هي الحل. صحيح انّ النص القانوني يسمح بذلك، لكن الظروف اختلفت كثيراً، وبدل ان تؤدي هذه الخطوة الى «تأديب» المتطاولين، فهي على العكس أدّت الى خسارتين في الشارع وفي القضاء. وبالمناسبة، فإنّ عدم التوقيع على قرار التشكيلات القضائية اعطى ورقة مجانية يومية لمعارضي العهد، والى ازدياد النظرة السلبية للعواصم الغربية، مثل باريس وواشنطن. وبالعودة الى مؤتمر بعبدا، فإنّ القائمين عليه حاولوا تدارك اعتذارات اللقاء السابق، بأن عمدوا الى توسيع دائرة المدعوين الى الحدّ الاقصى الممكن، والاستعانة بجهود الرئيس نبيه بري، رغم انّه يشكّل رأس حربة المواجهة السياسية مع الرئيس عون.

 

كذلك جرت الاستعانة بخبرة مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم في فن التفاوض والاقناع. ورغم ذلك كانت الصعوبات لا تزال تتحكّم بقرار مشاركة الحريري. وخلال لقائه الاخير مع اللواء ابراهيم، استفاض الحريري في الحديث عن مرارته من الطريقة التي عومل بها، وخصوصاً من قِبل النائب جبران باسيل. واضاف متسائلاً: «لماذا تريدون مني الحضور والمشاركة في اللقاء، لأساعد عهد العماد عون من الانهيار الذي أصابه؟ وهل من العدل ان اسعى لإعادة تعويمه؟».

 

وفي المقابل، شرح اللواء ابراهيم انّ الاجتماع لا علاقة له بتعويم العهد بقدر ما هو مخصّص لتعويم وانقاذ البلد. ونصح الرئيس الحريري بعدم تكرار خطأ المسيحيين التاريخي في العام 1992 حين انكفأوا عن الدولة ليصبحوا بعدها خارجها.

 

لكن لجنبلاط رأياً ثانياً ونصيحة مختلفة، فهو قال للحريري انّ المشاركة في اجتماع بعبدا من بوابة الرئيس بري، لن يمنح رئيس الجمهورية اوراقاً اضافية يبحث عنها، بل على العكس، فهي اظهرت عدم قدرته، والاهم انّها ستعزز موقع بري داخل معادلة الحكم، وستعطيه اوراقاً افضل لمواجهة الرئيس عون وتركيبته داخل السلطة. لكن المشكلة هي بالمعارضة السنّية الواسعة والتشدّد الذي يبديه، خصوصاً الرئيسان فؤاد السنيورة وتمام سلام، فيما كان الرئيس نجيب ميقاتي يقف في منتصف الطريق قبل اتخاذه قراره بعدم المشاركة. وهذا الواقع يكبّل الحريري ويستبق اي ليونة قد يُظهرها جرياً على عادته في ظروف مشابهة.


 
 

اضف الى ذلك، انّ الاشارات التمهيدية الصادرة عن معراب، توحي وكأنّ رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع يتجّه للاعتذار عن عدم الحضور، وسيتذرع البعض بالذخيرة التي وفرّتها الإطلالة الاخيرة للنائب جبران باسيل. ووفق ما ردّدته احدى الشخصيات المدعوة الى اجتماع بعبدا: «كيف لمنظومة الفساد ان تدعوها الى اجتماع انقاذي في قصر بعبدا؟»

 

واضافت الشخصية نفسها: «لقد وجهّتم اتهاماتكم لنا طوال عشر سنوات، ومن ثم انجزتم تسويات معنا لإيصالكم الى السلطة وتشاركتم معنا واكثر. ثم عدتم الى النغمة نفسها بعد الخلاف السياسي الذي وقع. ما يعني انكم لا تهتمون سوى لمصالحكم لا اكثر ولا اقل».

 

هذا المناخ السلبي لا ينبئ بالكثير من اجتماع بعبدا» رغم أنّ «حزب الله» بدا متحمساً لتأمين انعقاده، ومبدياً تشجيعه لإزالة العراقيل الموجودة. فـ»حزب الله» يتحرك لبنانياً وهو يفكر اقليمياً.

 

فالضغط الاميركي المتصاعد على ايران، والذي يستهدف «حزب الله» من خلال العقوبات و»قانون قيصر» ومعالجة الانهيار الاقتصادي والمالي في لبنان، يؤذيه داخل بيئته الشعبية الحاضنة، ومواجهة هذا الضغط تستوجب سحب التوترات الداخلية وتأمين مظلة حماية سياسية، تسمح بتهدئة الشارع، خصوصاً وانّ مرحلة الضغوط مرشحة لأن تتصاعد وتستمر خلال الاشهر المقبلة، وصولاً الى نهاية هذا العام، في اكثر التوقعات تفاؤلاً. وهو لذلك يتجاوز الكثير من المآخذ التي يسجّلها على بعض الفرقاء، خصوصاً الحلفاء منهم. ففي الواقع، فإنّ امين عام «حزب الله» كان يتوجّه من خلال مؤتمره الاخير الى الحلفاء اكثر من الخصوم، وقد يكون هؤلاء لم يلتقطوا الاشارة. ولا شك انّ «حزب الله» راقب بتمعن الاشارات والرسائل العديدة التي اطلقها باسيل باتجاه الاميركيين في عزّ احتدام المعركة بين واشنطن و»حزب الله». ولكن لم يعلّق على ذلك، لا بل على العكس ابلغ كل من راجعه بأنّه يتفهّم خلفية هذه الرسائل. والبعض رأى في موقفه هذا تطبيقاً لسياسة «التطنيش» التي يتبناها، لتجنّب التفسخات الداخلية، خلال المعركة الكبرى مع الاميركيين. وهو ربما يضع هذه الرسائل في اطار تليين الموقف الاميركي المعارض لباسيل كمرشح رئاسي وايضاً كمرشح للدخول الى لائحة العقوبات الاميركية.

 

وحتى موقف رئيس الجمهورية، الذي باشر منذ لحظة دخوله الى قصر بعبدا، التحضير لمسيرة دخول جبران باسيل الى قصر بعبدا كخلف له. وهو ما يفسّر عدم تلبيته الدعوة الرسمية لزيارة طهران، وايضاً البرودة في فتح مجالات التنسيق الرسمي مع دمشق، وهو ما طالب ويطالب به دائماً «حزب الله»، وغمز به السيد نصر الله خلال كلمته الاخيرة ولو بعبارات غامضة.