جاء في مانشيت الجمهورية:
مجموعة صور تَبدّت خلال الاسبوع الجاري: صورة السلطة الثابتة على خط التخبّط والارباك، وصورة الازمة المتهاوية على منحدر التدهور والانهيار، وصورة التحضيرات الرئاسية لعقد اللقاء الحواري في القصر الجمهوري الخميس المقبل وما رافقها من تشكيك في انعقاده بكامل مدعوّيه، ومن احتمالات تتمتع بشيء من القوة بانعقاده بمَن سيحضر منهم. وفي موازاة هذه الصور، أطلّ أمران: الأول جرعة انتقاد دولية جديدة للسلطة الحاكمة، والثاني خبر جديد مرتبط بملف ترسيم الحدود البحرية فيه شيء من الايجابية.
 
في صدارة هذه الصور، يبقى الثابت الاساس هو الاشتباك المحتدم بين القوى السياسية، التي تتشارك جميعها بالتكافل والتضامن، في رفد الازمة المالية والاقتصادية، بكل عناصر مفاقمتها، عبر مناصبة العداء لبعضها البعض واختلافها حتى على جنس الملائكة، ونصب الكمائن لبعضها البعض، كل من منظار نقيض للآخر، ومن خلفية تلبّي رغبات وإرادات هذه المرجعية الاقليمية والدولية او تلك. وفي هذا السياق، تندرج العناوين الكبرى التي تُطرح مثل «التوجّه الى الشرق»، الذي سرعان ما تصدّى له عنوان نقيض بالإصرار على بقاء التوجّه الى الغرب، وغيرها من العناوين الخلافية.
 
صعود وهبوط
 
هذا الواقع السياسي المتصادم، محبوس كما بات اكيداً، في لعبة صعود وهبوط سياسية لا تنتهي. تخفي هزيمة الطاقم السياسي امام الازمة، وافلاساً حتى من الحلول الترقيعية، مبعثه عدم قدرة هذا الطاقم على التأثير ولو على قيد انملة من مجرى الاحداث، من اقصى 8 آذار الى اقصى 14 آذار وما بينهما من مكونات. وكل ذلك يعني، ان كلّ عناصر الانفراج منعدمة، والنتيجة الطبيعية لذلك هي استمرار «حرب الاستنزاف» التي تُشنّ على البلد من داخله قبل اي مكان آخر، مع ما يترتب على سياسة القفز فوق اسباب الازمة وعلاجاتها، من تداعيات على كل المستويات، ستصل حتماً في لحظة ما الى اسقاط لبنان نهائياً وتجويع شعبه بالكامل.
 
العد التنازلي
 
كأنّ لبنان، امام هذا التفاقم، قد دخل فعلاً مرحلة العدّ التنازلي لإعلان سقوطه النهائي في جحيم الانهيار، والسلطة الحاكمة مسترخية على هامش الأزمة، مصابة بإسهال كلامي، محجمة عن إقران كلامها ووعودها، ولو بفعل جدّي وحيد يركن له المواطن ويطمئنه، ويجعل بالتالي المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدوليّة تثق بها، بل هي عن عمد او عن عجز، تجعل بغيابها الفج عن تحمّل المسؤولية التي تتطلبها خطورة ما آلَ إليه حال البلد، الأفق مسدوداً بالكامل، وليس فيه ما يؤشر الى سلوكها ولو متأخّرة، خط الحلول والمخارج.
 
حلقة مفرغة
 
المراقب لحال السلطة الحاكمة، لا يجد صعوبة في استنتاج أنّها ضربت رقماً قياسياً في الدوران في الحلقة المفرغة ذاتها، وما زالت ماضية في تكرار ذات الاسطوانة المملّة، من قصائد الحرص على لبنان واللبنانيين، والوعود الصدئة بأنّها ستقطع رأس الأفعى وتُطفئ نار الأزمة، فيما هذه الأزمة صارت مرضاً عضالاً يزيد استعصاء وبات يتطلّب جراحات وعمليات قيصريّة، ولم يعد ينفع معه «البانادول السياسي» الذي تتمسّك السلطة به وحده، كدواء شافٍ ومكافح لهذا المرض، فيما هذا «البانادول» فقد بدوره صلاحيته وفعاليته في تسكين الألم الضارب في كلّ مفاصل الدولة وكلّ فئات الشعب.
 
 
 
جرعة انتقاد دولية
 
في موازاة هذا المشهد، تلقّت السلطة الحاكمة جرعة انتقاد دولية جديدة شديدة اللهجة، عكستها اشارات سلبية غير مشجعة، توالت في الفترة الاخيرة من جانب المؤسسات المالية الدولية تجاه لبنان، وعبّرت عن «ضيق تشعر به هذه المؤسسات حيال بعض الاجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية، والتي اضافت نقاطاً سلبية جديدة لدى القيّمين على هذه المؤسسات حيال الوضع اللبناني والسلطة الحاكمة له».
 
وبحسب مصادر موثوقة، مواكبة لملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ومطلعة على فحوى الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي تصل تباعاً من دول غربية اوروبية تحديداً، ومن المؤسسات المالية الدولية الى كبار المسؤولين، فإن كمّ الملاحظات والمآخذ اكبر بكثير مما كان يُسجّل سابقاً، واللافت فيها هذه المرّة شموليّتها الجميع، واعتبارها انّ القوى السياسية اللبنانية، سواء الموجودة في السلطة او تلك الموجودة خارجها، اثبتت انّها ليست مؤهّلة لإجراء اصلاحات».
 
وتشير المصادر الموثوقة، الى «انّ الانتقاد اللاذع تركّز على السلطة اللبنانية، ووصف اداءها بغير المسؤول، ودون المستوى المطلوب على صعيد إجراء الاصلاحات»، مبعث الانتقاد هذا، هو التعيينات الاخيرة، التي وجّهت من خلالها السلطة اللبنانية رسالة شديدة السلبية الى المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية وفي مقدّمها صندوق النقد الدولي.
 
وبحسب معلومات المصادر نفسها، فإنّ «المؤسسات المالية الدولية عبّرت عن صدمتها بهذه التعيينات، وهذا سبب جوهري اضافي لا يجعل المجتمع الدولي والمستثمرين يثقون بالسلطة اللبنانية، ويُضاف اليه ايضاً تعطيل استقلالية القضاء اللبناني بالإصرار على المداخلات السياسية فيه، وايضاً الخلافات السياسية واعتماد اللبنانيين سياسة تسجيل النقاط على بعضهم البعض».
 
وتضيف المصادر، «انّ هذه الصدمة، اقترنت بتحذير شديد اللهجة، مفاده، انّ الاستمرار على هذا المنحى، في الوقت الذي يُجري فيه لبنان مفاوضات مع صندوق النقد الدولي سعياً للحصول على «إعانة نقدية» منه، سيعجّل حتماً في بلورة قرار سلبي من قِبل الصندوق، حيث لن يتردّد في رفع «الكارت الاحمر» في وجه لبنان، وإبلاغ السلطة اللبنانية بصورة رسمية ونهائية: نعتذر منكم، لا نستطيع ان نساعدكم ونقدّم لكم الأموال». وقد لا يكون ذلك في وقت بعيد».
 
وبحسب المصادر الموثوقة، فإنّ «المؤسسات الدولية عكست استياء متراكماً لديها لعدم تفاعل اطراف السلطة مع تحذيراتها، بأنّ اقتصاد لبنان يقترب من ان يصبح في وضع ميؤوس منه، وايضاً مع الفرص العديدة والمتتالية التي اتاحتها للاستجابة الى النصائح والارشادات، والشروع بالعلاجات والاصلاحات، وفي مقدّمها سلطة قضائية مستقلة ونزيهة ومكافحة الفساد، بل على العكس، قوبل بتفويت السلطة اللبنانية هذه الفرص التي قد لا تتكرّر، والامتناع عن الاقدام على اي مبادرة في هذا الاتجاه، واصرارها على المضي في السياسات ذاتها، وكأنّها تجهل او تتجاهل عمداً ما ينتظر اقتصاد لبنان المريض من تطورات وسلبيات معقدة».
 
تضييق الخناق
 
تتقاطع معلومات المصادر الموثوقة مع تأكيدات ضمن الحاضنة السياسية للحكومة، تفيد بأنّ الحل للأزمة المالية يتطلّب صدمة ايجابية غير متوفرة حتى الآن، تُضخّ من خلالها كميات غزيرة من الدولار في السوق اللبناني، ولكن في الحرب الاميركية على «حزب الله»، وطالما انّ واشنطن مستمرة في تضييق الخناق على الحزب، يجب الّا نتوهم بأنّ لبنان سيصل الى ايجابيات لمصلحته، لا مع صندوق النقد الدولي ولا مع غيره.
 
وضمن هذا السياق، يأتي جزم مطلعين على اجواء «حزب الله»، بأنّ الحزب على قناعة بأنّ الولايات المتحدة لن تسمح بدخول دولار الى لبنان، كما لن تسمح لصندوق النقد بمساعدة لبنان، على اعتقاد منها انّ ذلك يصبّ في مصلحة «حزب الله».
 
القرار بعد اسابيع
 
وفي موازاة بروز الإشارات التشاؤمية حيال ما يمكن ان يقدّمه الصندوق من مساعدات للبنان، فإنّ اوساطاً رسمية لبنانية تخالف هذه الإشارات وتصفها بالمفتعلة ولا تمتّ الى الواقع بصلة.
 
وقالت مصادر الوفد اللبناني المفاوض لـ»الجمهورية»: «ما يُحكى عن اشارات سلبية ما هو سوى مجرد كلام سياسي يطلقه البعض بقصد التشويش، اذ لم يلمس الوفد اللبناني شيئاً من هذا القبيل، فضلاً عن أنّ هذه المفاوضات تسير بالوتيرة الايجابية ذاتها التي بدأت بها، والنقاش يتمّ بذات الروحية. هناك اسئلة واستفسارات طرحها الصندوق، وتلقّى الاجوبة والايضاحات عليها.
 
واذ اشارت المصادر الى انّ حسم ارقام الخسائر سيشكّل ارضية النقاش الجدّي مع الصندوق، لفتت الى انّ الدخول في التفاصيل الدقيقة لم يتمّ بعد، والتفاوض مع الصندوق يأخذ الطابع الاستطلاعي حول مختلف النواحي. والتقييم ايجابي حتى الآن».
 
لا مداخلات
 
بدورها قالت مصادر وزارية بملف المفاوضات لـ»الجمهورية»، «اننا لم نلمس في المفاوضات مع صندوق النقد اي نوع من المداخلات السياسية، لا من الداخل ولا من الخارج».
 
وعمّا اذا كانت هناك خشية لدى الجانب اللبناني مما يُحكى عن مداخلات اميركية بقرار صندوق النقد الدولي، قالت المصادر: «نسمع كلاماً كثيراً من هذا القبيل، لكن المفاوض اللبناني دخل الى مفاوضات لا رابط للسياسة بها، ولسنا متشائمين حيال امكان حصول لبنان على المساعدة المطلوبة من صندوق النقد».
 
وفي حال رُبطت مساعدة الصندوق بشروط سياسية، قالت المصادر الوزارية: «لقد ذهبنا الى المفاوضات لتحقيق مصلحة لبنان، ولن نقبل اي شروط تضرّ هذه المصلحة او تمسّ بسيادة لبنان».
 
ولفتت المصادر اخيراً، الى انّ «المفاوضات قطعت شوطاً مهماً جداً، وما سيقرّره الصندوق في شأن لبنان، بات مسألة اسابيع قليلة، حيث سيعدّ الصندوق تقريره النهائي في هذا الشأن، يضمّنه مقترحاته حيال حجم المساعدة التي سيقّدمها الى لبنان، ويرفعه بالتالي على مجلس ادارة الصندوق ليتخذ القرار النهائي في شأنه، والذي نأمل ان يكون لمصلحة لبنان، ونحن لا نرى ما يبرر التشاؤم».
 
وحول «الكابيتال كونترول» اشارت الى انّ هناك اقتراحاً في هذا الشأن لدى النواب، ولم ينتهِ بعد.
 
اما في ما خصّ «الهيركات» على الودائع، وما يتردّد عن انّ صندوق النقد يؤكّد على هذا الإجراء، فقالت المصادر: «لم يتمّ بحث هذا الامر بشكل رسمي».
 
وفي حال اصرّ الصندوق على «الهيركات» هل يستطيع لبنان ان يرفض ذلك، قالت المصادر: «في حال جرى الاصرار على هذا الامر نعتقد انّه ستكون هناك مشكلة، علماً انّ موقفنا واضح بالنسبة الى ودائع اللبنانيين وحق اصحابها بها كاملة».
 
وفي السياق، غرّد المتحدث بإسم صندوق النقد الدولي غاري رايس على حسابه على «تويتر» قائلاً: «هناك تقارير إعلامية تتحدث عن تقديرات لخبراء صندوق النقد الدولي حول خسائر القطاع المالي في لبنان. للتوضيح، وكما أشرنا سابقاً، إن تقديراتنا تتوافق بشكل عام مع تلك الواردة في خطة الحكومة. ويجب أن تكون الحلول سريعة وفعالة وعادلة وطويلة الأمد».
 
الحدود البحرية
 
من جهة ثانية، تفاعلت بعض المستويات الرسمية بخبر جديد تسلّل من خلف الأحداث الداخلية في الايام القليلة الماضية.
 
وفي هذا السياق، كشفت مصادر موثوقة لـ»الجمهورية» انّ ملف الترسيم الحدودي بين لبنان وإسرائيل قد فُتح بشكل مفاجىء منذ ايام قليلة، وانّ الاميركيين حاضرون في هذا التطور الجديد، من دون ان تحدّد المصادر دورهم وحجم حضورهم بالتفصيل، الّا انها كشفت انّ الاشارات التي تلقّتها المراجع اللبنانية المعنية بهذا الملف تشير الى «نفس إيجابي» يعتري التحريك الجديد لملف الحدود البحرية.
 
وسألت «الجمهورية» معنيين مباشرين بهذا الملف عمّا استجَد حوله؟ فجاء الجواب: صحيح، هناك أطراف غير لبنانية بدأت منذ فترة ليست بعيدة، بالحَكي تحت الطاولة حول ملف الترسيم، لا نستطيع ان نتحدث عن إيجابيات، لكن ما تبلّغناه من معلومات ومعطيات يوحي بأنّ تقدّماً ما قد حصل، إنما هو حتى الآن تقدم خجول في الاتجاه الصحيح، وفي طبيعة الحال سننتظر ما سيصلنا من أفكار وطروحات.
 
وعندما سئل هؤلاء المعنيون: ممّن ستأتيكم هذه الافكار والطروحات؟ جاء الجواب: «بالتأكيد من الاميركيين». ولكن من دون ان يوضح هؤلاء المعنيون اذا كانت هذه الافكار والطروحات ستنقل عبر مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط دايفيد شينكر بوصفه المعني بملف الترسيم، او عبر السفارة الاميركية في لبنان، او عبر اليونيفيل باعتبارها الجهة المضيفة والراعية لمفاوضات الترسيم بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي وكذلك الجانب الاميركي.
 
وسألت «الجمهورية» مرجعاً سياسياً معنياً بهذا الترسيم عما اذا كان تحريك هذا الملف يخفي محاولة استغلال للضعف الذي يعانيه لبنان جرّاء أزمته الاقتصادية والمالية، لدفعه الى تقديم تنازلات في المفاوضات إذا استؤنفت من جديد، والقبول بشروط كان يرفضها؟ فقال: قطعاً، لا يمكن القبول بأيّ شروط لا تحقق مصلحة لبنان وسيادته على مياهه، وتخدم مصلحة إسرائيل. وموقف لبنان سبق ان تمّ إبلاغه للأميركيين وغيرهم بأن لا تنازل عن حبّة تراب من حدود لبنان البرية، ولا عن قطرة مياه في حدوده البحرية».
 
 
 
حوار بعبدا
 
على الخط السياسي، يأتي اللقاء الحواري في بعبدا الخميس المقبل، والذي تحوم حوله الشكوك في أن يكون فرصة عابرة للخلافات الداخلية نحو بلورة موقف وطني موحد، ومواقف القوى السياسية، وتحديداً المعارضة، التي قاربت حوار بعبدا كمجرّد «منبر خطابات» لا أكثر، وجَزمت بعدم وصوله الى نتائج نوعية، شكّلت نعياً مُسبقاً له. والسبب الأساس كما يورده أحد المسؤولين الكبار «هو انّ الداعي الى الحوار، كذلك القوى المدعوّة إليه، والتي ستحضره عن قناعة او عن مجاملة لرئيس الجمهورية، او عن مجاملة للحليف، او تلك التي قد تقاطعه، لا تملك ما يمكن اعتبارها فكرة، يمكن ان تكون محل إجماع عليها، وإنّ الخميس لناظره قريب».
 
وقالت مصادر معنية بالدعوة الرئاسية لحوار بعبدا لـ»الجمهورية»: « إن رئيس الجمهورية رغب بالدعوة الى لقاء وطني والى لقاء سياسي عادي في ظروف إستثنائية، وبالتالي هو ليس لقاءً فولكلورياً، بل مناسبة للتأكيد على الثوابت الوطنية في هذا الظرف.
 
 
 
ولفتت المصادر الى أن الدافع لهذا اللقاء هو ما شهدته البلاد في المرحلة الأخيرة، ولا سيما مناطق حساسة من بيروت والضاحية الجنوبية وطرابلس، حيث أطلّت الفتنة المذهبية، ومجرد الحديث عن مواجهة ما على طريق صيدا القديمة بين عين الرمانة والشياح أيقظت في ذهن وعقل رئيس الجمهورية ضرورة وأد الفتنة في مهدها ومنع تجدّد ما هو مرفوض بكل المعايير. فاللبنانيون من مختلف الفئات لا يريدون العودة الى تلك المرحلة، وهم مدعوّون الى اللقاء الخميس على هذا الأساس.
 
واعتبرت المصادر أن من حق المدعوّين أن يعرفوا مضمون التقارير التي رفعت الى اجتماع المجلس الأعلى للدفاع نظراً لما تحمله من إشارات مقلقة الى تحضيرات وخطط تعيد اللبنانيين الى تلك الفترة المظلمة، ولا بدّ من مواجهتها بموقف جامع.
 
وأكدت المصادر أن رئيس الجمهورية يرغب بأن يُكرّس هذا اللقاء إعادة التأكيد على الثوابت الوطنية وتحصين الوحدة الوطنية والعيش المشترك وقطع الطريق على أي مسعى لإستغلالها.
 
ورفضت المصادر الحديث الذي تردّد عن محاولات تعويم فلان أو فلان، ووصفت هذا الكلام بأنه ليس في محله على الإطلاق، فكل المكوّنات لها بيئتها الحاضنة ومكانتها وحضورها في مواقعها حيث هي.
 
ونبّهت المصادر من أي حديث أو تسريب يهدف الى إحياء عودة خطوط التماس في نقاط حساسة مُحذّرة من ربطه بمقاطعة أو رفض الدعوة الى اللقاء، لأنه يطرح علامات إستفهام كثيرة. وإن حصل ذلك لا سمح الله لا يقع في مقامه الوطني السليم، والصحيح فكل الأطراف مدعوة الى حماية الوحدة الوطنية والعيش المشترك ووأد الفتنة قبل أن تطل برأسها من أي موقع أو حادث. وإن إعادة التأكيد على الثوابت الوطنية ليست أمراً عابراً يمكن التلاعب به في المناحرات السياسية بقدر ما هو مهمة سامية وأساسية ووطنية جامعة، ولا يمكن أن يكون هناك من لا يريدها في هذا التوقيت بالذات، علماً أن كل هذه المعطيات تشكل الحافز الى التجاوب مع دعوة الرئيس.
 
 
 
اجتماعات
 
وعلى خط مواز، يبرز بعض النشاط في المقرات الرسمية: رئيس المجلس النيابي نبيه بري يلتقي رئيس الحكومة حسان دياب في عين التينة، التي أدرجت مصادرها اللقاء في إطار التشاور بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والبحث في السبل الآيلة الى توحيد الرؤى في مقاربة الملفات الوطنية، ولا سيما بالنسبة الى الملفين المالي والاقتصادي».
 
وعلمت «الجمهورية» انّ جوهر اللقاء بين بري ودياب هو مالي، وتقييم للخطوات التي اتّخذت من أجل حماية العملة الوطنية ولجم ارتفاع سعر الدولار، مع التشديد على ضرورة حضور الحكومة بشكل أكثر فاعلية بإجراءات يلمسها المواطن، وكذلك بتدابير رادعة وقاسية وعلنيّة للمضاربين بالدولار وتجّار السوق السوداء التي ترفع الدولار الى سقوف خيالية. وهذا ما أكده بري أيضاً خلال لقائه نقابة الصرافين.
 
 
 
دياب يترأس الاجتماع المالي
 
توازياً، ترأس رئيس مجلس الوزراء حسان دياب مساء أمس، اجتماعًا تنسيقيًا للخطة المالية، حضره نائب رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع زينة عكر، وزيرا المالية غازي وزني، والبيئة والتنمية الإدارية دميانوس قطار، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، المدير العام لوزارة المالية ألان بيفاني، رئيس جمعية المصارف سليم صفير، نواب حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين، ألكسندر موراديان، مستشار رئيس الجمهورية شربل قرداحي، مستشارا رئيس مجلس الوزراء جورج شلهوب وخضر طالب، نائب رئيس جمعية المصارف نديم القصار وأمين سر الجمعية وليد روفايل.
 
وفي مستهل الجلسة، أكّد الرئيس دياب أنّ الجميع في مركب واحد، ودعا إلى التعاون البنّاء والإيجابي لإنجاح خيارات الحلول.
 
وأضاف، أنّ ما يجري في لجنة المال والموازنة من نقاش هو أمرٌ جيد لفهم المقاربات وتبنّي المعالجات، مشدّداً على أنّ الجو هو جو تعاون بين الجميع. كما أبلغ رئيس الحكومة المجتمعين أنّه سيتمّ الإعلان عن الخطة الاقتصادية قريبًا.
 
من جهته، أشاد وفد جمعية المصارف بجرأة الحكومة في التعامل مع الواقع المالي.
 
 
 
«مهزلة» خفض الدولار
 
الجدير لَحظه في هذا السياق، انّ خطة الخفض التدريجي لسعر صرف الدولار عبر ضَخ مصرف لبنان كميّات منه، اتّضح أنها فاشلة. فلليوم الخامس على التوالي لم يتغيّر مشهد الحشود امام محلات الصيرفة للحصول على 200 دولار من خلال إبراز الاوراق الثبوتية الشخصية. وبَدا واضحاً أنّ قسماً كبيراً ممّن ينتظرون ساعات للحصول على «الكوتا» الدولارية لا يحتاجون فعلياً للدولار، بل غايتهم تحقيق مكسب من خلال شراء الدولار بـ3900 ليرة ومن ثم بيعه في السوق السوداء بحوالى 5000 ليرة. وأكثر من ذلك، تبين انّ متعهدين جدداً ظهروا على الساحة، وهؤلاء يستأجرون مجموعة من الاشخاص ويسلمونهم مبلغاً بالليرة مقابل الوقوف بالصف امام الصارف والحصول على 200 دولار التي تسلّم الى المشغّل.
 
هذه المفارقات دفعت خبراء في الاقتصاد الى المطالبة بوقف هذه المهزلة، واعتماد سياسة حقيقية تسمح بتوحيد السعر، بحيث تنتفي الحاجة الى السوق السوداء.
 
 
 
وفي السياق، اقترح كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس نسيب غبريل ان تفتح السلطات خطاً ائتمانياً بالدولار من الخارج بما بين 4 الى 6 مليارات دولار بفوائد منخفضة او صفر في المئة مقابل قسم من احتياطي الذهب لضَخّها عبر المصارف في الاسواق لإراحة الشركات والسوق والمودع تدريجاً، الى حين بدء الاصلاحات والاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
 
 
 
مالي - أمني
 
والتطورات المالية ونتائج الاجراءات التي اتخذتها الحكومة، كانت محل بحث نهاراً في اجتماع مالي - أمني ترأسه وزير المال غازي وزني في وزارة المالية قبل الظهر، وكانت خلاصَته التشدّد في تطبيق هذه الاجراءات وملاحقة المضاربين والمخالفين، تلاه في مكان آخر، اجتماع وُصِف بالمهم بين رئيس الحكومة ورئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان، الذي قال: انّ اللقاء تخللته مصارحة تامة وهناك حرص على ان يكون العمل الذي قامت به لجنة المال لمصلحة البلد من خلال مقاربات موحدة تؤدي الى أرقام واحدة (لخسائر لبنان)، حيث لن تكون هناك أرقام متناقضة في المفاوضات (مع صندوق النقد الدولي) بل رقم واحد للدولة نتيجة مقاربة مشتركة».