كتبت صحيفة "النهار" تقول:
 
 
أي حوار يمكن ان يعقد في قصر بعبدا ما لم يقترن بضمانات جادة ان يؤدي الى خلاصات سياسية توفر للبنان استعادة الحد الادنى من استقلالية قراره الوطني بما ينجيه من عاصفة ارتباطات القوى الحليفة لمحور "الممانعة" بالنظام السوري؟ وهل تتوافر معايير حوار كهذا في خلفيات مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى الدعوة الى اجتماع "وطني" في 25 حزيران الجاري، بما يعني اخذ المواقف المعارضة لمجمل سياسات العهد وحلفائه في الاعتبار واعلان قرارات وخطوات على اساسها نتائج حوار حقيقي وليس شكلياً؟ الواقع ان مصير الاجتماع الذي يزمع قصر بعبدا توجيه الدعوات اليه والذي سيضمّ الى رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، الرؤساء السابقين للجمهورية والحكومة ورؤساء الاحزاب والكتل النيابية، اتخذ أمس طابعاً اختبارياً من شأنه ان يقرر في الايام القريبة ما اذا كان ممكناً ان يشكل محطة سياسية نوعية تبنى عليها رهانات لتبديل الاتجاهات السلبية المتحكمة بالبلد سياسياً واقتصادياً ومالياً، أو تسقطها سلفاً الحسابات المتعاكسة بين العهد وحلفائه والقوى والشخصيات الاخرى المناهضة لسياساتهما.
وبدا واضحاً أن لبنان بدأ أمس مسار انزلاقه الى موقع دراماتيكي جديد مع بدء سريان "قانون قيصر" الاميركي للعقوبات على النظام السوري الذي شكلت الدفعة الاولى منه في حق عشرات المسؤولين والكيانات في سوريا وعلى رأسهم الرئيس السوري بشار الاسد وزوجته اسماء نموذجاً مبكراً الى مدى التشدد الذي يطبع هذا القانون الذي لن يكون لبنان بمنأى عن مفاعيله وعقوباته سواء في ما يتصل بمسؤولين وسياسيين وحزبيين يقيمون علاقات وثيقة مع النظام السوري، أو بمؤسسات وشركات وافراد قد تكون اعمالهم ومصالحهم في سوريا مهددة بالعقوبات الاميركية الجديدة. وفي ظل هذا الواقع الطارئ اتخذ الكلام عن اجتماع حواري في بعبدا بعداً أشد الحاحاً لجهة تحديد جدول اعمال للاجتماع يوازي باولوياته الخطورة البالغة للاوضاع في لبنان سواء من الناحية الداخلية في ظل تصاعد الازمات المالية والاجتماعية، أو من الناحية الخارجية التي باتت تداعياتها تضغط بقوة على الحكم والحكومة والقوى السياسية للاسراع في اتخاذ خطوات تحمي لبنان من مزيد من الاستنزاف في ظل قانون قيصر. لكن المناخات الداخلية في الساعات الاخيرة لم تظهر مؤشرات ايجابية بعد لا لجهة تأكيد المشاركة السياسية الواسعة في الاجتماع بحيث لا تزال معظم الشخصيات والجهات المدعوة مبدئياً الى الاجتماع تتريث في تحديد موقفها ومشاركتها، ولا لجهة بلورة السيناريو الذي يفترض ان تنعقد الجلسة الحوارية على أساسه وجدول الاعمال الذي يجب ان تتمحور عليه المناقشات وخلاصاتها. ولعل ما زاد الاجواء الضبابية بل المشدودة حيال أي حوار محتمل، المفاعيل السلبية للكلمة التي ألقاها الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله مساء الثلثاء والتي اتسمت بمنسوب مرتفع من الحدة والتصلب حيال موضوع قانون قيصر مستبقا كالعادة موقف الدولة والقوى السياسية وواضعا لبنان في فوهة التداعيات المكلفة للصراعات الاقليمية والدولية وتورطات الحزب في حروبها وميادينها. وذهبت أوساط معارضة للعهد وحليفه "حزب الله" الى التعبير عن تشاؤمها المتزايد من تداعيات التطورات المقبلة على المنطقة ولبنان في ظل المواقف التي اعلنها نصرالله من دعوته الى مواجهة "قانون قيصر" أو امعانه في التصويب على تغيير هوية الاتجاهات الاقتصادية للبنان والاصرار على الاتجاه نحو"الشرق" أي في اتجاه الصين وايران، أو من خلال التصعيد الخطير الذي برز في بعض الرسائل التهديدية في رده على موضوع المطالبة بسحب سلاح "حزب الله" والذي ذهب الى حدود التهديد بالقتل. وتقول هذه الاوساط انه من غير المفهوم كيف يمكن تلبية دعوة القصر الجمهوري الى "حوار" فيما يستبقه نصرالله برسم خريطة الطريق وبالتفرد الاستباقي بالمواقف حتى من دون مراعاة حلفائه وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ولا الحكومة التي تعمد ان يمننها بانه ليس في وارد تبديلها حالياً. وتالياً فان الشكوك تبدو منطقية في نتائج هذا الحوار الذي ان عقد سيكون بين مطرقة "قانون قيصر" وسندان تورطات "حزب الله".