كتبت هديل فرفور في صحيفة الاخبار:
 
 
منذ أكثر من شهر، فُقدت أدوية أساسية يستخدمها مرضى القلب من الأسواق. عدد كبير من الأطباء يتهمون المستوردين بافتعال الأزمة بسبب رخص سعر هذه الأدوية، فيما تعزو «دفوعات» هؤلاء الأسباب الى «كورونا» و«إجراءات روتينية» أخرى. في غضون ذلك، تؤكد معلومات «الأخبار» أن هناك «شبكة» من المُستوردين تستثمر في أزمة سعر الصرف عبر سحب كميات كبيرة من الأدوية المسعّرة وفق سعر الصرف الرسمي وإعادة بيعها للخارج بالدولار.
 
أدوية أساسية لمرضى القلب فُقدت من الأسواق، منذ مدة، من بينها عقاقير مُدرّة للبول (مثل lasix وburinex) يستخدمها هؤلاء ومرضى القصور الكلوي المزمن أيضاً. هذه الأدوية تُفقد من الأسواق لأنها، على الأرجح، «رخيصة وغير مربحة للمُستوردين»، بحسب رئيس جمعية أطباء القلب في لبنان مالك محمد. الأخير أصدر بياناً، أمس، لـ«رفع الصوت عالياً» استنكاراً لانقطاع أدوية مدرّة للبول بما يؤدي إلى «ازدياد الدخول إلى المُستشفيات بسبب الاختناق الذي يؤدي إلى الوفاة». وأشار إلى أن الجمعية تواصلت مع نقابة مُصنّعي الأدوية في لبنان، «وتم التأكد من أن لدى الجمعية القدرة على التصنيع محلياً»، وأن «العائق يكمن في غياب التخطيط اللازم، ذلك أن تصنيع هذه الأدوية بحاجة إلى استثمار، ولحماية هذا الاستثمار لا بد من التزام واضح من الدولة بهذه الحماية».
شُبهة تعمّد انقطاع الأدوية بسبب كلفتها المنخفضة (لا يتجاوز سعر أكثرها عشرة آلاف ليرة) تعززها تأكيدات عدد من أطباء القلب تواصلت معهم «الأخبار»، مستندين إلى «ماضي» بعض المستوردين الذين عمدوا سابقاً إلى سحب أدوية منخفضة الكلفة من السوق الى حين إيجاد بديل أكثر كلفة. ولفت هؤلاء إلى أن بعض الأدوية المقطوعة لا بدائل لها، أما تلك التي لها بدائل (ما يُعرف بأدوية الجينيريك) فهي مقطوعة أيضاً.
أحد الأطباء المختصين أشار الى أن دواء cordarone، الأكثر استعمالاً لدى من يعانون من كهرباء القلب، والمخصّص للحفاظ على انتظام دقات القلب للمُصابين بالرجفان الأذيني «متوفر في السوق منذ سنوات طويلة كشربة الماء، لذلك فإن انقطاعه مُستغرب. والأغرب أن الأدوية البديلة له (كـ flecaine أو rythmonorn) تتوافر يوماً وتختفي أياماً! أمّا الأدوية المماثلة التي كانت تتوفر جزئياً، أي من خلال طلب مسبق من الصيدليات كـ sotalol، فقد انقطعت كلياً أيضاً»!
رئيس نقابة مُستوردي الأدوية كريم جبارة، من جهته، نفى لـ«الأخبار» أن يكون «رخص» الأدوية هو سبب انقطاعها، مشيراً الى أن «90% من الأدوية الموجودة في السوق يبلغ معدل سعرها عشرة آلاف ليرة، وإذا كان السبب رخص الأسعار، فهذا يعني وقف استيراد غالبية الأدوية».
 
تؤكد معلومات أن مستوردين يشترون الأدوية من السوق المحلي بسعر الصرف الرسمي ويعيدون بيعها للخارج
وأشار الى أن هناك صنفين أساسيين من الأدوية مفقودين: الأول، «لازيكس» (lasix)، وهو دواء يُصنّع محلياً برخصة من معمل فرنسي «ويعود سبب انقطاعه إلى نقص المواد الأولية بسبب تأخّر وصول الشحنات نتيجة أزمة كورونا، وقد وصلت أخيراً دفعة من هذه المواد، ويُتوقع أن يباشر تصنيعه في اليومين المقبلين». والثاني، «بيورينكس» (Burinex) المستورد، ويُعزى انقطاعه إلى «إجراءات روتينية تتعلق بتسجيله في وزارة الصحة بعدما طرأ تغيير على تركيبته، ما يحتاج معه الى الحصول على موافقة لتسجيله. وقد تجاوبت الوزارة أخيراً، وتم تسريع دراسة الملف للموافقة عليه وإعادة تسجيله قبل طرحه في الأسواق»، علماً بأن مصادر طبية أشارت إلى أن الروتين الذي يحكم آلية تسجيل الأدوية لم يتغير، وبالتالي لا تبرير للانقطاع.
رئيسة نقابة مصانع الأدوية في لبنان كارول أبي كرم أكّدت كلام جبارة عن تسبب «كورونا» في انقطاع المواد الأولية المستخدمة في تصنيع «لازيكس»، وأشارت الى أن هناك مصنعاً ثانياً في لبنان سيطرح دواءً بديلاً سيكون «متوافراً بدءاً من الأسبوع المُقبل». ولفتت إلى أهمية «وضع تخطيط مسبق بالتعاون مع وزارتي الصناعة والصحة لدعم الصناعة المحلية، بهدف تأمين أكبر عدد من الأدوية الأساسية وتفادياً لإخراج عملات أجنبية من البلد».
ولكن، ماذا عن بقية الأدوية المُستوردة في ظل الأزمة الحالية؟ وفق جبارة، هناك «صعوبات ومشاكل أساسية تتعلّق بالسيولة، إذ إن أموال المُستوردين إما عالقة لدى المُستشفيات والدولة التي نبيعها مباشرةً، وإما محجوزة في المصارف»، داعياً إلى دفع المُستحقات «لأن مخزون الأدوية لدى كثير من المستوردين بات على شفير النفاد». ولفت الى أن «الدواء حالياً بين أرخص المنتجات»، وقطاع الأدوية لا يزال، حتى الآن، في منأى عن أزمة سعر صرف الدولار، لأن «التسعير يتم على أساس سعر الصرف الرسمي». وهنا، تحديداً، يبدو أن هناك «قطبة مخفية». ففي معلومات «الأخبار» أن بين أسباب انقطاع الأدوية أيضاً، شراء بعض المستوردين كميات كبيرة من الأدوية المنخفضة الكلفة التي تسعّر وفق سعر الصرف الرسمي (1515 ليرة)، ويعيدون بيعها الى بلدان أخرى، كالأردن وغيره، بالدولار، محققين أرباحاً مضاعفة»!