معظم اللبنانيين باتوا بلا عمل ولا مدخول ولا مورد رزق، وعلى أبواب الجوع تحت خطّ الفقر. في مشهد يؤكّد أنّ السلطةالسياسية باتت أسيرة اوهامها ولا ترى ما يجري، وبالتالي فالانفجار لن يكون بعيداً.
 

اعتبرت مصادر سياسية ان مبادرة المجلس النيابي القيام باعادة النظر بالاختلافات بين ما تضمنته الخطة الانقاذية للحكومة وورقه المصرف المركزي ورؤية المصارف لحل الازمة المالية التي يواجهها لبنان حاليا، يؤشر لامرين مهمين، الاول فشل حكومة حسان دياب في تقديم خطة متكاملة لحل الازمة لاقناع صندوق النقد الدولي بمكوناتها وتفاصيلها للحصول على المساعدات المطلوبة لحل الازمة لا سيما فيما يتعلق باعتبار الدين العام خسائر وهي ليست كذلك على الاطلاق بالمفهوم المحاسبي البسيط، إضافة إلى تهميش آلية الالتزام الفعلي باجراء الاصلاحات البنيوية والهيكلية في القطاعات والادارات التي تستنزف المالية العامة دون جدوى . 

 


الامر الثاني تنازل الحكومة عن دورها بهذه الخطوة لصالح المجلس النيابي وهذا لم يكن ممكنا لو ان الحكومة تمارس مهماتها ودورها كما يجب وقامت بما يتطلبه الامر فيما يتعلق بوضع خطة جدية ومتكاملة .

 

 

اللافت في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في قصر بعبدا ان مقرراتها عادت إلى سياسة تثبيت سعر الصرف عبر الطلب الى مصرف لبنان التدخّل في السوق المالية بضخ كميات وافرة من الدولارات بهدف لجم سعر الدولار الذي كان قد بلغ عشية الجلسة رقما جنونيا فاق ال ٧٠٠٠ ليرة. وهذا رغم ان هذه السياسة النقدية نفسها لاقت أهم الاعتراضات العامة والانتقادات الشخصية التي وجّهها رئيس الحكومة لحاكم مصرف لبنان. فماذا الذي جرى وما بدا ما عدا، كي تتحوّل فجأة في نظر الحكومة ورئيسها من خطيئة نقدية الى عملية انقاذية لمنع انهيار الليرة وتثبيت سعر صرف الدولار عند معدل يفوق ضعف المعدل الذي درج مصرف لبنان على تثبيته طوال السنوات الثلاثين الماضية؟ وفي اعتراف «من حكومة الاختصاصيين بان هذه السياسة كانت في الماضي وكما هي اليوم، عملية شراء الوقت منعا للانفجار وتثبيت سعر الدولار منعا لتعرّض القوة الشرائية لملايين اللبنانيين إلى الانهيار، والحرص على دفع الرواتب والأجور ودعم الغذاء والدواء والكهرباء وسواها من المستحقات الضرورية . 

إقرأ ايضا : تشاؤم دولي من الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية في لبنان .

 


فخلال الـ ٣٠ سنة الماضية كان تدخّل مصرف لبنان في ظروف أفضل من حيث حجم التحويلات الاغترابية السنوية التي تفوق الـ ٨ مليارات دولار، وكان مجموع العائدات السياحية والتصديرية والاستثمارات الخارجية السنوية يفوق الـ ٧ مليارات دولار، ولم تكن أسعار النفط ومعها مداخيل اللبنانيين منخفضة الى الحد الأدنى الذي هو عليه الآن. وكان تدخّل مصرف لبنان يحصل ضمن هذه المزايا التي انحسرت وتراجعت معها احتياطيات مصرف لبنان الى الحد الذي لم يعد بالامكان استخدامه كفاية لتحديد معدل واقعي لسعر الصرف، إلا مما قد «يشح» أو «يرشح» الآن من تحويلات وودائع نضبت، أو استثمارات وواردات سياحية وتصديرية ضمرت. وبالتالي فان قبول مصرف لبنان طلب الحكومة ضخ دولارات لمنع هبوط سعر الليرة هو على غير اقتناع لكنه في الوقت نفسه التزام على مضض تفرضه حالة العهد والحكم والحكومة وتلبية لمطالب وضغوطات شعبية و شعوبية، قد يزيد في امكاناتها تجييش كل وزارات الدولة وأجهزتها الإدارية والأمنية والقضائية، لكنها تبقى رغم كل المحاولات أسيرة العرض والطلب في ظروف يعزّ فيها العرض ويتعاظم الطلب . 

 

 

إزاء هذا الواقع المرير الانتفاضة الشعبية امام المأزق، ماذا تفعل؟ هل تلتزم الصمت، وهذا أبغض الحلال، أم تندفع إلى الشارع، وسط شعارات، وأفعال، تخدم الطبقة السياسية، التي تحوّلت إلى ما يشبه الجراد الذي يأكل الأخضر واليابس .
القوى الأمنية في مأزق التعاطف مع الجمهور الغاضب، دفاعاً عما تبقى من مال قليل يسد الحاجة إلى طعام وماء وغذاء، فلا الملابس وقتها الآن، ولا حتى إيجارات المنازل، فهي ملتزمة بتنفيذ الأوامر، وهي حريصة على عدم الصدام مع الشارع . 

 

 

وحدها السلطة السياسية، تعيش على أوهام إنجازاتها، من إنجاز عدم الإطاحة برياض سلامة حاكم مصرف لبنان إلى إنجاز إحباط سقوط محاولة الانقلاب بتعبير الرئيس حسان دياب . والرجل في وضع لا يُحسد عليه، فهو لا يريد أن يبقى، لولا الخطة الإنقاذية التي بحوزته،عازفاً على وتر حقوق المودعين، حيث الدولة هي الضمانة، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا دولة الرئيس . 

فأيّ واقع اجتماعي بعد الانهيار الاقتصادي والمعيشي الذي تخبئه الأيام المقبلة. بعدما اصبح  معظم اللبنانيين باتوا بلا عمل ولا مدخول ولا مورد رزق، وعلى أبواب الجوع تحت خطّ الفقر. في مشهد يؤكّد أنّ السلطةالسياسية باتت أسيرة اوهامها ولا ترى ما يجري، وبالتالي فالانفجار لن يكون بعيداً.