من بقي صامداً حتى اليوم هو المصرف المركزي وحاكمه السيد رياض سلامة، وهو يُبدي حتى الآن مُقاومة ومُمانعة غريبة وخارقة( أي خارج منطق الإنبطاح والإنصياع) لمنع حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر من السيطرة على آخر موقع للجمهورية اللبنانية المتهالكة، رغم كثرة السكاكين المشحوذة لقطع آخر وريد في قلب الدولة التي ابتلعها حزب الله في فترة قياسية لا تتعدّى الخمسة عشر عاماً، أي منذ انتهاء عهد الوصاية السورية على لبنان.
 

منذ أن تمدّد حزب الله في مسامّ المجتمع اللبناني نهاية ثمانينيات القرن الماضي، طُرح خيار الدولة الإسلامية في لبنان من بعض أركانه ومسؤوليه، ليتبيّن فيما بعد أنّ ابتلاع الدولة اللبنانية مرّةً واحدة له مخاطر وصعوبات جمّة، لعلّ أبرزها صعوبة واستحالة هضم جسم الدولة الشرعية الضّخم، لذا لجأ الحزب إلى الخيار الأفضل، وهو القضم رويداً رويدا، فدخل البرلمان واعداً ناخبيه بخدمتهم بأشفار العيون، ومن ثمّ أبدى الحزب تعفُّفاً عن الإنخراط في الحكومات اللبنانية المتعاقبة، أو شغل بعض المواقع الإدارية المدنية، مع بدء التّسلُّل إلى المواقع الأمنية والعسكرية، بانتظار فرصة مؤاتية لتقاسم المقاعد الحكومية الشيعية مع القطب الثاني في الثنائية الشيعية الرئيس نبيه بري.

 

 

أمام محاولة الوزير السابق وليد جنبلاط، مع حكومة رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، التّعرُّض لشبكة اتصالات "المقاومة" عام ٢٠٠٧، ونقل ضابط أمني من مطار بيروت الدولي للإشتباه بعلاقته مع حزب الله، جرى اجتياح بيروت، وتدمير المقرات الحزبية والإعلامية لتيار المستقبل، ومحاصرة الزعيم وليد جنبلاط في منزله في كليمنصو، لينتقل الجميع بعد ذلك إلى الدوحة في قطر، وتمّ إرساء اتفاق سياسي-أمني يسمح لحزب الله وحلفائه بالسيطرة شبه التّامّة على معظم مفاصل الدولة اللبنانية الحسّاسة، وبعد انتخابات العام ٢٠٠٩ أصرّ فريق حزب الله والتيار الوطني الحر برئاسة الوزير جبران باسيل على الحصول على الثُّلث المُعطّل في تشكيلة حكومة سعد الحريري، ما سمح بالإطاحة بها عند أول فرصة، فكانت حكومة اللون الواحد، حكومة الثامن من آذار برئاسة نجيب ميقاتي، حتى جاءت فرصة السيطرة على موقع رئاسة الجمهورية عندما شعر الموقع عام ٢٠١٤، فرهنَ حزب الله الموقع ووضعهُ نصب أعيُنه، الجنرال عون أو لا أحد، وسارت السُّفُن وفق ما تشتهي رياح الحزب، وبات رئيس الجمهورية رهين المحبسين: حزب الله والصهر اللاهث وراء الصفقات والثروات، فضاع البلد بين شاقوف الفساد وانتهاك سيادة البلد واستقلاله ونهب خيرات اللبنانيين وأرزاقهم.

إقرأ أيضا : موتوسيكلات الخندق والضاحية، ومصاحف عمرو بن العاص في صفّين

 

 

جاءت انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول عام ٢٠١٩ التي أرغمت الرئيس سعد الحريري على الإستقالة، وتمكّن الثنائي الشيعي مع التيار الوطني الحر من اجتذاب شخصية سُنّيّة باهتة، هو رئيس الحكومة الحالية الدكتور حسان دياب،  الذي لا موقع له ولا دور في التّركيبة السياسية اللبنانية، صنيعة من صنائع الثنائي الشيعي مع التيار الوطني الحر، لا بل هو دُمية طيّعة في أيديهم، وهكذا تمّ قضم موقع رئاسة الحكومة بعد قضم وهضم موقع رئاسة الجمهورية، اليوم الرئاسات الثلاث في أحضان حزب الله، المواقع الأمنية والعسكرية في عهدته، حكومة الدُّمى ألعوبة بين يديه، من بقي صامداً حتى اليوم هو المصرف المركزي وحاكمه السيد رياض سلامة، وهو يُبدي حتى الآن مُقاومة ومُمانعة غريبة وخارقة( أي خارج منطق الإنبطاح والإنصياع) لمنع حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر من السيطرة على آخر موقع للجمهورية اللبنانية المتهالكة، رغم كثرة السكاكين المشحوذة لقطع آخر وريد في قلب الدولة التي ابتلعها حزب الله في فترة قياسية لا تتعدّى الخمسة عشر عاماً، أي منذ انتهاء عهد الوصاية السورية على لبنان.