على رغم تجدُّد زخم الإنتفاضة الشعبية أخيراً، والتي كانت انطلقت في 17 تشرين الأول 2019 حاملةً شعار «كلّن يعني كلّن»، هناك فئات شعبية ما زالت تعوّل على بعض الأحزاب لإنقاذ لبنان من التدهور الحاصل على المستويات كلّها، وتجنيب الناس الجوع والعيش دون مستوى الحياة الكريمة أو تغيير نمط حياتهم الذي اعتادوه، وذلك بسبب فشل سياسات السلطة المتعاقبة. وتبرز دعوات من مناصري حزب «القوات اللبنانية» على مواقع التواصل الإجتماعي لرئيس الحزب سمير جعجع، الى المشاركة العلنية المباشرة في تحرّكات الشارع وإسقاط حكومة الرئيس حسان دياب.

بعد تشكيل الحكومة الحالية، دأب رئيس حزب «القوات اللبنانية» على تحميل مسؤولية الإنهيار في البلد أو العجز عن إنقاذ لبنان من السقوط لـ»الثلاثي المرح»، أيّ «حزب الله» وحركة «أمل» و»التيار الوطني الحر»، من دون استهداف حكومة دياب تحديداً، بل التصويب مباشرةً على «أصحاب القرار» في هذه الحكومة.

 

وفي حين قال جعجع، في بيان أمس الأوّل، إنّ «جماعة «8 آذار» بمكوناتها المختلفة، طالما هي تُمسك بالقرار من أمام الستارة أم من خلفها، ستبقى الأمور تتطوّر من سيئ إلى أسوأ»، كرّر موقفه أمس في «تغريدة» محدّداً فريقين من «هذه الجماعة»، وقال: «‏طالما أنّ «حزب الله» والوزير جبران باسيل وحلفاءهما موجودون في السلطة، تحضّروا لخبر سيئ وتدهوُر جديد مع كلّ إشراقة شمس».

 

تسمية جعجع لـ»الحزب» وباسيل تأتي انطلاقاً من اعتباره أنّ هذا الثنائي يُشكّل «العمود الفقري لفريق 8 آذار الحاكم الآن». لكن يبدو أنّ تحميل جعجع هذا الفريق مسؤولية تدهور الأوضاع، سيظلّ مقتصراً على «البيانات» و»التغريدات» من مقرّ «القوات» في معراب، ولن ينزل الحزب على الأرض لإسقاط حكومة دياب.

 

المقصد من موقف جعجع الذي كرّره في يومين متتاليين، هو التأكيد أنّ أيّ حكومة لا يُمكنها أن تُنتج أو تنقذ لبنان في حال بقي هذا الثنائي (باسيل و»حزب الله») ممسكاً بقرارها. انطلاقاً من ذلك، إنّ إسقاط حكومة دياب والذهاب الى حكومة جديدة «ثانوي وتفصيلي» بالنسبة الى «القوات»، التي تعتبر أن «لا قيمة لأيّ حكومة جديدة إذا كان ميزان القوى فيها هو نفسه، وإذا قرّر «الحزب» وباسيل سياستها. إذ طالما أنّ فريق 8 آذار متحكّم بالسلطة، لا أمل في البحث عن إنقاذ، لا في هذه الحكومة ولا في أيّ حكومة مقبلة».

 

بالتالي، لا دعوة «قواتية» أو سعي الى إسقاط حكومة دياب، التي لم تنجح في لجم التدهور، بل إنّ الأزمة تتفاقم في ظلّ حكمها. وإنّ الأساس لدى جعجع هو «كفّ يد فريق 8 آذار، فالمشكلة ليست في الحكومة بل في القرار السياسي الذي يمسك به الفريق الذي أنتج هذه الحكومة، وبالتالي يجب العودة الى أصل المشكلة لا التوقف عند شكلها».

 

وإنّ لبّ المشكلة وجوهر المسألة، بالنسبة الى «القوات»، هما أنّ «الفريق الذي أوصل لبنان الى الإنهيار لا يُمكنه إخراجه منه، وبالتالي على هذا الفريق أن يكف يده عن التعاطي في الشأن العام وإفساح المجال أمام من يستطيع إنقاذ لبنان في هذه المرحلة». لكن، ماذا ستفعل لكف يد هذا «الثنائي» الذي تتهمه بالتسبب بالإنهيار عن الحُكم؟

 

تكتفي «القوات» بالتصويب على «8 آذار»، وتتّكل على «صحوة» الشعب. وتقول مصادرها: «لا يُمكن فعل أيّ شيء، الحكومة الحالية هي حكومة 8 آذار وتتحمّل أمام الشعب اللبناني مسؤولية الخطوات التي عليها اتخاذها. الآن ليس زمن انقلابات، وهذا الفريق يتحمّل أمام الناس والله والتاريخ مسؤولية إيصال لبنان الى ما وصل اليه. وبالتالي إذا أراد الناس، هُم من يكفّون يد هذا الفريق، انطلاقاً من نظامنا الديموقراطي الذي يعطيهم هذه الحرية. ولذلك حاول فريق السلطة ضرب ثورة الناس وتشتيتها وإضعافها وتسييسها، بغية عدم تمكينها من كفّ يده عن الحُكم».

 

وتعوّل «القوات» على الضغط الشعبي، معتبرةً أنّه سيصل في نهاية المطاف الى «كفّ يد الفريق الحاكم، خصوصاً أنّ الوضع يتّجه من سيئ الى أسوأ، وبالتالي سيصل الى مفترق طرق، حيث لن يتمكّن «حزب الله» وباسيل وحلفاؤهما من أن يواصلوا الحكم».

 

كذلك لا يعمل جعجع على تكوين جبهة معارضة في وجه هذا «الثنائي»، وما زالت الأزمة المالية هي أولوية «القوات» في هذه المرحلة. وتؤكّد المصادر نفسها، أنّ «المعارضة في حال ستتوحّد، يجب أن تكون وحدتها وفق برنامج متكامل لا على نقطة واحدة أو بند معيّن، وفق أهواء كلّ طرف من أطرافها». وتقول: «من هو مستعدّ للبحث في رؤية متكاملة تشمل الإنقاذ المالي وطريقة إدارة الدولة وإعادة إنتاج السلطة، فـ»القوات» مستعدة للبحث معه، لكنها لن تقبل بتقاطع ظرفي على بند معيّن فقط».

 

وفي ظلّ الحديث عن مسعى لإرساء تفاهمات جديدة - قديمة واستبدال الحكومة الحالية بحكومة «وحدة وطنية»، وفي حال استقالت حكومة دياب أو أُسقطت، فإنّ «القوات» لن تشارك لا في حكومة وحدة وطنية ولا في أيّ حكومة أخرى. وما زال جعجع، حتى الآن، متمسكاً بموقفه الذي أعلنه في إجتماع بعبدا في 2 أيلول الماضي، وهو أنّ طبيعة هذه المرحلة تتطلّب حكومة إختصاصيين مستقلين.

 

بالتالي، يبدو أنّ جعجع يغرّد تحت سقف مُحدّد، ويرمي كرة تغيير السلطة في ملعب الفريق الحاكم والشعب في آن، منتظراً الإنتخابات النيابية المقبلة، التي تأمل «القوات» أن تكون مبكرة، وأن ترسي التغيير ضمن المسار الدستوري واللعبة الديموقراطية.