يحاول الكاتب في الفصل الرابع من كتاب "  كمال جنبلاط والصحافة: تاريخ متفاعل مع الأحداث  تأليف الدكتور عماد شيّا، صدر عن الدار العربية للعلوم ناشرون 2019 " الوقوف امام تعاطي الشهيد كمال جنبلاط  مع الصحافة . نظرا لأهميتها  ودورها في المجتمع  حيث اراد  ان يسلط الضوء على دور واهمية الصحافة  في حياة المجتمع وتشكيلها رافعة  للإصلاح والتقدم ، وبكونها عامل انسجام وتوازن واستقرار من خلال نقل المعلومات والافكار والآراء وادراكها للحقائق.

 


وهذا ما كان يؤكده المعلم عن طبيعة الصحافة ونقلها للمعلومات التي تساعد على تمتين الحقائق من خلال التحليل  بين الماضي والحاضر  لتقديم رؤية للمستقبل ، من خلال اسلوب العرض الذي يقدمه الصحافي للمتابعين من خلال ادوات الربط والوقائع  التي يزود بها مقاله.

 


لقد اعتبر كمال جنبلاط بان ظهور الصحافة في المجتمع العربي والاسلامي هي خطوة  باتجاه الديمقراطية او الليبرالية  المفقودة لكونها ردة فعل طبيعية نتيجة ممارسات اقطاعية بطريركية محافظة.
فاذا بحثنا في كتابات كمال  جنبلاط المختلفة طوال فترة وجوده فإننا نرى نوعان من الكتابات قد تميز بها اسلوب كمال جنبلاط  من حيث المتن والمضمون والمنهج والاسلوب.


يحاول كمال جنبلاط  بشكل تفصيلي فهم وادراك عملية الكتابة والابداع الصحافي من خلال ممارسة الكتابة الصحافية وتحقيق المنهجية الخاصة والمعقدة للتفسير التحليلي للقضايا والظواهر.


فالمعلم  استطاع تحديد رؤية واضحة لمهمة العمل الصحافي من خلال 3 نقاط اعتبرها فاعلة ومؤثرة  على عقول المجتمعات العربية من خلال:

 


1-ربطها بالقوة العلمية والتكنولوجية المتاحة آنذاك.


2- تأثير الصحافة المطبوعة التي باتت تؤثر في العقول والحياة الاجتماعية للناس بالوقت الذي تم فيه فرض رقابة شديدة على المطبوعات بشكل عام.


3-رقابة جسدية وسياسية للصحافيين  خارجة  عن العداء المألوف ،مما فرض تناقضات بين الدولة واجهزتها  والصحافة والمجتمع .


في المقابل كان كفاح الصحافة والصحافيين في رفع قضايا  ومفاهيم العمل نتيجة حرية التفكير، والنشاط السياسي والاعلامي.


وهنا يقول كمال جنبلاط ان الانجاز الكبير للصحافة اللبنانية قد شكل الوعي واتاح للراي العام اللبناني مواكبة الاحداث في القرن العشرين .

 


نرى بان توقف كمال جنبلاط بشان التطورات الكبيرة في مجال التكنولوجيا  والاتصالات والمعلومات والاقمار الاصطناعية في ستينيات القرن الماضي ،ساهمت بإزالة الحدود بين الدول والمجتمعات  فقد ساهمت بدخول الوسائل  الاعلامية الجديدة الى البيوت وفي طليعتها التلفاز .

 


فان حرية نشاط الصحافي لقد عززت الحرية غير المحدودة للفرد في الدول الليبرالية ونشطت حرية العمل السياسي وحرية الصناعة الإعلانية والترويجية. يرى كمال جنبلاط بان الكاتب يجب عليه ان يخضع نفسه في الكتابة للحقوق والواجبات التي تمليها مهمة الصحافة "اي اخلاقيات المهنة".

 


لذلك نرى بان جنبلاط يوصف العمل الاعلامي ليس توصيفا نظريا بل كان يتبعه العمل الميداني لان المعلم حاول منذ البداية في كتابة مقالته ان يعمل على نشر وتعزيز مفهوم الوعي الجماهيري من خلال المعلومات وطرح القضايا التي يطرحها الشهيد على منبر الانباء بربطها بالوعي الانساني.

 


فالوعي الجماهيري  هو احداث تغيير كامل في وعي الناس من حيث تناولها للمعلومات والاحداث حيث يمكن تزويدها بمعلومات وحقائق صادقة ، تساعدها في  بلورة افكارها نحو القضايا المطروحة لكي تشكل راي عام في الاوساط الشعبية.

 


فكمال جنبلاط لم يكن صحافيا وناقلا للخبر ويعمل في مجال الكتابة الصحافية ، بل كان كاتبا للمقالة مقالة الراي  الاسبوعية في العديد من الجرائد اليومية او الاسبوعية  وتحديداً في صحيفة الانباء  التي تناول فيها ابرز القضايا والمشاكل التي تعاني منها الدولة والرعية.

 


لذلك تميزت المراحل بكتابة المقالة لدى جنبلاط  لان كتابة المقالة هي من اصعب الفنون الصحافية التي تتطلب تحديد الآراء وربطها بحقائق ومعلومات وبراهين في معالجة القضايا حيث تحمل راي الكاتب وتوقع تحت اسمه ويمكن مقارنة كتابات كمال جنبلاط بكتابات لينين في روسيا  وكذلك رياض الريس في مقالته اليومية  في جريدة القبس السورية قبل الجلاء عن سورية . ويمكن القول بان الصحافي مثل الفلاح الذي يحمل مذراة التاريخ  في الهواء .
واثناء الاطلاع على كتابات كمال جنبلاط  نرى كتاباته  الكثيرة من خلال مقالات تحمل طابع سياسي وثقافي واجتماعي مثل " تاريخ متفاعل مع الاحداث  قائم على مادة الاحداث والقضايا التي عاشتها حيث يرتبط تحليلها مع ما سبق من احداث وما سيحدث لاحقا  وهنا يمكن اخذ المثل حين كتب مقال شهير في  صحيفة الانباء عن الوجود الفلسطيني وتم نقله الى كتاب وصيتي " اذا ضربنا الفلسطيني سوف يلعننا التاريخ في سطور، واذا وقفنا معهم سوف يكتب التاريخ عنا بسطر.

 


ووفقا لذلك استطاع كمال جنبلاط ان يجعل من جريدة الانباء جريدة الحزب الاشتراكي  وجريدة المعارضة معا، خاصة بظل غياب وسائل اعلام المعارضة في لبنان  حيث باتت الانباء الى جانب التلغراف (نسيب المتني اول شهيد للصحافة اللبنانية )، بعد الاستقلال  اصبحتا المنبر الرئيسي للمعارضة  حيث باتت الانباء  الجريدة البارزة في الصحافة والثقافة اللبنانية التي اشرف على مواضيعها شخصيا كمال جنبلاط.

 


مما جعلها تحمل الافتتاحيات المعارضة والمثيرة التي عبرت عن اهتماماتها وهمومها السياسية اليومية التي تخص الكتلة الشعبية اللبنانية  اضافة الى المواضيع الثقافية والاجتماعية والدولية التي تشرح القضايا الدولية كالمقالات التي تخص الهند والصين والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وفرنسا ومصر واليمن وغيرهم .

 


لقد حملت الانباء عناوين الافتتاحيات  عناوين مثيرة  ومعارضة بصورة مباشرة للحكم مثل "الديمقراطية الجديدة، جور القومية في بناء المجتمعات الحرة، غاندي وحركات التحرر  في اسيا، البلشفية الستالينية والتقدمية الاشتراكية ، اضواء على حقيقة القومية السورية". 

 


يقول كمال جنبلاط بان الافتتاحية شبه دائمة والتي تميزت بمواكبتها للأحداث والاضاءة عليها من مختلف جوانبها خاصة ، يعلق كمال جنبلاط على كتابة الافتتاحية بانها اصبحت شبه دائمة  وتميزت بمواكبتها للإحداث والاضاءة عليها من مختلف جوانبها خاصة ، لم يكن يحجب على القراء اية معلومات  تتوافر لديه  حيث يمكنه وضعها بين ايديهم للاطلاع عليها  ولكن بأسلوبه الخاص والمميز مما فرض على السلطة  حجب الجريدة  من الظهور اكثر من مرة حيث حملت الانباء افتتاحيات  موجهة مثل" الدولة الخان ، حكم قراقوش ، انتلجنسيه  سرفيس من جهة والشعب من جهة اخرى، السفينة تغرق، الكذب ملح الرجال ،ارادة الشعب فوق ارادة القاصر ، رئاسة جمهورية ام متصرفية.

 


في المقابل لقد شاهدنا السياسة الاصلاحية التي انتهجها كمال جنبلاط  من خلال الحزب الذي انشئه البرجوازي الاقطاعي لمصلحة الفقراء بتحقيق العديد من الانجازات  في العهد الشهابي  الذي يتفق  بحق  على تسميته بعهد الانجازات الكبيرة ، كما حملت الانباء هموم المرحلة بعد ان عاودت للصدور بعد توقف دام ثمانية شهور  في عهد الرئيس كميل شمعون  الذي طالب بحل الحزب الاشتراكي واغلاق صحيفته المعارضة.

 


لقد تميز عودة صحيفة الانباء بحلة جديدة تمثلت  بصدورها بطبيعة فرنسية  مع عودتها  عادت افتتاحياتها بمقالة كمال جنبلاط الذي وثق الجمهور بكلامه  لتميزها بدقة المعلومات وعمق تحليلها وسلاسة اسلوبها وبساطة التعبير، وايضا اهمية المواضيع التي تطرحه المقلة  . فالمقالة كانت تنشر  الانباء تحت عنوان على هامش الاحداث .

 


لنرى مثلا ان اهم عناوين الفترة الاخيرة مثل طريق التطهير والحكومة الجديدة ، والاصلاح الذي بدأ وفي سبيل الوحدة وضرورة العقاب والثواب وركيزة الاصلاح .


ففي عام 1977 ظهرت الافتتاحية الاخيرة لصحيفة الانباء تحت عنوان" ربي اشهد اني بلغت" هي المرحلة الحرجة في لبنان  التي تعبر عن حالة معينة .


في هذه الفترة عرضت الانباء مجموعة عناوين سياسية اهمها :" اقنعة الانظمة  تتهاوى ، سوريا امام المنعطف " الفخ السوري، ساعة التخلي  رحلة الاحراج  المساومة على الشعب الفلسطيني ، الوساطات العربية ، ربع الساعة الاخيرة، الكيماء اللبنانية ، الطائفية الطائفية.


ان كتابات كمال جنبلاط التي يمكن اعتبارها ضمن نوع ثان من الكتابات التي ساهمت في تطوير الفكر الاجتماعي والسياسي حيث تنوعت المواضيع المختلفة التي تناولها الراحل من خلال مبدى واحد اعتمد عليه الكاتب بان الانسان هو الغاية  لكونه ابرز سمات هذا المستوى من خلال حق التعبير الصحافي .فالصحافة تعتبر بنظره واحدة مؤسسات المجتمع ،ومن واجبها خدمة الانسان ،لذلك عندما تبحث  عن تراث كمال جنبلاط يخطر بالبال ذاك الصحافي الذي يشبه لينين ونجيب الريس .