ما حصل السبت الماضي من سباب لام المؤمنين عائشة من مجموعة من الرعاع والفيديوهات المسربة والمنشورة ليست وليدة لحظة انما هي من صنع دوائر مخابراتية انتهزت الفرصة الملائمة لتسعيير النار في الهشيم، لكن هذا لا يخفي المسؤولية لبعض غلاة الدين في كل الجهات، الذين يعيشون في حقن العامة في الحلقات الدينية المخصصة تحت عنوان درس دين
 

حفل نهاية الأسبوع الماضي بأحداث دراماتيكية كاد البلد ان ينزلق معها الى منزلقات خطيرة قد تطيح بكل شيء وتعيدنا الى السنين الحرب اللبنانية المشؤومة (1975 -1990).

 


لا شك ان وعي المسؤولين الروحيين والمدنيين في احتواء مع حصل دليل عافية وحكمة، لكن هذا لا يكفي أبدا لدرء مؤامرة تنتظر اللحظات السانحة للولوج الى الساحة الداخلية وتفجير الوضع لأهداف وغايات ومشاريع سياسية محلية واقليمية، خصوصا وان الأرضية مهيأة لذلك نتيجة الاحتقان المتبادل في الشوارع اللبنانية بسبب التعبئة السلبية الدائمة التي يتحمل بعض المسؤولين السياسيين وغير السياسيين مسؤوليتها في كل وقت واوان ومع كل استحقاق يحصل.

 

 

واوحت ردات الفعل السريعة لهؤلاء المسؤولين اللبنانيين جميعا انهم قد استفاقوا من كبواتهم السابقة وانهم جميعا يرفضون العودة للحرب او الفتنة او الاحداث العنفية.

 


الأبرز كان في موقف وحدة الموقف السني – الشيعي روحيا ورسميا ليتبين انها المرة الأولى تقريبا التي يحصل فيها اجماع او شبه اجماع على ادانة كل من يتعرض لصحابة الرسول وامهات المؤمنين. 

كان في الماضي المرجع السيد محمد حسين فضل الله هو الوحيد الذي تجرأ وافتى بانه: "لا يجوز الإساءة لامهات المؤمنين وصحابة الرسول تحت أي اعتبار من الاعتبارات" ...
ولكن ثمة أوساط ترجع ما حدث الى "الثقافة الطاردة" او ثقافة النفي والرفض للآخر التي لا تزال تتحكم بالساحة اللبنانية عموما والإسلامية على وجه الخصوص.

 


وترى ان عود الثقاب المذهبي موجود دائما وان امكانية اشعاله سهلة، وان الشتم والسب هو مترسخ في أساليب الرفض للآخر وهي آفة كبرى حاول المرجع فضل الله وسعى لمحاربتها ولكن الحملة التي أثيرت ضده جعلت الأمور لا تكتمل وعادة ثقافة اللعن الى الميدان.

في لبنان وبعد هذه "الجائحة" الفتنوية الجديدة هناك من يقترح العمل للقاء إسلامي جامع يشمل كل الفعاليات الشيعية والسنية. وهناك من يوجه السهام للسياسيين باعتبار ان كل أسلحة الشحن بين أيديهم وكذلك وسائل الإطفاء، وحتى بهولاء وبالتالي هم لا يخرجون عن الإطار الذي يرسمه اهل السياسة وقد كان السيد فضل الله عندما يسأل عن القمم الروحية في لبنان يعبر بكلمته الشهيرة: "مجرد ديكور".

 

 

وجهة نظر الفريق الذي يوجه اللوم للسياسيين ان هؤلاء لهم "طاقمهم" الروحي ولهم احتفالاتهم وطقوسهم، وهم يحرصون في المناسبات الكبرى كأحياء عاشوراء مثلا على المستوى الشيعي ان يحضروا الخطيب البكًاء حتى وان هيًج كل المشاعر المذهبية، لا بل حتى وان اثار المشاكل داخل المذهب الواحد.. وعلى المستوى السني للقيادات السياسية من يسير في فلكها أيضا رجال الدين الذين يحسبون حسابها أكثر من المسؤول عنهم دينيا..

 

 

وبالتالي فان المطالبة هنا بتصحيح الخطاب او تعديله تصبح غير ذات معنى لان فاقد الشيء لا يعطيه وان دور هؤلاء في كثير من نماذجهم هو الاثارة وتحريك العصبيات وشد العصب المذهبي.. فكيف يمكن ان تأخذ الناس منهم مسكًنات روحية او مثاليات قيمية..

 


الشارع قد يتحرك غريزيا إثر عملية شتم معين من خلال رسالة وسائط التواصل يطلقها فريق او شخص او جهة.. ولكن السؤال دائما هو عن الثقافة التي يتم فيها تثقيف الناس بها وهي ثقافة متطرفة في الأصل واستئصالية في العمق..
وحتى في أسلوب المواجهة السياسية يتساءل الكثيرون لماذا لا يكون النزول الى الشارع منضبطا واستعراض العضلات الكلامية والتحشيدات الشعبية بطريقة حضارية..

 

 

ان أسلوب الطبقة السياسية يفرض نفسه على الشارع لان النزول اليه يتم يوحي منهم، ففي لبنان صريخ مذهبي يختلط بآهات الجوع والعوز وكمائن سياسية وربما امنية عند المفترقات.. 
ويجمع الكل ان تعددية الثقافات والطوائف هي غنى لا مثيل له، لكن هذا الغنى قد يودي بصاحبه الى الهلاك إذا لم يوظف ويستثمر في الأمكنة الصحيحة والادمغة الصافية، فتعددية الثقافات غنى لشعب ارتقى وبنى العلاقة على أسس إنسانية مدنية والا تكون وبالا اسودا في تحول هذه التعددية الى القبلية المتخلفة، والى المذهبية الغرائزية التي تستحضر مساوئ التاريخ وفجواته وأحداث خلافية مر عليها الزمن لتوظفها وتبني عليها لتستثمرها في مشاريع خاصة، تبدأ بالتخويف للاحتواء والتأييد، وتنتهي بالتوظيف السياسي لمصالح خاصة وكبرى.

 

 

ما حصل السبت الماضي من سباب لام المؤمنين عائشة من مجموعة من "الرعاع" والفيديوهات المسربة والمنشورة ليست وليدة لحظة انما هي من صنع دوائر مخابراتية انتهزت الفرصة الملائمة لتسعيير النار في الهشيم، لكن هذا لا يخفي المسؤولية لبعض غلاة الدين في كل الجهات، الذين يعيشون في حقن العامة في الحلقات الدينية المخصصة تحت عنوان "درس دين" او محاضرة دينية، وهم بذلك يخدمون مشروع أعداء الامة والدين معا، لان مصلحة الدين في الجمع لا بالتفرقة، ولا مصلحة لأي طرف التطرق الى محطات تاريخية مر عليها الزمن، وما اثارتها الا وبالا عظيما، ونحن في القرن الحادي والعشرين في كل تطوراته الإنسانية و الفكرية والعملية والتكنولوجية الخ...

 

 

ان المنطلقات الأساسية لمكافحة هذه الشوائب تبدأ بإصدار فتاوى مشتركة وعالية النبرة توزع على كل المحافل والمنتديات والمراكز والحوزات الدينية بتحريم مطلق لتناول كل ما يتعلق بالمسائل الخلافية بين السنة والشيعة، وبين المسلمين والمسيحيين، وبالتالي العمل بجدية وحزم على اسكات كل الأصوات التي تنادي عكس ذلك، هذه الأصوات التي ترتبط ارتباطات مشبوهة لمجرد التناوب على تناول المسائل الخلافية ولا شغل لها الا ذلك ما يعني انها تقوم بأدوار لمصالح مخابراتية كبرى.

 

 

باسم سعد

 

صحفي لبناني