أمام هذا الواقع ثمة الكثير من التداعيات التي لا يستطيع حزب الله أن يتحملها لوحده لذا فإن الضرورة تقتضي من وجهة نظر الحزب إسقاط حكومة حسان دياب في الشارع بترتيبات جرى تنسيقها خلال الايام القليلة الماضية مع بيت الوسط وكان الرئيس سعد الحريري على استعداد كامل للسير بالخطة الجديدة وهو بحاجة إلى تعويم جديد على الساحة السنية على حساب الشقيق الاكبر بهاء وهو اليوم بحاجة إلى السلطة أكثر من أي وقت مضى.
 

كانت ثورة 17 تشرين الثاني في العام الماضي محطة مطلبية تاريخية في لبنان حيث انتفض الشعب اللبناني بأكمله على الواقع الاقتصادي والمعيشي الذي وصل إليه البلد نتيجة السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة منذ عام 1990 وحتى اليوم، ونتيجة الإمساك بالقرار الاقتصادي والسياسي للأحزاب النافذة خدمة للمصالح الذاتية أو خارجية لهذه بعيدا عن أي اعتبارات للمصلحة اللبنانية العليا ومصالح اللبنانيين.

شاركت في هذه الانتفاضة الشعبية كل شرائح المجتمع اللبناني بما فيها جماهير الأحزاب التي عانت وما زالت من تبعات الوضع المعيشي بعدما وصلت البلاد إلى حافة الفقر والجوع وعلت الأصوات المنددة بموقف الأحزاب لا سيما حزب الله الذي يعتبر لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين صمام الأمان لهذه الطبقة السياسية المسؤولة عن الإنهيار والفساد ونهب المال العام.

استطاع حزب بعد أيام من اندلاع الانتفاضة ضبط الشارع الشيعي في كل من بيروت والجنوب والبقاع وأحكم سيطرته على أي تحرك مطلبي خدمة للاهداف السياسية الخاصة وانتقل من الشارع إلى المؤسسات ليفرض حكومة حسان دياب على اللبنانيين هذه الحكومة التي سميت حينها حكومة اختصاصيين فيما لم تراع الحد الادني من المهنية وانحازت إلى المحور الآخر، وذهبت تحت الضغوط إلى اللحاق بالحكومات السابقة التي كانت أولوياتها المحاصصة وتوزيع المغانم فبقيت الأزمة على حالها بعيدا عن أي إصلاحات تذكر، وذهب الوضع المعيشي والاقتصادي إلى المزيد من التدهور.

تشكل العقوبات الاميركية على حزب الله عاملا أساسيا في تعقيد الوضع الاقتصادي اللبناني، وفي المقابل لا يزال الحزب مصرا على المواجهة حتى الخراب الكامل وكل ذلك على حساب لبنان ومصالح اللبنانيين، حتى انفجر الوضع المالي والنقدي في الأيام الأخيرة بما ينذر بعواقب أكثر قسوة تهدد المجتمع اللبناني بأكمله وعلى كل المستويات.

بقي حزب الله حتى اليوم عاجزا عن السيطرة فلا خيارات سياسية جديدة للصمود أكثر ولا أفق للمواجهة سوى التحدي الأعمى حتى لو احترق لبنان كله.

والمشهد اليوم في لبنان وعلى الطرقات اللبنانية ليلة أمس هو الاحتراق بعينه هو احتراق كل الخيارات السياسية الاستعلائية وهو احتراق كل مظاهر الكبرياء والاستعلاء، فلم يبق لدى حزب الله سوى فتح الأسوار المغلقة على البيئة الشيعية لاستخدامها ولكن هذه المرة لمصلحته.

خطة حزب الله اليوم ركوب موجة التظاهرات ولكن باتجاهات محددة وأهداف محددة فبعد تعيين نواب الحاكم المقربين من السلطة وهي الخطوة الاولى يذهب حزب الله إلى الضغط على حاكم مصرف لبنان والمصارف لتغيير المعادلات وفرض واقع جديد مع تداول معلومات حول إقالة حاكم المصرف في جلسة الحكومة يوم غد فيما لو حصلت، فهل يستطيع الحزب السير بالمواجهة إلى هذا النحو لا سيما وأن الدعاية الاعلامية حول سعر الصرف كانت أكبر من الواقع بكثير الأمر الذي أدى الى الانقلاب الشعبي الجديد وفق الخطة.

المعلومات المتوفرة حتى الآن أن حزب الله يهرب إلى الأمام ويكسر القيد عن جمهور الضاحية للغضب الشعبي وهو بالتأكيد غير محدد الوجهة لأنه لا يستطيع الإفصاح عن كلمة السر الحقيقية حول أزمة الدولار وغيرها، وكل ما في الأمر أن حزب الله أراد أن يهرب من هذه الحكومة أمام هذه الإنهيارات وأمام مسؤوليته عن حماية الفساد كما أراد أن يهرب أمام عدم قدرته على التأثير في المشهد الاقتصادي داخليا وأمام قوة الضغط الدولي والقوانين الأميركية خارحيا، لا سيما القانون الاخير  قانون قيصر الذي ستكون مفاعيله أكثر بطشا وإيلاما على حزب الله ولبنان وأمام ما يحكى عن قانون جديد يستهدف وزراء الحزب في الحكومة الحالية وحلفاءه والمقربين منه والمؤيدين له من بينهم الرئيس نبيه بري وجبران باسيل وغيرهم.

 

أمام هذا الواقع ثمة الكثير من التداعيات التي لا يستطيع حزب الله أن يتحملها لوحده لذا فإن الضرورة تقتضي من وجهة نظر الحزب إسقاط حكومة حسان دياب في الشارع بترتيبات جرى تنسيقها خلال الايام القليلة الماضية مع بيت الوسط وكان الرئيس سعد الحريري على استعداد كامل للسير بالخطة الجديدة وهو بحاجة إلى تعويم جديد على الساحة السنية على حساب الشقيق الاكبر بهاء وهو اليوم بحاجة إلى السلطة أكثر من أي وقت مضى.

 ولذا فقد جرى إخراج الاتفاق بين حزب الله وسعد الحريري بتسمية شخصية سنية يختارها الحريري وتحظى بموافقة الرئيس بري ورئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط.

وأمام هذه الوقائع الجديدة هل يستطع حزب الله الاستمرار في المواجهة وما مصير لبنان أمام هذا التفرد بالقرار وأمام مواجهة المجتمع الدولي.