لا تزال أحداث 6 حزيران موضع تحليل وتشريح من الجهات السياسية والديبلوماسية والمراجع الأمنية والاستخبارية، سعياً الى ربط الخيوط بعضها ببعض وتظهير الصورة الكاملة لما جرى في ذلك اليوم.

 

الى حين اكتمال أجزاء البازل لمعرفة الاسباب الحقيقية لما حدث، فإنّ ما يمكن استنتاجه من النتائج، على الاقل، هو أنّ هناك متضررين ومستفيدين من تظاهرة السبت الماضي وهزّاتها الارتدادية على أكثر من محور طائفي ومذهبي.

 

لعلّ انتفاضة 17 تشرين الأول بطبعتها الأصلية هي أشدّ المتضررين من تداعيات 6 حزيران، سواء لجهة الشكل الهزيل او لجهة المضمون الركيك، بحيث كادت تنطبق عليها مقولة «الثورة تأكل أبناءها».


 
 

لقد اطلق جانب من الحراك النار على نفسه، واستهلك في يوم واحد جزءاً كبيراً من الرصيد الذي جمعه في الفترة الذهبية. ويمكن القول، انّ بعضاً ممن يحسبون أنفسهم جزءاً منه، اجروا ما يشبه «هيركات» طوعي للمكاسب التي تحققت بعد 17 تشرين الأول، إما بسبب سوء التقدير وإما نتيجة سوء النية، وفي الحالتين النتيجة واحدة، وهي انّ تعديلاً طرأ على موازين القوى في الشارع، وهذه المرة لصالح فريق السلطة، الذي كسب الجولة بفضل الأهداف التي سجّلتها مجموعات 6 حزيران في مرماها بالدرجة الأولى.

 

لكن الفوز في جولة لا يعني بالضرورة انّ السلطة ربحت الحرب، ذلك أنّ ثقاباً واحداً في لحظة غير محسوبة، قد يكون كافياً لإشعال برميل البارود الممتلئ، الذي يقيم البلد فوقه في هذه المرحلة الصعبة والعصيبة.

 

ومع ذلك، يمكن القول انّ حكومة الرئيس حسان دياب، التي كانت ضمن «إحداثيات» متظاهري السبت، خرجت من معمعة ذلك اليوم بأقل الخسائر، بحيث انّها بدت بعيدة من خطر التداعي والسقوط تحت ضغط الشارع، خلافاً للمصير الذي آلت اليه حكومة الرئيس سعد الحريري، التي لم تستطع الصمود أمام زخم المتظاهرين واندفاعتهم في 17 تشرين وبعده.

 

وبهذا المعنى، فإنّ تظاهرة 6 حزيران تحوّلت من تهديد محتمل للحكومة الى فرصة جديدة لها، لكن هذه الفرصة ليست طويلة الأمد نتيجة الحساسية الفائقة للعوامل الموضوعية للأزمة الاقتصادية - المالية - الاجتماعية - المعيشية التي قد تفلت من السيطرة في لحظة ما وتنفجر من تلقاء نفسها، إضافة إلى الخطر الكبير الناتج من هشاشة السلم الاهلي، كما أظهرت الاحتكاكات الطائفية والمذهبية، وبالتالي فإنّ حسن الاستفادة من «الوقت المستقطع» بين شوطين من الانهيار، يتوقف على طريقة تصرّف الحكومة وسرعتها في المبادرة واتخاذ القرارات المطلوبة قبل فوات الأوان.

 

وهناك مستفيد آخر من نتائج نكسة 6 حزيران هو رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، الذي لم يزعجه بالتأكيد فشل شقيقه بهاء في امتحان الشارع، ببعديه العام والسنّي.


 
 

لم يعد خافياً، انّ بهاء الحريري كان، عبر منتدياته وممثليه، أحد «رعاة» تظاهرة السبت، سواء لناحية الادارة والتنظيم او لناحية الرسائل والشعارات السياسية، وبالتالي فإنّ شظايا الإخفاق الذي لحق بالتظاهرة اصابته تلقائياً وشكّلت خسارة مباشرة له، ما أعطى إشارة واضحة الى انّ حجمه الحقيقي على الأرض لا يزال متواضعاً، وانّ تأثيره في الشارع، ولا سيما الجانب السنّي منه لا يزال ضعيفاً.

 

وعلى الرغم من كل محاولات التعبئة والاستقطاب التي بذلها بهاء، بأشكال مختلفة، في الآونة الأخيرة، الّا انّه تبيّن عند الامتحان، انّ قدرته التجييرية ضئيلة، بل انّ بعض انصاره، خصوصا في الطريق الجديدة، ذهبوا في الاتجاه المعاكس وأعلنوا عن انسحابهم من «حراكه»، من دون أن يعني ذلك أن ليست هناك نواة معينة يمكن لبهاء ان يستند اليها في تجاربه المستقبلية.

 

والأرجح، انّ سعد لم يكن ليتمنّى سيناريو افضل من ان يتفرّج على بهاء وهو يتعثر في الشارع اللبناني المزدحم بالمطبات ويستغرق في تعقيداته التي يحتاج تجاوزها إلى خبرات على الطريقة اللبنانية.

 

وضمن جردة الحساب، يمكن القول أيضاً، انّ «حزب الله» خرج سالماً بل ربما رابحاً من مخاض السبت، إذ انّ التظاهرة التي أُريد لها أن تكون أداة ضغط على سلاحه من خلال نفض الغبار عن القرار 1599، انما أعطت مفعولاً عكسياً، وبيّنت انّ التوازنات الحالية والاولويات الراهنة لا تسمح بإعطاء مطلب نزع السلاح اي قوة دفع.