أعرب رئيس حزب "​القوات اللبنانية​" ​سمير جعجع​ عن أسفه لأنه "يتحرك لبنان نحو المجهول. ​الأزمة​ تستفحل أكثر فأكثر والأمور الاقتصادية والمعيشية تتجه إلى مزيد من التدهور ومن دون بصيص أمل حتى اللحظة"، معتبرا أن "ال​مظاهرات​ لم تجر مظاهرات لأن أجواء الترهيب التي قام بها جماعة "​8 آذار​" قبل يوم السبت 6 حزيران منعت قيامها، فاقتضى الأمر على أفراد قليلون من هنا وهناك ومن بينهم أفراداً لا علاقة لهم بالحراك الأساسي لكن لديهم أجندات سياسيّة مختلفة. هنا استفاد جماعة "8 آذار" من هذا الأمر ونزلوا بدورهم إلى الشارع بشعارات سياسيّة وللأسف طائفيّة وأمعنوا في ​بيروت​ خراباً وفساداً".


ورأى جعجع في حديث لصحيفة "​الأهرام​" المصرية أن "الأزمة بشقها الديني قد تم تجاوزها لأن ما حصل مرفوض من الجميع. المهم على هذا الصعيد أن يضبط "​حزب الله​" وحلفاؤه جمهورهم ولا يتركوه يلجأ تارةّ إلى ​العنف​ اللفظي وطوراً إلى العنف المادي حيناً في بيروت وحيناً آخر على مشارف منطقة ​عين الرمانة​"، مشددا على أن "موقفنا من سلاح "حزب الله" معروف. وهذا ​السلاح​ منذ عام 2000 كان لابد وأن يكون في يد ​الجيش اللبناني​ فقط لا غير، ولكنه استمر ويعتبر أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ​الوضع الاقتصادي​ المعيشي الرديء الذى نعيشه في الوقت الحاضر. ولكن خروج هذه المظاهرات في الوقت الحالي يضر بالمصلحة الوطنية إذا خرجت المظاهرات عن عنوانها الرئيسي وهو الحديث عن تردي الوضع الاقتصادي و المعيشي فهذا هو الهم الحقيقي الذي يضغط على الناس".

وأكد أنه "يجب أن تحصر المظاهرات الآن في الأوضاع الاقتصادية المعيشية المتردية"، مشيرا الى أنه لا يدعو الى "حراك لإسقاط العهد ولكني لو كنت أنا في المكان الحالي أتقدم باستقالتي"، معربا عن أسفه لأن "هذه الثقافة غير موجودة في عالمنا العربي ولكنها موجودة في أماكن أخرى في ​العالم​".

وأضاف جعجع: "لا شك ان الظروف صعبة في المنطقة وفي العالم ككل، ولكن هذا لا يبرر تدهور الوضع في لبنان. المشكلة أن القوى السياسية وتحديداً "حزب الله" من جهة، ومجموعة الوزير السابق ​جبران باسيل​ من جهة أخرى متحكمة بالقرار. هذه القوى السياسية ليست مؤهلة بأي شكل من الأشكال"، مبينا أنه "من الناحية الاجتماعية، ​الوضع الأمني​ في لبنان مفتوح على كل أنواع الاضطرابات الاجتماعية انطلاقاً من الوضع المعيشي المذري الذي نحن فيه. ولكن الوضع الأمني من الناحية الاستراتيجية، لا أرى أن هناك أحد يريد قتال أحد في لبنان".

واعتبر أن "كل الأفرقاء الرئيسين في لبنان ضمناً لديهم قرار سياسي واضح بعدم الخوض خارج ال​سياسة​ والأُطر الديمقراطية. ولكن من جهة أخرى سوء الوضع الاقتصادي والمعيشي طبعاً تتسبب في اضطرابات اجتماعية"، وردا على سؤال حول ما إذا إستطاع لبنان مع تشكيل حكومة جديدة ومع عهد جديد، استعادة علاقاته الودية الخارجية، قال جعجع: "للأسف لا، بل غاص أكثر فأكثر في عزلته"، محملا المسؤولية الى "الأحزاب الممسكة في ​السلطة​ بالفعل، "حزب الله" من جهة وجماعة باسيل من جهة أخرى، لأن معروف نظرة العالم لهم".

ولفت الى أن "حزب الله" بحد ذاته أقلية في لبنان من حيث التمثيل النيابي ومن حيث الحجم السياسي. في ​مجلس النواب​ الحالي لـ"حزب الله" 13 نائباً من أصل 128. وبالتالي فإن "حزب الله" بحاجة دائمة لقائمة عريضة من الحلفاء ليستطيع البقاء كما هو وتنفيذ مشروعه في منطقة ​الشرق الأوسط​. وأبرزهم باسيل، وهو مستعد لمساندتهم في السراء والضراء"، مشيرا الى أن "قوة باسيل تأتي من جهة من "حزب الله"، ومن جهة أخرى كون العماد عون رئيساً للجمهورية مع كل صلاحيات ​رئيس الجمهورية​ المتفق عليها في "​اتفاق الطائف​"، فمن هنا تأتي القوة".

وعن توقعاته لمستقبل الحكومة الحالية برئاسة ​حسان دياب​، قال جعجع: "للأسف لا أراه زاهري مع أننا عقدنا أمالاً بأن تنجح هذه الحكومة انطلاقاً من حاجة لبنان العميقة لنجاح ما، ولكن بعد ممارسة الثلاثة أشهر الأخيرة تبين أن من يمسك فعلاً بقرار الحكومة هم أحزاب السلطة، وبالتالي بقيت الأمور على حالها بل ذهبت من سيء إلى أسوء. بالرغم من أن هذه الحكومة تضم بعض الشخصيات المحترمة. ولكن طالما أن القرار عند أحزاب السلطة فالنتيجة ستبقى ذاتها الموجودة من ستة أشهر أو سنة أو اثنتين"، مؤكدا أن "ملف "​كورونا​" تجربة ناجحة و​وزارة الصحة​ اللبنانية بذلت جهوداً كبيرة في التصدي لجائحة "كورونا". ولكن لا أدري بأي نسبة يعود الفضل في النجاح لطبيعة ​الشعب اللبناني​؟".

وأوضح أنه "بالنسبة لملف الفساد هناك كلام كثير، ولكن لا عمل جدي على الأرض. على سبيل المثال: نحن كحزب "القوات اللبنانية" تقدمنا بلائحة من سبعة خطوات للبدء فعلياً ب​مكافحة الفساد​ والتخلص منه، ولم تنفذ الحكومة ولا أي خطوة منها. على سبيل ملفات: التوظيف غير القانوني، التعينات، المعابر غير الشرعية، ​الاتصالات​، ​الكهرباء​، وغيرها من الملفات، مثل التعينات القضائية الإدارية للأسف ولا واحد، لم تقدم الحكومة على أي خطوة عملية لمكافحة الفساد حتى الآن"، وعن حديث مكثف عن خروج أموال بالمليارات من الدولارات من مصارف لبنان، بين جعجع أن "الحديث كان عن خسائر ​المصرف المركزي​ و​الدولة اللبنانية​ ككل. ليس فقط عن الأموال التي خرجت منذ بدء الأزمة".

وشدد على أن "كل الآليات المطلوبة لإجراء ال​تحقيق​ات بشفافية وعدالة ومساواة موجودة في لبنان. ولكن إذا كان المشرفون على هذه الآليات والمتحكمين بها فاسدون. فكيف سنصل إلى نتيجة؟ ولهذا لا أمل في هذا الملف. وفي تأثير السياسيين على بعض ​القضاة​. المشكلة ليست في القوانين ولكن المشكلة في الفريق الحاكم، وفي الأشخاص. أعطني أشخاصاً جيدين من دون قوانين لن يكون هناك فساد. أو أعطني أشخاصاً فاسدين بكل قوانين العالم، يعيثون في الأرض فسادًا"، كاشفا أنه "حتى اللحظة ليست هناك قرارات نهائية حول مصير ​أموال المودعين​ والمستثمرين الأجانب والعرب. هناك تدابير أمر واقع تم تطبيقها. وأقصى تمنياتنا أن يخرج ​القطاع المصرفي​ سليماً متعاف من هذه الأزمة لأنه أحد أعمدة لبنان الاقتصادية المهمة".

وأكد جعجع أن "تطبيق قرارات تحد من حرية المودعين في التصرف بأموالهم غير طبيعي ولم نقبل حتى اللحظة بأي تدابير فكر فيها البعض خوفاً من أن تكون نتيجتها تدمير القطاع المصرفي، خصوصاً وان البعض في لبنان ما تزال لديه ميول كما لو كان الاتحاد السوفيتي لا يزال قائماً وهي ميول يسارية وشعوبية من القرن الماضي"، لافتا الى أن "هناك إمكانية في لبنان تتيح الكشف عن سرية الحسابات. هناك لجنة تحقيق خاصة في ​مصرف لبنان​ اسمها لجنة التحقيق الخاصة تستطيع من خلال تقديم طلب قضائي إلى أي مصرف رفع سرية الحسابات المصرفية لمن تحدده. ولكن المشكلة في ان سالب أموال الدولة لا يضع ​الأموال المنهوبة​ في حساب باسمه؟ جميع هؤلاء يتحايلون بأسماء أخرى".

وحول ما إذا قام هو بالكشف عن سرية حساباته في ​المصارف​، قال جعجع: "لا أملك حسابات في البنوك وليس لي رصيد"، وردا على سؤال "كيف تعيش؟"، قال: "ربك بدبر".

وجزم أنه "بالمنطق لا شيء يمنع وصوله إلى قصر بعبده. على أرض الواقع هناك مانعين أساسيين، الأول: هو "حزب الله" لأنه على طرفي نقيض معنا في النظرة إلى الدولة، وفي وجودها وفاعلياتها، والثاني: هو أن كثير من الطبقة السياسية لا نشبههم ولا يشبهوننا من ناحية طريقة إدارة الدولة. حيث تحتاج إدارة الدولة إلى رجال دولة، إلى تصرف دولة، إلى قماشة دولة. وبالتالي حتى اللحظة هذه أحد الأسباب التي أدت إلى الوصول بالوضع في لبنان إلى ما هو عليه الآن"، وعن الطموح السياسي لرئيس "​تيار المردة​" ​سليمان فرنجيه​، أكد أن "كل إنسان له حق الطموح لأي مركز".

وكشف جعجع أنه "من الممكن أن يحدث تغيير إيجابي في العلاقة مع "حزب الله"، إذا غيّر "حزب الله" في نظرته إلى الدولة اللبنانية. فمن دون دولة لا أمل لأي مجتمع"، مشددا على أنه "في لبنان لا يوجد أي تأثير ل​سوريا​ في الوقت الحاضر. كل التأثير الآن لـ"حزب الله"، وهو يستمد قوته ونفوذه أولاً من القوة السياسية التي لديه وهي ليست كبيرة ولكن لا بأس بها، ثم تتضاعف قوته اضعاف أضعاف بسبب قوته العسكرية والأمنية الموجودة بلبنان".

وتابع جعجع قائلا: "أنا لا أرى أي تأثير لسوريا في الوقت الحاضر. إذا سوريا لها طلبات في لبنان تتحدث مع "حزب الله"، وقد يتحفظ أو يرفض "حزب الله" على قرارات تطلبها سوريا داخل لبنان"، مؤكدا أن "حزب الله" قد يرفض لقرارات سوريّة تتعلق بلبنان، لأن المعادلة المعروفة قد انقلبت قبل عام 2005 عندما كان هناك وجود لجيش ​النظام السوري​ في لبنان كان "حزب الله" يتكئ على النظام السوري. من بعد عام 2011 يعتبر لـ"حزب الله" الفضل في استمرار النظام السوري وعدم سقوط هذا النظام. لذلك، الكلمة الفصل الآن في لبنان وبشكل كلي تعود لـ"حزب الله". حتى في سوريا كثير من الأمور لـ"حزب الله" و​إيران​ الكلمة الفصل فيها وليس النظام السوري. إن النظام السوري كما هو الآن عبارة عن واجهة فيما القرار الفعلي بين إيران و​روسيا​".

وحول ما اذا يستفيد لبنان من علاقته مع إيران، قال: "نعم، من خلال فائدة واحده، وهي تصدير السلاح غير الشرعي إلى لبنان. وأنا لا أرى فائدة أخرى"، مشيرا الى أنه "معروف عن إيران أنها ليست قوة اقتصادية. تاريخياً كانت هناك علاقات جيدة وطبيعية بين الشعبين الإيراني واللبناني ومؤخراً بعد قيام الجمهورية الإسلامية وللأسف بدل من أن تدخل إيران من باب الشرعية إلى لبنان فضلت أن تدخل من الشباك بطريقة غير شرعية عن طريق وضع كل إمكانياتها في حزب لبناني وتكبيره بشكل غير شرعي وتزويده بالسلاح".

وعن رأيه التنوع الكبير في القوى السياسية ​المسيحية​ بلبنان، اعتبر أن "هناك تنوع بحد مقبول. عملياً يتقاسم حتى البارحة وقبل قيام ​الثورة​ في لبنان الساحة المسيحية حزبين كبيرين هما: "القوات اللبنانية" و"​التيار الوطني الحر​" حيث تمثل نسبتهم من 80 إلى 85% من الصوت المسيحي في لبنان. هناك بعض الأحزاب الأخرى، ولكنها أقل بكثير مع احترامي لكل الأحزاب فهي بعيدة جداً بما فيها حزب "الكتائب اللبنانيّة" و"تيار المردة" والشخصيات المستقلة"، وعن الحفاظ على هذه النسب في ​الانتخابات​ المقبلة، قال: "من المؤكد أن "التيار الوطني الحر" أضعف وبالنسبة لـ"القوات" نحن أقوى وربما نحصل على مقاعد أكثر لكن المؤكد أن شعبية "التيار الوطني الحر" تراجعت وتتسم بالضعف.

وأشار جعجع الى أن "نتائج ​الانتخابات النيابية​ الأخيرة والتي كانت معبرة جداً نرى ان هناك ضمور كبير في حزب "الكتائب" الواقع على الأرض يقول ان "الكتائب" يضمر ولا أعرف الأسباب ولا أتمنى أن تواجه "القوات" مستقبلاً ذلك"، وعن توسيع الخلاف بين القوى المسيحية في لبنان؟، أوضح أنه "على أثر تأييد "القوات اللبنانية" للعماد عون ل​رئاسة الجمهورية​ كان من المفترض أن تتحسن العلاقة إلى حد كبير. ولكن ما حدث من ممارسات للسلطة كان عكس كل التوقعات. والممارسات التي تحدث في السلطة تختلف 180 درجة عن توقعات أي لبناني وحتى مؤيدو العماد عون، وهذا ما أدى إلى تباعد من جديد بيننا وبين جماعة الوزير جبران باسيل".

وتوقع أن "يشهد لبنان انتخابات نيابية في المدى المنظور. وبأسوأ الأحوال يجب أن تجري الانتخابات في موعدها بعد سنتين"، معلنا "أننا سنحارب ​التمديد​ إلى آخر لحظة ولسنا مع أي تمديد ومن الأفضل أن تجري انتخابات مبكرة ومن الأسوأ أن تجري الانتخابات في موعدها بعد عامين ونتمنى أن تحصل قبل".

وردا على سؤال "كنت مؤثراً بقرارك في ابتعاد ​سعد الحريري​ عن ​رئاسة الحكومة​؟"، قال جعجع: "نعم. أنا لم أتخلَ عن دعم سعد الحريري، ولكن الظروف كانت غير مناسبة على الإطلاق لتولي سعد الحريري رئاسة الحكومة. وكان من الممكن أن تكون نهاية له. هذا اعتقادنا وحساباتنا"، وحول ماذا إذا فعل هذا بدافع الحرص عليه، قال: "من جهة، ولكن ليس الأمر بهذه الصورة وإنما كنّا وما زلنا بحاجه إلى تغيير كبير في لبنان. حيث لا يمكننا ان نستكمل المسيرة بنفس الطريقة ونفس الأشخاص في السنوات العشر الأخيرة، مجموعة عوامل أدت إلى ذلك".

وحول ماذا إذا تجاوز الحريري يعتبر ظلماً للطائفة السنية بشكل أو بأخر، أكد جعجع أنه "كان متيسراً أن يقوم "​تيار المستقبل​" باختيار شخصية على غرار الرئيس حسان دياب لترأس الحكومة. وكان الوزير ​وليد جنبلاط​ مع هذا الرأي أيضاً، لكنه لم يرشح اسماً لرئاسة الحكومة ولم ير الأمر مناسباً"، مشددا على أن "هناك تنسيق دائم مع جنبلاط، والذي أوجد هذا التنسيق هو المواقف التي يعلنها بوضوح".

ولفت جعجع الى أن "تيار المستقبل" و"​الحزب التقدمي الاشتراكي​" يفضلان أن تبقى الأمور في منزلة بين منزلتين. ولا يريدان استكمال المعارضة للنهاية. نحن نريد أن نكون فريق معارض واضح"، وعن رأيه بموقف رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ من "التيار الوطني الحر"، قال: "بري يفضل لعب دور المصلح ممسكاً العصا في المنتصف و"بياخذ وبيعطي". ولا يرتبط بأيديولوجيا جامدة وهذا يدفعنا للتواصل معه"، وعما اذا يلتقي ببري، أشار الى أنه "لم يحدث ولكن يحدث اتصالات متباعدة والعلاقات مع النواب مستمرة".

وعن إمكانية عودة سعد الحريري إلى الرئاسة مرة أخرى، أجاب جعجع: "حسب المعطيات. سعد الحريري شخصية وطنية معروفة. ولكن لا احد يدري ماذا سيحدث في الانتخابات النيابية القادمة". وحول من هو الوريث السياسي له، شدد جعجع على أن "العمل السياسي يفرزه وعندها يكون الاختيار وفق الآليات، نحن ليس لدينا نظام الوريث السياسي في "القوات اللبنانية"، مؤكدا "أنني حققت كل ما اريد تحقيقه برأيي التحقيق الفعلي هو ان تعيش قناعاتك وهذا ما افعله".