يشكّل التعديل أو التغيير الحكومي مصلحة لأكثر من طرف سياسي من داخل الحكومة قبل خارجها، في ظلّ شعور بعض أطرافها بالعجز عن مواجهة الأزمة المالية، وخشيتها من فقدان السيطرة مع الوقت على الشارع، فيأتي التغيير ليعطي جرعة تخدير، في سياق سياسة شراء الوقت حتى موعد الانتخابات الأميركية.
 
ولا تعدو الإشارات التي صدرت لغاية اللحظة، سوى بالونات اختبار ورسائل ضمنية ومتطايرة بين مكونات الحكومة، تحسيناً لظروف كل مكوّن من هذه المكوّنات. فرئيس الجمهورية ليس بوارد التغيير، لكونه لا يضمن ان تتشكّل حكومة في حال سقوط الحالية، ولكن لديه مصلحة في توجيه رسائل من هذا النوع، وتحديداً للرئيس حسان دياب، بأنّ البدائل جاهزة في حال قرّر التحول إلى معارض لسياسات رئيس الجمهورية، لا سيما انّه يدرك مدى تمسّك دياب بموقعه، وبعد ان لمس في أكثر من محطة، بأنّ الأخير يحاول التصدّي له، وآخرها في مسألة سلعاتا.
 
في المقابل، يسعى رئيس الحكومة إلى تعديل حكومي لا تغيير، لأنّه في التغيير لا يستطيع ان يحسم عودته، فيما من خلال التعديل يضمن بقاءه، ساعياً إلى إدخال مكونات معارضة لهدفين: تحقيق التوازن المفقود داخل الحكومة، بما يعزز دوره كضابط إيقاع، وان تتكفّل المكونات الجديدة بمواجهة رئيس الجمهورية ومن خلفه النائب جبران باسيل، كي لا يضطر إلى مواجهة مباشرة لا يريدها مع عون، ولكنه لا يريد أيضاً ان تُقاد الحكومة من بعبدا.
 
ولناحية «حزب الله»، فإنّه يفضِّل بقاء الحكومة حتى نهاية العهد، إلّا في حال طرأ ما يستدعي تغييرها، وأولويته في المرحلة الحالية شراء الوقت بتلافي الانهيار والفوضى، إلى حين ظهور نتائج الانتخابات الأميركية، ليبني ومرجعيته طهران على الشيء مقتضاه. فهو لا يريد ان يسقط لبنان قبل هذا الاستحقاق، وهذا ما يفسِّر تنازلاته ولو الشكلية مع صندوق النقد وغيره كسباً للوقت.
 
وطالما لم يلمس الحزب توتراً سنّياً بسبب وجود دياب في السرايا، فإنّه لا يجد ما يستدعي التغيير الحكومي، وهذا ما يجعله يبرِّد مع تيار «المستقبل» إلى أبعد الحدود، وهو يراهن على قدرة الرئيس نبيه بري في إبقاء معارضة «المستقبل» تحت السقف، ويتجنَّب كل ما يستفز هذا التيار سياسياً او حكومياً كالتعيينات وغيرها، لإبقاء الوضع تحت السيطرة.
 
ولكن هناك من لا يستبعد ان يتراجع الحزب عن تمسّكه بدياب، في حال وجد انّه مع الرئيس سعد الحريري يمكنه تلافي الانهيار وشراء الوقت بشكل أفضل وأضمن، بخاصة انّ خطواته ومواقفه تندرج في سياق ما يخدم مصلحته وأجندته، وهذا ما حصل تحديداً مع إحياء الحزب خطوط التواصل مع «المستقبل»، الذي أنتج حكومة الرئيس تمام سلام بوظيفة احتواء الغضب السنّي. فهل تتكرّر التجربة مع عودة التوتر إلى هذا الشارع والحاجة إلى تهدئته؟
 
أما لجهة الرئيس بري، فإنّه يفضِّل عودة الحريري إلى السرايا، ليس فقط لغياب الانسجام الشخصي مع دياب، بل في سياق تسجيل النقاط ولو الضمنية على العهد والحزب معاً، والتهيئة للمرحلة المقبلة، مع عودة ثلاثية بري والحريري ورئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط إلى الواجهة السياسية مع ضعف العهد وفشل هندسات الحزب الإقليمية والمحلية.
 
 
 
ولا يبدو انّ الحريري في وارد العودة إلى السرايا، لإدراكه صعوبة الإنقاذ في ظل مجتمع دولي في غير وارد المساعدة ما لم تُقدم الحكومة على إصلاحات واضحة المعالم، فيما العهد والحزب لن يُقدما على كل ما يمسّ بنفوذهما ومكتسباتهما ودورهما، وبالتالي ستشكّل عودته مقتلاً له، كما انّ العودة بشروطه لتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين لن تحظى بموافقة هذا الثنائي. وتبعاً لذلك لن يقدِّم التغيير الحكومي ولن يؤخِّر، طالما أنّ الأكثرية الحاكمة لن تتخلّى عن إمساكها بمركزية القرار، وستبقى في موقع الحاجز أمام أي إصلاح جدّي ممكن، وبالتالي سيكون مصير اي حكومة جديدة كمصير الحكومة الحالية، وإذا كان بنية هذا الفريق التنازل فبإمكانه اختصار الوقت والطرقات والتنازل لحكومة دياب.
 
 
 
فالتغيير مطروح ولكن ليس في الأسابيع المقبلة، إنما في اللحظة التي يشعر فيها «حزب الله» انّ الضغط وصل إلى حدّ بات يستدعي التخفيف من وطأته بإدخال تعديلات على الحكومة توحي الثقة، أو إجراء تغيير سريع ومُتفق عليه سلفاً بين قوى الأكثرية تجنّباً لفراغ طويل يساهم في تسريع الانهيار الشامل واستطراداً الفوضى.
 
 
 
وكل هدف الحزب في هذه المرحلة تخفيف الضغط على الحكومة بمفاوضات من دون أفق مع صندوق النقد، وعدم السماح للشارع بأن يأخذ مداه بإحراج الحكومة ووضعها أمام خيارين: الاستقالة او تنفيذ إصلاحات الصندوق، وهذا ما دفعه إلى تضخيم مطالبات بعض الجمعيات بنزع سلاحه وتنفيذ القرار 1559 من أجل تسييس الحراك لشدّ عصب بيئته وفرطعة الثورة رفعاً للضغط عن الحكومة كأسهل الطرق، بدلاً من التعامل بخشونة مع المتظاهرين، علماً انّ هناك من قال صراحة انّ الخشونة أصبحت مبررة تيمناً بما يحصل في أميركا.
 
 
 
وبعيداً من المزايدة في موضوع سلاح «حزب الله»، الذي يدرك القاصي والداني بأنّه المسبّب الأول للأزمة التي لا خروج منها جدّياً سوى بتسليم سلاحه للدولة والتخلّي عن دوره الإقليمي، إلّا انّ تحقيق هذا الهدف يتطلب ظروفاً خارجية وداخلية غير متوافرة بعد، فيما الأجدى مواصلة الضغط بما هو متوافر من الباب المعيشي، الذي أربك الحزب ومعه الأكثرية الحاكمة، لأنه وحّد الشعب اللبناني والساحات تحت المطلب المعيشي، في ظلّ قناعة الرأي العام على تنوعه واختلافه، بأنّ الانهيار حصل بسبب فشل الأكثرية في إدارة الدولة، وانّ الإنقاذ مستحيل قبل كفّ يد هذه الأكثرية وقيام الدولة الفعلية، أي الوصول إلى النتيجة ذاتها بدلاً من منح الحزب فرصة ذهبية لفرطعة الثورة ورفع الضغط عن كاهله وكاهل الحكومة.
 
فالهدف الأساس لـ»حزب الله» ربط الواقع اللبناني بالإيراني، فيما انهيار لبنان ودخوله في الفوضى يؤدي إلى فك الارتباط مع طهران، والاستراتيجية الإيرانية تقضي بانتظار الانتخابات الأميركية لتحدّد المسار الذي ستسلكه، ولذلك سيمارس كل الضغوط الممكنة لشراء الوقت، عن طريق خطوات الحد الأدنى المالية، بعدما ضمن تعاون حاكمية مصرف لبنان، وسيضع كل قوته لمنع الثورة من إرباك الحكومة وإسقاطها في الشارع.
 
فهل سينجح «حزب الله» في سياسة شراء الوقت؟ وهل سيتمكن من فرطعة الشارع؟ وهل باستطاعته إبقاء الوضع المالي تحت السيطرة وتجنُّب انفلات سعر الدولار؟
 
وفي الإجابة قد يتمكن من كل ذلك، إلّا انّ عدم الإقدام على إصلاحات جدّية وفورية سيؤخّر الفوضى إلى وقت قصير قبل ان تفلت الأمور من تحت سيطرته. ويبقى السؤال، هل سيصمد إلى ما بعد الانتخابات الأميركية أم انّ الانهيار سيطرق الأبواب قبل هذا التاريخ؟