تتجّه الأنظار بعد ظهر اليوم الى ساحة الشهداء، التي ستستقطب ثمار الدعوة الى التظاهر إحياء لثورة 17 تشرين الاول، تحت شعار اجراء انتخابات نيابية مبكرة، ومن ضمنها تشكيل حكومة حيادية ومستقلة، تنظّم انتخابات نيابية شفافة، هي البوابة الإجبارية الى التغيير. كان ذلك قبل ان تُطلق دعوة مجهولة المصدر رفضاً لسلاح المقاومة، وهو ما قاد الى اتهام مطلقها وسؤاله، هل هي خوفاً مما قد يحصل؟ او عليه!؟
قبل «جائحة الكورونا»، وقبلها عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة الميلادية، التي دفعت بـ «ثورة 17 تشرين» الى استراحة اجبارية لاسباب اتصلت بسؤ الوضع الاقتصادي والنقدي ومخاطر الجائحة وتردداتها الخطيرة، لمجرد الالتزام بمنطق التباعد الاجتماعي، الذي شكّل اولى خطوط الدفاع في مواجهة الفيروس «المخفي» و«المخيف»، لم تهدأ الاتصالات والاجتماعات وورش العمل المتخصصة بين مجموعات الانتفاضة، للبحث في عناوين المرحلة المقبلة وخططها، التي تحافظ على حجم «الدينامية الجامعة» التي اطلقتها، عندما تجاوزت في محطات كثيرة منها العوائق والفوارق المناطقية والطائفية والمذهبية، التي قسّمت اللبنانيين لفترة طويلة عمودياً وافقياً.
 
 
 
لم تكن ورش الاتصالات الجارية معلنة، وان تسرّبت بعض المحاضر عن عدد منها، بما حفلت به من مناقشات متخصّصة ومعمقة، في مرحلة من المراحل. فقد بقيت التحضيرات الجارية قائمة في اكثر من منطقة على اكثر من مستوى، في انتظار ساعة الصفر. فكل الاستعدادات التي جرت، وباستثناء تلك المتخصصة، التي تناولت عناوين سياسية واقتصادية ونقدية وبيئية، وتلك المتصلة بالبحث عن مكامن الفساد في الادارات والمؤسسات العامة، فقد بقي التصميم قائماً على ان تستعيد الثورة وهجها في الشارع فور انتهاء المراحل الصعبة والمعقّدة من حال «التعبئة العامة» التي ستسمح بالعودة الى الساحات والشوارع وفق قواعد سليمة ومسالمة.
 
 
 
 
 
قبل اسبوعين تقريباً، كانت ملامح بداية تخفيف حالات الإغلاق التي رافقت المواجهة مع الوباء، بدأت بالظهور تدريجاً. فانطلقت فكرة العودة الى الشوارع بشكل اكثر تنظيماً وقوة واندفاعاً، للتأكيد أنّ الثورة وان همدت لم تخمد بعد. فليس هناك في الافق ما يوحي بقدرة السلطة، التي استهدفتها هذه الثورة بكل مكوناتها باستثناء الاجهزة العسكرية والامنية، ان توفّر الحد الادنى مما طالبت به. لا بل امعن البعض من رعاة التشكيلة الحكومية، في السعي الى إبعادها عن المساحة المستقلة التي يمكن ان تلاقي فيها بعضاً مما يطالب به المنتفضون من كل مناطق لبنان وطوائفه. فسارعت الى الغاء ما حققته الثورة والقت بمطالبها المتصلة بالشفافية والحوكمة الرشيدة، بالامعان في منطق التسلّط والمحاصصة والاستمرار في هدر ما تبقّى من المال العام في الخزينة.
 
 
 
لم تكن هذه السياسة موفقة، وزاد في الطين بلّة، انّ بعض احزاب السلطة التي «هشمّتها» ثورة تشرين، وجدت في الجائحة مناسبة للتحرّر مما أُلصق بها من تهم وما قدّمته من تعهدات. فسعت الى ركوب موجتها واستيعاب بعض مطالبها لتطويعها أو لتجاوزها في آن. ولكن لم تصل هذه الاماني الى مبتغاها، فتقرّر في آخر الاجتماعات التي عُقدت في الفترة الممتدة من 17 الى 20 ايار الماضي، وتوزعت بين مقار سياسية وحزبية عدة، تحديد السادس من حزيران موعداً للإطلالة الشعبية استغلالاً لمعادلة 6 / 6 في التوقيت والشكل والمضمون.
 
 
 
وعند البحث في العناوين الاساسية للتحرّك، حرص الداعون اليه، والذي ضمّ ممثلين لأكثر من 70 او 80 تنظيماً حزبياً ومدنياً ومجموعات التنسيقيات المناطقية، على الإبقاء على المعادلة التي حكمت انطلاقة الثورة، والتي تجنّبت العناوين الخلافية بين اللبنانيين وتحديداً في شأن السلاح. ففاز الفريق الذي اعتبر انّه سيكون مضطراً الى لجم اي حراك في البقاع الشمالي والجنوب وبعض المناطق، حيث الثنائية الشيعية طاغية، بإسقاط شعار السلاح من العناوين الأساسية، ورضي رافضو السلاح ودوره، باعتبار انّ مثل هذا «المنطق» سيتحول امراً واقعاً ان قامت الدولة القوية والقادرة ونجحت في تطويق حالات الفساد ولجم الفلتان.
 
 
 
يعترف كثر من قادة «ثورة اليوم» انّ اعادة زجّ ملف السلاح مجدداً في الحراك المنتظر اليوم لم يكن بريئاً. وأقل ما يُقال فيه انّه مشروع لزرع الانقسام والشقاق بين من اجمعوا على قيادة الحراك والثورة، وتعويضاً عن الفشل في محاكاة ابسط الحقوق المشروعة التي طالب بها الحراك الشعبي. لا بل فقد شكّل عنواناً لسياسة احزاب السلطة وبعض مواقع القوى فيها، من اجل ضرب المحاولة بخطوة استباقية تؤدي الى إفراغ الحراك من اهدافه تمهيداً لتطويقه وانهاء مفاعيله قبل ان يحقق اي خطوة متقدّمة.
 
 
 
 
 
وثمة من يقول، انّ من ينوي الزجّ بملف السلاح والحديث عن دم محتمل سيُراق في الشوارع اليوم بين شارعين، هدفه خنق التحرّك. في حين اتُخذت مجموعة من التدابير الامنية والعسكرية المتشدّدة منذ منتصف ليل امس للإمساك بالأمن، عدا عن الاستمرار في الزام المواطنين بنظام المفرد والمزدوج في حركة السيارات، للتخفيف من حجم المشاركة الشعبية. فلم تستوعب بعد السلطة الحالية عملية اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في بداية الحراك، والتي شكّلت ضربة قاسية لمجموعة من اركانها.
 
 
 
والى الشعارات السياسية التي تتجنّب اي انشقاق داخلي، فقد حرص الداعون الى الحراك على تأكيد اهمية التزام مقتضيات التعبئة العامة الصحية والبيئية، وستكون هناك مجموعات مستعدة لتوزيع اكثر من 30 الف كمامة، ان حضر احدهم الى الساحة من دونها، عدا عن التشدّد في عدم التعدّي على الاملاك العامة والخاصة وتجنّب المواجهة مع القوى العسكرية والأمنية.
 
 
 
ولكن، دون كل هذه الضوابط موانع كبيرة، ففي اعتقاد الأجهزة الأمنية، انّ هناك فئات تخطط للقيام بأعمال شغب، وهي محصورة بفئة من منطقة معينة وستكون لها بالمرصاد. وبعدما رصدت بارتياح انسحاب بعض المجموعات من المشاركة في التحرّك، تستعد القوى الامنية لخطوات استباقية استناداً الى كثير من الروايات والسيناريوهات السلبية.
 
 
 
وتأسيساً على ما تقدّم، توقف مراقبون بكثير من الحذر امام ما سيكون عليه التحرّك في حجمه، والرسائل التي يحملها الى درجة تحمل بعضاً من التناقضات التي يمكن تلخيصها بمعادلة بسيطة. ففي مقابل من يخشى من تحركات اليوم ونتائجها، هناك من يخشى عليها في الوقت نفسه. ولذلك اي نظرية من الإثنتين سينتهي اليوم الى إثباتها وتكريسها؟!