الهامش الواسع نسبيا والمعطى إيرانيا لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله شخصيا بإدارة المواجهة بالمنطقة هذا الهامش الذي اتسع مع غياب سليماني، هو السبب الرئيسي بوجود هذا التباين الكبير بين مجريات الامور وتعارضها بين العراق ولبنان.
 

لا شك أن النظام الايراني يتعاطى مع أذرعه وفصائله المنتشره على امتداد الجغرافيا العربية بشكل منفصل وليس كسلّة واحدة، وطبعا كل بحسب ما يخدم مصلحته أولا وأخيرا.

 

يعتبر المراقبون أن نجاح تشكيل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، القادم من خارج العباية الايرانية للمرة الأولى منذ سنوات ونيله الثقة حتى من الكتل النيابية التابعة لإيران يعتبر خطوة تراجعية إيرانيةكبيرة أمام الضغط الاميركي الذي وصل إلى حده الأعلى لحظة اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ومعه القائد الفعلي للحشد الشعبي مهدي المهندس وما تبع حادثة الاغتيال هذه، من توتر كاد أن يوصل إلى حرب مفتوحة بين الطرفين على الساحة العراقية.

 

اقرا ايضا :ضعف حزب الله في قوته


 
تلمّس الإيراني حينها جدية الادارة الاميركية هذه المرة بالذهاب إلى الأخير بالمواجهة المتوقعة، فشهدنا على الفور مقدرة هائلة من براغماتية النظام الايراني (فتجرع القليل من السم)، فصمتت الأصوات المطالبة بإخراج القوات الاميركية، وخرست الصواريخ المجهولة على المنطقة الخضراء وسلك إسم مصطفى الكاظمي بسلاسة إلى موقع رئاسة الحكومة، ورفعت الكتل "الشيعية" المحسوبة على إيران أياديها كالتلاميذ الشاطرين، وشقت الحكومة طريقها الإصلاحي وانتزعت صور قاسم سليماني عن طريق المطار وبدأ العمل الجدي بانضواء حقيقي لمقاتلي الحشد الشعبي تحت سلطة الحكومة العراقية المركزية.

 


 
هذا الخضوع الايراني للاملاءات الأميركية في العراق، له برأيي عدة أسباب وموجبات وليس نتاج التلويح الاميركي لاستعمال القوة فقط، إذ لو كان من مصلحة النظام الإيراني إدخال جماعاتها بصدام مباشر مع التواجد الاميركي لما تردد هذا النظام من إدخالهم فيه بدون تردد، بالخصوص أن كل المقدمات والظروف تسهل هذا المطلب لو أرادوا (احتلال – اغتيال المهندس – عقوبات – داعش – اسرائيل ...).

 


 
السؤال الذي يطفو على السطح هنا هو لماذا هذه "البراغماتية" الإيرانية نرى عكسها تماما في لبنان؟ فبالوقت الذي نشاهد كل هذا الهدوء بالعراق، نشاهد إصرار حزب الله في لبنان على رفع الأسقف حتى على الخطاب الإيراني نفسه، فشعار إخراج الأميركي من المنطقة لم يتخل عنه الأمين العام ولو لفظيا، إصراره على حماية الطبقة السياسية الموجودة منذ عقود في لبنان ومنع أي عملية تغيير بالرغم من الانهيار الكبير الذي وصلت إليه البلاد.

 

 

يضاف إلى كل هذا إصرار الحزب على الدفاع حتى عن المعابر غير الشرعية التي تحولت إلى شريان حيوي لدعم نظام بشار الأسد على حساب لقمة اللبنانيين، هذا كله في دفة، وفي دفة أخرى يأتي وقوف الحزب ودعمه  لحكومة حسان دياب الفاشلة كمؤشر أساسي لاستمرار اعتراضه على أي عملية تغيير يطمح لها الشعب اللبناني.

 

 

قد يكون الجواب عن هذا السؤال، هو التخوف من امتداد أي اشتعال على الأراضي العراقية إلى الداخل الايراني بالخصوص بعد إعلان ترامب أن أي اعتداء على القوات الاميركية في العراق سيتحمل مسؤوليته النظام الايراني وأن الرد عليه سيكون بقلب إيران، يضاق إلى ذلك حجم التبادل التجاري الذي يبلغ عشرات مليارات الدولارات بين الجارين العراق وإيران، مما يعني أن تخريب وتدمير العراق سوف يحرم إيران من سوق تجاري ضخم هي بأمسّ الحاجة إليه في لحظة الازمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها النظام الايراني، وبالتالي فالإنحناء أمام العاصفة الاميركية هي ضرورة إيرانية للحد من الخسائر قدر الإمكان ، على عكس الوضع اللبناني الذي حتى لو انفجر الوضع فيه وتدمر عن بكرة أبيه، فإن انعاساته المباشر على إيران يكاد يكون معدوما بسبب البعد الجغرافي أولا وتخبطه بأزماته المالية والاقتصادية ثانيا.
 

 


وقد يقول آخر، بأن الهامش الواسع نسبيا والمعطى إيرانيا  لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله شخصيا  بإدارة المواجهة بالمنطقة هذا الهامش الذي اتسع مع غياب سليماني، هو السبب الرئيسي بوجود هذا التباين الكبير بين مجريات الامور وتعارضها بين العراق ولبنان، فتحويل لبنان إلى ساحة مواجهة مع الاميركي هذه المرة قد يكون قرار الحزب نفسه، طبعا برضى النظام الايراني الذي لن يخسر شيئا بمثل هذه الحالة، وقد يكون الاختلاف بالسلوك الايراني بين العراق ولبنان هو بسبب كل ما ذكر مجتمعا .