بالخلاصة بتقديرنا الرسالة الاهم والدرس الابلغ الذي يوجب الاتعاظ انه لن يكون دعم من قبل المؤسسات الدولية والدول المانحة في ظل التموضع على خط تقاطع النزاعات الداخلية والإقليمية، وإبقاء الإقفالات على الحياة والمؤسسات الديموقراطية، وابقاء حيثيات اقتصاد الجريمة المنظمة اطارا ناظما للمداولات.
 

الأزمة السياسية المسدودة الأفق التي نعيشها اليوم هي التعبير الأكمل عما يعانيه لبنان من أزمات بنيوية متضافرة تنعقد على خطوط سياسية ومالية واقتصادية واجتماعية وبيئية وصحية، مدغمة بواقع تفكك مديد لأوصال الدولة اللبنانية وتحولها منذ بداية التسعينات الى تجمع مراكز قوى تعيش في حالة تبدل وانقلاب مستمر على بعضها البعض، بحكم ارتباطاتها مع محاور النفوذ الإقليمية، وطبيعة ولاءاتها الأولية النزاعية والنافية لأية ولاءات مدنية ووطنية فاعلة. ان حدة الأزمة المالية غير قابلة للمعالجة في ظل واقع الدولة الحالي ، وما نعانيه من انقسامات سياسية عطلت قدرة الدولة على التحرك ككل متماسك ومبني على قاعدة تفاهمات مبدئية جامعة. لا إمكانية للخوض في أي سياق اصلاحي على الصعد المالية والاقتصادية بغياب التوافق والقدرة على الحسم في مجالات الخيارات السياسية العامة، وهذا ما لا نشهده في ظل مجابهات مفتوحة بين سياسات نفوذ تنحو باتجاه تغيير هوية البلاد الوطنية، وتموضعاتها الإقليمية والدولية، وطبيعة النظام الديموقراطي الذي اعتمدته منذ نشأتها حتى اليوم . 

 

 

 في ظل هذا الواقع السوداوي ،على ما يبدو أن الرسالة الأميركية التي أُرسلت إلى الحكومة، وتضمنت إبلاغاً بوجوب الحذر من تطبيق قانون قيصر الذي يفرض عقوبات على النظام السوري والمتعاونين معه، لم تكن يتيمةً أو وحيدة، إذ تكشف مصادر متابعة أنه بعد مناقشة قانون قيصر وتداعياته على طاولة مجلس الوزراء الأسبوع الفائت، توالت الرسائل الأميركية إلى لبنان، والتي ترتبط باحتمال فرض عقوبات على لبنان، أو على مسؤولين لبنانيين، بحال لم يكفوا عن ممارسة دورهم السياسي الذي اعتادوا عليه منذ سنوات.

 

اقرا ايضا : هل دخلت حكومة دياب الامتار الاخيرة للماراتون

 


كما أن الرسائل الأميركية تتضمن تحذيراً متجدداً حول وجوب إنجاز ملفات الإصلاح في كل الملفات. وبحال لم تتزامن هذه  الإصلاحات مع خطوات سياسية ومالية واضحة، فإن لبنان سيكون أمام أيام صعبة، ولن يكون قادراً على تحصيل المساعدات. 

 

 

ومن بين الرسائل الجديدة التي تلقاها لبنان، تشديد على ضرورة إجراء تدقيق في الحسابات المالية في قطاع الكهرباء، وفي الجمارك، والمطار، وفي المرفأ.
الرسالة فُهمت بأنها موجّهة ضد فريقٍ سياسي معين، خاصةً وأن التدقيق في ملف الكهرباء وحساباتها سيفتح الأبواب على ما ليس في الحسبان بالنسبة إلى الطرف المعني. أما التدقيق في حسابات الجمارك، فهو يصوّب الأنظار نحو حزب الله بالتزامن مع التجديد لعمل قوات اليونيفيل سنة جديدة، فيما هناك مساعٍ دولية لتوسيع صلاحيات ونطاق عمل هذه القوات الدولية.

 

 

كذلك تتضمن الرسالة تأكيداً على أنه لا يمكن المساس بحاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، في هذه المرحلة، ويجب أن يبقى في موقعه، وأنه لا يمكن إقرار التعيينات المالية بدون تعيين محمد بعاصيري. الأمر الذي أعاد تحريك ملف التعيينات، والبحث عن صيغةٍ لتعيين بعاصيري رئيساً للجنة الرقابة على المصارف بدلاً من تعيينه مجدداً في منصب نائب حاكم مصرف لبنان. 

 

 

بالخلاصة بتقديرنا الرسالة الاهم والدرس الابلغ الذي يوجب الاتعاظ انه لن يكون دعم من قبل المؤسسات الدولية والدول المانحة في ظل التموضع على خط تقاطع النزاعات الداخلية والإقليمية، وإبقاء الإقفالات على الحياة والمؤسسات الديموقراطية، وابقاء حيثيات اقتصاد الجريمة المنظمة اطارا ناظما للمداولات.

 

 ان الإصلاح المالي مشروط بإجراء إصلاحات سياسية بنيوية تحمي السلم الأهلي والتماسك الوطني، وتعيد النظر بمفهوم وآليات عمل على اساس دولة القانون، والحياد الإقليمي. المشكلة المالية على حدة مضاعفاتها واشتراكاتها المديدة، والنتائج المدمرة للممارسات الفاسدة التي اوصلت اليها، لن تلقى حلًا ناجزًا خارجا عن إصلاحات سياسية حقيقية تخرجنا من دائرة سياسات النفوذ، الى حيز العمل المهني المنزه، ومن دائرة المحاصصة والهيمنة الى فسحة العمل الديموقراطي المبني على التواصل والتداول الحر بين متساوين، واحترام الحقوق المواطنية وإنفاذها الفعلي، والتسويات العقلانية، والالتزام بموجبات حقوق الإنسان والخروج من الارتهانات السيادية وإملاءات سياسات السيطرة الإقليمية ومحدداتها وانعكاساتها وإرتداداتها الكارثية على لبنان واللبنانيين .