بين تجديد "تعبئة عامة"، وفكّها من جديد، لا يزال اللبناني يبحث عن الوصول الى مرحلة فكّ حَجْر صحي "صديقة" للصحة والإقتصاد والأوضاع المعيشية، في وقت واحد.
 
وبمعزل عن الأسئلة الصحيّة، وعن الشروط الطبية الضرورية للعمل ضمن هذا الإطار، نضع تلك المسألة على طاولة البحث الإقتصادي.
 
 
 
سلاسل
 
فالإقتصاد اللبناني المُنهَك أصلاً، منذ مرحلة ما قبل بدء أزمة "كورونا"، لا يتحمّل مزيداً من التقييد بسلاسل القيود الصحية. ولكن هل ان تقليص ساعات التخالُط الإجتماعي، من خلال تخفيض بعض ساعات فتح المجمّعات التجارية، والمتاجر، وحتى محال ومراكز بَيْع المواد الغذائية...، في شكل رسمي، مع اعتماد ساعات "تعبئة عامة" تبدأ من التاسعة مساءً مثلاً وصولاً الى السادسة صباحاً، يؤثّر على الإقتصاد سلبياً؟ ويتسبّب بزيادة الفقر، وبتدمير الإقتصاد بشكل فعلي؟ أم ان القدرة الشرائية المُستنزفة لدى معظم المواطنين، مع ساعات فتح طويلة لمختلف المتاجر والمحال والمراكز التجارية، يُمكنه أن يؤدّي الى مزيد من الإستنزاف الإقتصادي على المستوى الداخلي؟
 
 
 
12 بدلاً من 16...
 
نذكر في هذا الإطار، أن المجمّعات التجارية والمحال والمتاجر... تتكبّد مصاريف لها علاقة بالصيانة، ودفع ضرائب من كهرباء وهاتف وغيرها... فيما يطالب بعض القيّمين على بعضها بإعفاءات تتعلّق بهذا الإطار، منذ أكثر من شهر. فهل يُمكن لتقليص ساعات فتح تلك الأماكن، ضمن هذا الإطار، أن يوفّر على محفظتها المالية بعض الإنفاق، عبر نشاط لدى الكثير منها يمتدّ الى 12 ساعة بدلاً من 16 مثلاً، أو الى 9 ساعات بدلاً من 12، بموازاة انسجامه في وقت واحد مع ضرورات استعادة النّشاط الإقتصادي، وتقليص ساعات التخالُط الإجتماعي، للوقاية من فيروس "كورونا"؟
 
 
 
انتظام
 
أشار الخبير الإقتصادي جهاد الحكيّم الى أن "كثيرين يتّكلون على قطاع السياحة والمطاعم الذي ينشط مساءً، لا سيّما أن معظم اللّبنانيين يحبّون السّهر، فيما نحن أيضاً على أبواب موسم الصّيف الذي من المفترَض تنشيط الحركة السياحية، خلاله".
 
ولفت في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" الى أن "كلّ البلدان تتّجه الى فكّ الحَجْر الصحي، والى فتح اقتصاداتها. ولكن المشكلة التي تنعكس على الإقتصاد سلبياً هي فتح البلد وإعادة إقفاله بطريقة متكرّرة، وغير متّزنة".
 
وشرح:"هذا الأمر لا يصلح لمدّة طويلة، لأن الشركات والأعمال تتأثّر بحالات عدم اليقين، التي تنعكس سلبياً على انتظام ووضوح طريقة العمل والإستثمارات، وملفات تسريح أو عدم تسريح الموظّفين، وشراء البضائع وزيادة المخزون منها أو لا، وغيرها من الأمور التي تدخل في صُلب انتظام العمل، في شكل يتماشى مع الطّلب المتوقَّع".
 
 
 
عدم يقين
 
وأوضح الحكيّم:"الأعمال والشركات عموماً لا تحبّ حالات عدم اليقين، التي تضرّ بالإستثمارات. وهي تشبه مثل من يقول لمريض أُدخُل الى غرفة العمليات، ومن ثم يقول له لا، في شكل متكرّر، فيما وضعه الصحي خطير، ويتطلّب إتّخاذ القرار المناسب وإخضاعه للعملية الجراحية سريعاً".
 
وردّاً على سؤال حول الإعفاءات الضريبية للمحال والمتاجر، أجاب: "هذه الخطوة يجب أن تكون أشمل من الفترة التي اضطُّرَت المحال خلالها الى الإقفال، في مرحلة "التعبئة العامة".
 
وقال:"إستقدام التدفقات المالية التي يحتاجها لبنان كثيراً في الظرف الحالي، لا يقوم على زيادة الضرائب، إنّما على العكس. وحتى إن جذب الإستثمارات يتطلّب تسهيل القيام بأعمال. فإذا كان ترتيب سهولة القيام بالأعمال في قبرص مثلاً، أفضل بكثير ممّا هو عليه في لبنان، مع نِسَب ضرائب أقلّ هناك، فإن أحداً من المستثمرين لن يفضّل القدوم الى لبنان في تلك الحالة، لذلك من الضروري إعطاء التحفيزات الضريبية اللازمة، وتخفيض الضرائب في شكل عام في ظلّ الكساد الإقتصادي الذي نشهده".
 
 
 
متّزن
 
وأكد أن "مشكلتنا تتطلّب استجلاب تدفّقات مالية بالدولار الى البلد، من أجل الحدّ من تدهور سعر صرف اللّيرة أكثر، والحفاظ على ما تبقى من القطاعات الإقتصادية. وهنا يكمُن التحدّي الفعلي. ولذلك، من المفترض القيام بالتحفيزات الضريبية اللّازمة لكلّ من يريد أن يستثمر في لبنان، وإعفاء المستثمرين الذين لا يزالون في البلد من أجل الحفاظ عليهم. مع الأخذ في الاعتبار مسألة أن زيادة الضرائب ستؤول الى زيادة التهرّب الضريبي أكثر، وإقفال الكثير من الشركات والمؤسّسات التي لا تزال توظّف بعض العمال، رغم الأوضاع الإقتصادية والمالية الصّعبة. فيما لا يُمكن الإكتفاء بإعادة فتح اقتصاد البلد فقط، إذ لا شيء يؤكّد أصلاً أن المحال ستتمكّن من إعادة الإقلاع بسهولة، من جديد، خصوصاً بفعل غياب التسهيلات المصرفية والقروض، وانعدام القدرة الشرائية لدى معظم المواطنين، بالتزامن مع غياب مطلق للسياح الأجانب، من جراء أزمة "كورونا".
 
وختم الحكيّم:"توجد ضرورة لإعادة فتح البلد، ولكن في شكل متّزن لا يقوم على فتح وإقفال بطريقة بطريقة غير منتظمة، وذلك طبعاً مع ضرورة اتّخاذ إجراءات الوقاية اللّازمة، والتزام التباعُد الإجتماعي، والإرشادات الطبية الضرورية".