تبدو سياسة النَفس الطويل التي يتبعها المجتمع الدولي تجاه لبنان، ليست مفتوحة إلى ما لا نهاية، بل قد يصبح قصيراً جداً في اي لحظة، وفق ما تعكسه أجواء السفراء الغربيّين في لقاءاتهم مع المراجع المسؤولة في الدولة الرسمية والسياسية، وكذلك مع الهيئات الاقتصادية والمالية، والتي تقترن بتساؤلات مباشرة وصريحة عمّا يمنع السلطة من الاستجابة الى سيل التحذيرات والنصائح، والمبادرة الى وضع برنامجها الإصلاحي الذي وعدت به موضع التنفيذ، وخصوصاً في المجالات والقطاعات المخسّرة للدولة، والتي تسبّبت في تراجع الاقتصاد وعجز مريع في المالية العامة.
 
وبحسب معلومات استقتها «الجمهورية» من مصادر سياسية مطلعة عن كثب على أجواء الحركة الديبلوماسية، فإنّ الجديد في الكلام الديبلوماسي الغربي والأممي، هو الإيحاء بشكل شبه مباشر بأنّ المجتمع الدولي، يوشك أن يبلغ مرحلة الملل من تحذيرات ونصائح يسديها ولا تلقى استجابة من قِبل الجهات اللبنانية المسؤولة. وما ينقله بعض السفراء في هذا المجال، يوحي وكأنّ صبر المجتمع الدولي على لبنان، بدأ ينفد، خصوصاً وانّ منسوب الثقة بالسلطة اللبنانية صار في ادنى مستوياته.
 
وكشفت المصادر، انّ حالاً من الانزعاج وعدم الارتياح تسود الجسم الديبلوماسي، وخصوصاً انّ السفراء في لقاءاتهم مع المسؤولين اللبنانيين لا يلمسون تفاعلاً جدّياً مع ما يطرحونه، من موقع الحرص على عدم انزلاق لبنان في ازمته الى ما هو اخطر مما عليه اليوم. بل انّ ما يسمعونه من فرقاء السلطة لا يعدو كونه تعابير انشائية ووعوداً متكرّرة، لا تظهر لها ترجمة تنفيذية على أرض الواقع، وهو أمر بدأ يقرّب المجتمع الدولي من الشعور بعدم جديّة السلطة في مقاربة أزمة لبنان الخانقة بما تتطلبه من اجراءات وقائية نوعية.
 
وعلى الرغم من حال عدم ارتياح المجتمع الدولي من تلكؤ السلطة في القيام بمبادراتها الانقاذية والاصلاحية الملموسة، فإنّ فرصة دولية جديدة قد لاحت في الافق الداخلي في الساعات الأخيرة، ترتكز على خريطة طريق انقاذية، لا بدّ للسلطة اللبنانية ان تسلكها قبل فوات الأوان، وحدّدها سفير الاتحاد الاوروبي في لبنان رالف طراف خلال مناقشة النواب لاقتراح قانون المشتريات العام في مجلس النواب. بمشاركة ممثلين عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات الرقابية في لبنان.
 
 
 
وفي معلومات «الجمهورية»، انّ سفير الاتحاد الاوروبي رالف طراف، عبّر عن سروره لوضع هذا الاقتراح على طاولة النقاش، باعتباره احد اهم القوانين الاصلاحية إن تمّ السير فيه واقراره.
 
وقال: «اننا كمجموعة دعم دولية للبنان، قد ابلغنا الحكومة اللبنانية بكل وضوح بأنّ دعمنا للبنان ولحكومته، يرتكز على مجموعة نقاط اساسية، ينبغي عليها ان تقوم بها في اسرع وقت ممكن، لكي تبدأ المساعدات بالوصول الى لبنان ومنها:
 
- النقطة الاولى، المعالجة الملحّة والضرورية جداً لقطاع الكهرباء، فمن غير المقبول ابداً ان يستمر الوضع فيه على ما هو عليه حالياً.
 
- النقطة الثانية، والتي تُعتبر اكثر من ضرورية، وهي اصدار قانون استقلالية القضاء اللبناني.
 
- النقطة الثالثة، اصدار قانون الشراء العام ( وهو قانون يتعلق بكل ما يشتريه القطاع العام، وبالمناقصات التي تجريها الوزارات والمؤسسات العامة والمجالس والبلديات، حيث يرمي الى تنظيم كل هذه الامور من خلال ادارة المناقصات وتوسيع دورها، بما يؤدي الى مناقصات اكثر شفافية واكثر التزاماً بالمعايير والشروط القانونية).
 
- النقطة الرابعة، ولعلّها الأهم من بين كل الشروط، وهي المصداقية، فالمطلوب بالدرجة الاولى من لبنان هو ان يستعيد الثقة به (ثقة اللبنانيين، وكذلك ثقة المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية).
 
وبحسب المعلومات، انّ ممثلي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تبنّوا ما اشار اليه سفير الاتحاد الاوروبي، وشدّدوا على انّ الاصلاح هو باب الانقاذ للبنان، وانّ الخطوات الإصلاحية التي اوردها السفير طراف هي الاساس في اي دعم مُنتظر للبنان.
 
وقالت مصادر نيابية لـ»الجمهورية»، انّ ما جرى التعبير عنه من قِبل سفير الاتحاد الاوروبي، الذي عكس موقف مجموعة الدعم الدولية وكذلك من ممثلي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في جلسة مناقشة اقتراح قانون الشراء في مجلس النواب، يشكّل المفتاح للمساعدة التي يمكن ان تُقدّم من صندوق النقد الدولي. ما يعني انّ ذلك يوجب ان يتمّ التعاطي بكل جدّية مع الصندوق، فمن دون هذه الجدّية، التي ينبغي ان تتبدّى في الخطوات الاصلاحية خصوصاً في مجال الكهرباء اولاً، لا يؤمل بتحقيق اي نجاح في الحصول على مساعدة من الصندوق