ليس بالمبالغة وصفهم بالجيش، فانتظامهم وعددهم وانتشارهم إضافة إلى التزامهم المهمات الموكلة إليهم وصرامتهم في أداءها أقرب إلى الأداء العسكري منه إلى الوصف الذي يطلق عليهم، “المتطوعون”، يغزو بهم “حزب الله” أبرز الإدارات في وزارة الصحة اللبنانية، من دون حسيب أو رقيب، مستغلاً أزمة “كورونا” وحاجة الدولة اللبنانية للمؤازرة البشرية واللوجستية في مواجهة هذه الجائحة.

ما لحظه اللبنانيون وتناقلته وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلامية عدة، خلال الشهرين الماضيين، عن إمساك حزب الله التام بملف فيروس “كورونا” في لبنان، لاسيما برنامج إعادة المغتربين واستقبالهم في مطار بيروت ومتابعة أوضاعهم في حجرهم، عبر فرق “الهيئة الصحية الإسلامية” ومؤسسة “استشفاء” التابعة أيضاً للهيئة بإدارة منفصلة ويرأسها أحد مستشاري الوزير، ليس إلا زاوية ظاهرة من المشهد، فيما تحجب جدران وزارة الصحة الرؤية عن باقي التفاصيل التي تكشفها مصادر من داخل الوزارة لموقع “الحرة”، لتروي من خلالها كيف سيطر حزب الله على مفاصل الوزارة وأمسك بمعلوماتها مسيراً آلية العمل فيها.

يطرح موظفو وزارة الصحة علامات استفهام حول فريق عمل كامل من “المتطوعين” بات يزاحم مكاتبهم، يقوم بعملهم، ويطلع على معظم الملفات والمعلومات في الوزارة، حتى تلك التي تحجب عن الموظفين أنفسهم، لبعض المتطوعين الإذن في الولوج إليها والعمل عليها، من دون أي رقابة او إطار قانوني ينظم عملهم. ووفق المعلومات، فإن معظمهم تابع “للهيئة الصحية” أو مرسلون من قبل شركات أدوية وخدمات طبية ومستشفيات معروفة بولائها المؤسساتي والإداري لحزب الله.

“دخلوا الوزارة خلال أزمة كورونا بحجة تغطية النقص البشري واللوجستي في الوزارة، وما لبث أن بات عملهم يشمل معظم الملفات، من “كورونا” حيث يمسك بمركز عملياته ويتحكم بإعلان النتائج وعدد الإصابات وتوزيعها على المناطق وإجراء الاحصاءات، إلى ملف إعادة المغتربين ومتابعة حجرهم الصحي، وصولاً إلى قسم إستيراد الأدوية وتوزيعها، وليس انتهاءً عند قدرتهم على الوصول إلى كافة معلومات وسجلات اللبنانيين في الوزارة”، بحسب ما تشرح المصادر، مشيرة إلى أن ذلك “يمثل انتهاكاً صارخاً للخصوصية والطابع السري للملفات الطبية.”

المصادر تؤكد أن القسم الأكبر من هؤلاء المتطوعين يتبعون لفريق ” الدفاع المدني – الهيئة الصحية الإسلامية” وهو أحد الفروع الخدماتية في حزب الله. لم يخفِ الحزب استنهاضهم في إطار “تعبئة عامة” صحية أعلنها منذ بداية أزمة كورونا. حينها جرى الكشف عن جهوزية بحجم 25 ألف متطوع بكامل عتادهم الصحي، هدفهم المعلن “إنجاح مهمة وزارة الصحة”، التي سعى حزب الله جاهداً للحصول عليها من حصته الوزارية على مدى حكومتين متعاقبتين.

توجيه هذا “الجيش” يتم بأوامر مباشرة من مستشاري وزير الصحة، الذين يوزعون “المتطوعين” على الإدارات بناءً على حاجاتها، وسط غياب تام لأي آلية قانونية تضبط عملهم وتلزمهم بسلوك يتناسب مع الملفات التي يعملون عليها، فلا تعهدات بالحفاظ على السرية ولا جهة رقابية تشرف على الأداء، وبحسب المعلومات حتى قسم الموارد البشرية في الوزارة لا يملك المعلومات الكافية عنهم ولا تشملهم إدارته.


 
“موقع الحرة” تواصل مع قسم الموارد البشرية في وزارة الصحة اللبنانية، وبالفعل فإن خلاصة مراجعتهم تؤكد أن لا علم لهم بما يقوم به المتطوعون من نشاطات، وإنما يلتزمون في ما يقدمونه من معلومات بالشكل الرسمي المعلن لعملهم، أي “ملف كورونا حصراً”، بحسب رئيس قسم الموارد البشرية خالد سيف الدين الذي يؤكد عدم وجود آلية معتمدة للتطويع في الوزارة، بالمقابل فإن أي عامل في الوزارة يجب أن يكون إما موظفاً في الملاك او متعاقدا أو أجيرا، وينفي وجود متطوعين إلا بين العاملين في ملف كورونا بسبب نقص العناصر البشرية.

ما قدمه قسم الموارد البشرية يتناقض مع الوقائع والمعلومات التي تؤكد دخول “المتطوعين” في عملهم على ملفات أخرى وأقسام جديدة في الوزارة من ضمنها الصيدلة والاستيراد وتوزيع الأدوية، كما هو الحل في مركز بعلبك لتوزيع الأدوية الذي يديره (م.ع) منذ عهد الوزير السابق جميل جبق، وتابع عمله في عهد الوزير الحالي حمد حسن، دون أن يكون موظفاً في وزارة الصحة، وهو وضع مخالف للقانون الذي يلزم أن يكون الصيدلي الموزع موظفاً في الوزارة، بحسب وزير الصحة السابق غسان حاصباني، الذي أكد في حديثه مع “الحرة” أن فوضى عارمة ومشكلة حقيقية قد تنتج عن عمل المتطوعين على ملفات خاصة بالوزارة ومعلومات اللبنانيين في ظل انعدام آلية قانونية أو عقود تطوع تنظم عملهم وتضبط صلاحياتهم، لاسيما تلك المحفوظة في إدارة الديوان و”المعلوماتية” التي يجب أن تحاط بسرية تامة، “حتى الوزير ومستشاريه يجب أن يتقدموا بطلبات رسمية ووفق التسلسل الإداري والوظيفي للحصول على تلك المعلومات مع إيضاحات حول استخدام هذه المعلومات وسياق الإستفادة منها، وكل ما عدا ذلك مخالفة للقانون.”

وما يجري في بعلبك من سيطرة لـ”المتطوعين” المحسوبين على حزب الله أو “الهيئة الصحية الإسلامية” يتم أيضاً في مركز التوزيع في الهرمل كذلك كان يفترض أن يتم في مركز مدينة بنت جبيل، بحسب ما تؤكده المصادر.

علامات استفهام إضافية يطرحها موظفو الوزارة حول المهمات التي يقوم بها المتطوعون في الوزارة بعد انتهاء الدوام الرسمي، وهو ما عاينته “الحرة” من خروج ودخول لمتطوعين بعد انتهاء الدوام الرسمي، اذ تؤكد المعلومات أن متطوعين من غير العاملين على ملف كورونا ومركز الاتصالات الخاص به يحضرون إلى الوزارة بعد الدوام الرسمي أو يستمرون بعملهم بعد انتهاء الدوام ومغادرة الموظفين للوزارة، بالتنسيق مع المستشارين، دون توضيح للأعمال التي يقومون بها أو الصلاحيات والأذونات التي يحصلون عليها في ظل غياب الرقابة الرسمية عنهم.

كل تلك المعلومات والتفاصيل تضعها المصادر في إطار خطة باتت واضحة داخل الوزارة، لإحكام حزب الله سيطرته على كافة مفاصلها ومعلوماتها، وما “جيش المتطوعين” إلا تفصيلاً فيها إذا ما نظرنا إلى باقي الممارسات التي تتم، لاسيما التعيينات التي تستهدف رؤساء الإدارات والأقسام، وبنتيجتها يجري إبعاد كل من لا يثبت ولاءً لنهج العمل الجديد في الوزارة، فيما الأهداف بدأت بالظهور في ملفات حديثة كاستيراد الأدوية الإيرانية والسورية دون استيفاء المعايير الصحية والقانونية اللازمة، إضافة إلى التلاعب بالنتائج في ملف كورونا وبالتالي تلاعب بالمزاج العام والتقييم الشعبي للأداء الحكومي، وهذا كله لا يشمل الهاجس الأمني الذي يمثله حصول حزب الله على هذا الكم من المعلومات الخاصة بالأوضاع الصحية للبنانيين والتي سمحت له فعليا بالإمساك بملف الصحة.