يواجه اللبنانيّون أزمات غير مسبوقة في ظلّ تجدّد انتشار جائحة كورونا، وما يفاقم من صعوبة الأوضاع القيود التي وضعتها المصارف على أموال المودعين، بالتزامن مع موجة غلاء فاحش تعصف في البلاد.
 
خبراء سياسيّون يرون أنّ لبنان مقبل على شفير "ثورة جياع"، فتراكم الأزمات الماليّة والاقتصاديّة يرافقها  تداعيات جائحة كورونا، دفع بشريحة واسعة من اللبنانيّين إلى ما تحت خط الفقر، لافتين إلى أن خروج المواطنين إلى الشارع من جديد  قد يتحوّل إلى احتجاجات  شعبيّة عارمة في الأسابيع المقبلة.
 
وخرج مئات المحتجين في الأسابيع المنصرمة إلى الشوارع في مختلف المناطق اللبنانيّة تنديدًا لزحف الأزمة الماليّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة الى الطبقات الاجتماعيّة كافة.
 
وكما في كلّ حركة شعبيّة ومطلبيّة، تزداد الأحاديث والتحليلات التي تبثّ الذعر في نفوس المواطنين، وتبالغ في الحديث عن فوضى عارمة قد تعمّ البلد، في مقابل تعليقات كثيرة تحاول ربط التحركات بأجندات وتصفية حسابات سياسيّة.
 
* اللجوء إلى العنف *
 
استبعد الباحث السياسي، فارس خشّان، قيام ثورة جياع في لبنان، إلّا في حال بروز قيادة ذات مصداقيّة ومستعدّة أن تدفع ثمن المواجهة.
 
وتخوّف  خشّان في حديثٍ لـِ لبنان الجديد، من ان يستبدل كثير من اللبنانيين اللجوء  الى ثورة مطلبيّة باللجوء الى العنف الاجتماعي، غضبًا هنا، وسرقة هناك، وانتقامًا هنالك.
 
وقال خشّان:" نحن في لبنان أمام مأساتين اثنتين، الأولى أنّ لا خيار متروكًا للبنانيّين الّا الثورة من جهة والعنف من جهة أخرى. أمّا المأساة الثانية فتتجسّد في أن اللجوء إلى خيار العنف هو الأكثر ترجيحًا".
 
ورأى أنّ "تجنيب وقوع لبنان في مأساة العنف الاجتماعي يفترض، في ظلّ انسداد أفق الأمل بتغيير حقيقي على مستوى الطبقة السياسيّة، بروز قيادة ثوريّة حقيقيّة تضع برنامجًا يزاوج السيادي بالمالي والاقتصادي".
 
وتراجعت قيمة الليرة اللبنانيّة، خلال الأشهر المنصرمة، لتصل إلى حدود تقارب  4400- 4250 مقابل الدولار في السوق الموازية.
 
* الجوع لا يرحم *
 
الخبيرة في النزاع السياسي – الاجتماعي، د.ماريا أبي خليل، قالت:" في دول العالم المتقدّمة السياسة هي في خدمة المجتمع إلّا تاريخيًّا في لبنان المجتمع والاقتصاد هما في خدمة السياسة".
 
وأكّدت أبي خليل لموقعنا:" في الوقت الراهن المواطن اللبناني يدفع ثمن السياسة المتبعة والخلافات القائمة بين الطبقة السياسيّة الحاكمة".
 
وتابعت: "لا بدّ للجوع والعوز أن ينفجران في الشارع، إذ مع ارتفاع سعر صرف الدولار لأغراض سياسيّة تأثرت القدرة الشرائيّة واستشرى الغلاء وسرّح عدد كبير من الموظفين من أعمالهم تلقائيًا، وما يحصل فيه إشارات لضغط شعبي".
 
وأعربت الخبيرة عن خشيتها "من الضغوطات الماليّة الحادّة التي تسيطر على البلاد ولاسيّما وأنّها ضربت قطاعات عدّة، ليكون الشارع المتنفس الوحيد للتعبير عن أعباء المواطن".
 
وعن تصاعد الغضب الشعبي، أجابت:" الأمور مرشّحة إلى التوجّه نحو المزيد من التصعيد لأنّ الجوع لا يرحم".
 
ونفت في سياق الحديث، أنّ يكون هناك أي طرف سياسيّ يحرّك الشارع قائلة:" المناطق الأكثر فقرًا كصيدا (جنوب) وطرابلس (شمال) ومناطق لبنانيّة ذات الوضع الاجتماعي الدقيق هم من أطلقوا الصرخة، وسط انعدام للقدرة الشرائيّة على المواد الاستهلاكيّة الأساسيّة".
 
 
* الثورة مستمرّة *
 
في هذا السياق، قال الناشط في مجموعة "لحقي"، هاشم عدنان للبنان الجديد:" الجوع هو الذي يحرّك الشارع في ظلّ صعوبة الأوضاع على جميع الأصعدة مع غياب أيّ خطط انقاذيّة في ظلّ أزمة كورونا التي شلّت البلاد أكثر".
 
وحول المخاوف التي أثيرت في الآونة الأخيرة حول انفجار اجتماعي، ردّ عدنان:"الأزمات الاجتماعيّة خلقت تكاتفًا اجتماعيًّا، بدليل ما نراه اليوم من دعم اللبنانيين بعضهم بعضا عبر تقديم المساعدات الاجتماعية والحصص الغذائيّة".
 
وأضاف:" لا ولن يحدث أي انفجار اجتماعي أو أي اقتتال بين المواطنين إلاعندما تتدخل أطراف أو جهات سياسيّة  هدفها التخريب ويبقى الرهان على وعي المواطنين ".
 
وزاد في قوله:" ثورة 17 تشرين مستمرّة ومع انحسار جائحة كورونا ستستمرّ تحركاتنا كالمعتاد من دون أي ملل".
 
* مؤشرات الغضب الاجتماعي تتصاعد *
 
يدعم تلك التوقعات فقدان ثقة المواطن في قدرة السلطة بانتشال البلاد من أزماتها، وقالت سميرة أبو فيصل (44 عامًا، مدرّسة):" بالكاد استطيع تأمين الطعام لأولادي، الغلاء طحننا ".
 
أمّا هشام عبد القادر (37 عامًا، ميكانيكي):" الوضع معدوم، وما في اليد حيلة، أنا هذا الشهر استطعت تأمين حاجيات المنزل لأنّني بعت قطع من الذهب لكنّ الشهر المقبل إذا لم تُفرج الأحوال سأخيّم في الشارع".
 
بدوره، قال فؤاد راجي (60 عامًا، شوفير عمومي) لموقعنا والدمعة في عينه:" بتُ اشتهي الخبز الطازج أمة كورونا عدمتنا، لا حلول لا آفاق، نحن في المجهول"،موضحًا:" لا أعلم ان كنت سأنام تحت سقف منزلي بعد..ارحمونا".
 
 
* ثورة الجيّاع آتية لا محال *
 
وتعليقًا على انحدار شريحة كبيرة من المنتمين إلى الطبقة الوسطى إلى خط الفقر، لفت الصحفي طوني بولس إلى أنّ " ثورة الجيّاع آتية لا محال".
 
وحذّر بولس في حديثٍ لـِ لبنان الجديد:" جميع المؤشرات تدلّ إلى ارتفاع الانكماش الاقتصادي والضغوطات الماليّة على المواطن كلّ هذا سيؤدّي بشكل حتمي إلى ثورة فعليّة".
 
واستطرد:" لولا جائحة كورونا كانت الثورة قائمة في الشارع".
 
وختم بولس:" الثورة المقبلة ستطيح بالأحزاب والأطراف السياسيّة التي تحمي الفساد  والتي أغرقت البلاد بالدين وبالعزلة السياسيّة".