يعرف القاصي والداني أنّهم فاسدون ولصوص، وفوق ذلك هم كاذبون ومُخادعون تتوجّب محاسبتهم ومعاقبتهم إذا أمكن ذلك.
 

لم يأتِ المفتي الجعفري "الممتاز" الشيخ أحمد قبلان بشيئٍ جديدٍ يُذكر في خطبته الأخيرة حول نهاية صيغة "الميثاق الوطني"، الذي صاغه عام ١٩٤٣ الراحلان رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح، فهذه سقطت مُخضّبةً بالدّم غداة اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام ١٩٧٥، كما سقط قبلها النظام المقاطعجي مُخضّباً بالدم منتصف القرن التاسع عشر كما يقول الدكتور فواز طرابلسي في كتابه "تاريخ لبنان الحديث"، فصيغة الميثاق الوطني قامت أساساً على فصام سياسي، يدعو في ذات الوقت لقيام المساواة السياسية والقانونية والمدنية لجميع اللبنانيين بما هم "مواطنون"، ليعود فيؤسّس اللامساواة السياسية والقانونية والمدنية لجميع اللبنانيين بما هم " رعايا"، ينتمون إلى جماعات دينية مُتراتبة تتوازع حُصصاً متفاوتة من السلطة السياسية والوظيفة العامة، هذه الصيغة هي التي أسّست للنزاعات الأهلية عام ١٩٥٨ وعام ١٩٧٥ ( دون إغفال العنصر الخارجي المساعد).

 

 

 أمّا ما حاول إثارته من زوبعة مُصطنعة الشيخ أحمد قبلان صبيحة عيد الفطر، بالدعوة إلى صياغة دستور جديد وميثاق وطني جديد بعيداً عن " المِلّة والطائفة والمذهب"، وانتخابات برلمانية خارج القيود الطائفية، والذهاب بعيداً في دعوته لإنقاذ الوضع الحالي المُتردّي للبلد عبر صيغة وطنية تُحوّل مشروع السلطة إلى دولة مدنية، دولة شعب وناس و"مواطن"، مع حفظ الخصائص الشخصية للطوائف! كانت نتيجته قيام أصواتٍ عدّة رافضة من كافة الاتجاهات، ولترى في هذه الدعوة، وفي هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد هذه الأيام، دعوة خبيثة للإنقلاب على دستور الطائف الذي ما زال الملاذ الآمن والأخير للّبنانيين في ظلّ الشرذمة الحالية والإنهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وتفشّي البطالة والركود والفساد، ممّا حدا بالشيخ قبلان إلى إصدار بيان توضيحي يستنكر فيه حجم الردود السلبية على دعوته لإنقاذ البلد وإخراجه من مهاوي الفساد والاستبداد ونهب المال العام، والمحاصصات والمحسوبيات الطائفية، وأغفل فضيلة الشيخ مرّةً أخرى دور الثنائية الشيعية السلبي، إن لم نقُل الحاسم والمباشر في وضع البلد الكارثي اليوم.

 

اقرا ايضا :القوى اليسارية والشيوعية والوطنية في حال الأدبار منذ العام ١٩٨٢

 

 

لقد أغفل قبلان دور حزب الله في لبنان والمنطقة، والذي كان له الأثر الكبير في انهيار لبنان، بعد أن ثبُت بالوقائع سكوته المتمادي عن الفساد ونهب المال العام، في حين هو من يمتلك القدرة على وقفه ولجمه، لا بل أمعن في حماية رموز السلطة الفاسدة بالوقوف في وجه الانتفاضة الشعبية التي انطلقت شرارتها في السابع عشر من تشرين الأول الأول عام ٢٠١٩، فضلاً عن ضلوعه كما يتردّد في حماية بؤر الفساد في المرافئ الشرعية وغير الشرعية منها، لقد بدا الشيخ قبلان وهو يغُضّ النّظر عن الطرف الرئيسي الذي يُطيح بسيادة البلد واستقلاله واقتصاده ودستوره، ونعني بذلك الثنائي الشيعي، أنّه غير جادٍّ في دعوته لإنقاذ الوضع الحالي من مآسيه، وهو إذ لا يستطيع أصلاً المسّ بمصالح هذا الثنائي ولا يقوى على ذلك، وهو يتربّع مع والده وأقاربه في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، فكان حريّاً به أن يلزم الصمت على الأقل، فهو لا ينطق من خارج هذه الثنائية التي تمسك بالشرعية التشريعية منذ أكثر من ربع قرن، وتحتفظ بالسلاح غير الشرعي بحُججٍ لم تعُد تنطلي على أحدٍ في لبنان والمهجر، ولعلّ صرخة الشيخ أحمد قبلان بوجه الفساد والاستبداد أشبه ما تكون بصرخات المسؤولين الفاسدين وناهبي المال العام صبحَ مساء وهم يدعون لمحاربة الفساد والاستبداد واستعادة الأموال المنهوبة، ويعرف القاصي والداني أنّهم فاسدون ولصوص، وفوق ذلك هم كاذبون ومُخادعون تتوجّب محاسبتهم ومعاقبتهم إذا أمكن ذلك.