يبقى أن المصيبة الكبرى والإنهيار الكبير الذي يأخذنا إليه الحزب سوف يزداد ويتعمق ويتجذر، إلى أن يستوعب الحزب بأن ورقة الضغط التي يتوهم أنه يمتلكها لا تساوي عند الآخرين عفطة عنز.
 

للمرة المليون يثبت حزب الله بسياسته ومواقفه، أنه غير معني البتة بمصالح اللبنانيين وحياتهم وحاضرهم ومستقبلهم، وبأن مصالحه الحزبية ومصلحة محوره الممتد من إيران مرورا بالعراق ونظام بشار الأسد هو عنده فوق كل اعتبار، بل وأكثر من ذلك، فإنه يعمل بكل جهد وتخطيط وعن سابق تصور وتصميم من أجل جعل لبنان شعبا وحكومة ومؤسسات في خدمة مصالح محوره ولو تسبب ذلك بالمزيد من الآلام والمصائب للبنانيين.

 


 
قد نتفهم وقوف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الايام الاولى لانتفاضة الناس في  17 تشرين، وحمايته للعهد والحكومة وللطبقة السياسية التي عاثت في البلاد والعباد فسادا ونهبا وسرقة لعقود خلت، ومطالبته لجماهير بيئته الحاضنة (الموجوعة أيضا) الإنسحاب من الشوارع، والركون للذين ظلموا، تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان عبر تخوين الناس الجوعى والتشكيك بنوايا الثوار وما الى هنالك من مبررات، وقد نفهم أنه اعتاد على التعايش مع هؤلاء اللصوص والناهبين، وأنه لا يرغب بتحولات جذرية قد تصيب التشكيلة السياسية الموجودة، ويخاف من سقوط كل تلك المافيا التي تؤمن له غطاءا سياسيا يحفظ وجوده في حضنها وبين صفوفها، 


إلا أن من غير المفهوم ومن غير المبرر بأيٍ من المعايير لا الدينية ولا الانسانية ولا الوطنية، بأن يقف مرة جديدة ليحمي أقذر عملية تهريب لمواد أساسية (مازوت – طحين) مدعومة من المال العام اللبناني الشحيح أصلا، مما يكلف الموازنة العامة ملايين الدولارات في ظل أزمة مالية هي الأخطر على لبنان، وتسهيل وصول هذه المواد  بطرق غير شرعية إلى نظام الأسد الذي يعاني هو الآخر من أزمة مالية كبيرة، فيعتبر أن توقف نزف التهريب الحاصل مرتبط بالتنسيق والتعاون مع نظام الاسد، وكأن ما يحصل من تهريب وبهذه الكميات الكبيرة التي شاهدها العالم إنما تحصل من دون علم النظام وليست بالتنسيق معه !

اقرا ايضا : مصلحة النظام الايراني والخيار الحسني المتأخر

 


 
للاسف فإن حزب الله أسير نظرية سياسية ساذجة ومتخلفة لا أدري من أين تسللت إلى عقله واستقرت فيه لدرجة أنها أصبحت واحدة من ركائز تعاطيه بالشأن اللبناني، هذه النظرية تقول بأن المجتمع الدولي وبالأخص منهم الدول المانحة هم مجموعة من البسطاء والاغبياء بحيث يمكن لفطاحل الحزب الضحك عليهم وحتى إلى ابتزازهم لأنهم مغرمون إلى حد الوله بالشعب اللبناني !! 

 

 

أو لعل الفكرة التي كانت سائدة منذ ما قبل إنشاء لبنان والتقسيمات المذهبية والطائفية وانتساب هذه الطوائف واحتضانها من قبل دول خارجية، كالارتباط المتجذر بين المسيحيين مثلا والغرب (فرنسا)، وأن السُنة محضونين هم أيضا من الدول العربية الغنية، 

 


وكأن هذه الرؤية التي عفى عليها الزمن، وسقطت مع الكثير من المتغيرات في المنطقة والعالم، لا تزال معشعشه للاسف في أذهان أصحاب القرار داخل الحزب، وعليها يبني الحزب سياساته، وبالتالي فإنه يعتبر أن وضع اليد على مفاصل البلد وأخذه مخفورا إلى تموضعات سياسية أو الذهاب به بعيدا في تغيير وجهه واستعماله لمآرب لا تمت إلى مصلحة لبنان بأي صلة كمعادات العرب والغرب وكل الدنيا، كل هذا لا يمكن أن يؤثر على توجهات الدول الخارجية "المضطرة" و "المجبرة" إلى مد يد العون والمساعدة،  لأن في لبنان يوجد  "رعايا" لهم !! 

 


وبالتالي فإن حزب الله، يتصرف مع الشعب اللبناني وبالخصوص مع المذاهب الاخرى كرهائن لديه يمكن من خلال أسرهم وتجويعهم، بأن يُخضع بذلك المجتمع الدولي والدول المانحة ومعهم كذلك  صندوق النقد الدولي فيفرض هو شروطه عليهم، على قاعدة : ( أما أن تعطوني ما أريد، وأما فجماعاتكم بلبنان، "الشعب اللبناني" سيجوع )

 

 

وهذا الوهم "القاعدة" بعقل الحزب يمكن الاستفادة منها أيضا، حتى لمصلحة الحليف فتصبح المعادلة حينئذ : "الأسد أو نفقر البلد" .

 

 

يبقى أن المصيبة الكبرى والانهيار الكبير الذي يأخذنا إليه الحزب سوف يزداد ويتعمق ويتجذر، إلى أن يستوعب الحزب بأن ورقة الضغط التي يتوهم أنه يمتلكها لا تساوي عند الاخرين عفطة عنز، وبالتالي فإن كل ما يفعله ما هو إلا إغراق للشعب اللبناني معه، وليس انقاذ نفسه أو إنقاذ حليفه .