قدّمت ​جمعية المصارف​ خلال اجتماع ​لجنة المال والموازنة​ النيابية اليوم مقاربتها لإخراج ​لبنان​ من ​الأزمة​ التي يواجهها، بالرغم من أنه لم يتمّ إطلاع الجمعية أو استشارتها في إعداد خطة ​الحكومة​ للتعافي الإقتصادي، علماً أن ​القطاع المصرفي​ اللبناني هو من أكثر القطاعات ديناميكيّة في اقتصادنا الوطني. وهو يساهم بنسبة 6٪ في تكوين ناتجنا المحلّي الإجمالي، كما يساهم بحجم ملحوظ من احتياجات تمويل ​القطاع العام​ ومن الإيرادات الحكومية ، ويستخدم ما يقارب 26000 موظّف من ذوي الكفاءات والمهارات العالية. وقد أبدت الجمعية في خلال الإجتماع استعدادها لمشاركة السلطات في إيجاد الحلّ الأنسب الذي ينبغي اعتماده لمصلحة البلد.


تنطوي الخطة الحكوميّة للإنعاش المالي على ثغرات عدّة من شأنها أن تقود البلاد ، في حال تنفيذها، الى كارثة اجتماعية واقتصادية. وعلى الرغم من أن لبنان في أزمة غير مسبوقة وأن المعاناة على الأمد القصير لا يمكن تجنّبها، فليس ثمّة ما يدعو إلى تعميق البؤس الجماعي في البلاد وتأخير الانتعاش الاقتصادي. ولا شكّ في أن هناك طرقاً أفضل لإدارة الأزمة والخروج منها ولتعزيز متانة النظام المالي والإقتصادي بكامله.

واعتبرت الجمعية أن "خطة الحكومة ليست خطة اقتصادية بل مجموعة تمارين محاسبيّة، وقد فشلت في معالجة جذور الأزمة. فحتى ولو تمّت إعادة التوازن في الأشهر المقبلة ، فذلك لن يدوم إلاّ لفترة وجيزة ، ما يُفسح المجال أمام إعادة انتاج اختلالات جديدة سيُصار الى تصحيحها مجدداً على حساب اللبنانيّين.

تسعى خطة الحكومة إلى تحقيق هذا التوازن المفترض من خلال التعثّر الداخلي. ولأن التخلّف عن السداد الداخلي له مضاعفات كبيرة وخطيرة، فهو نادر للغاية. وإذا غرق لبنان في انكماش اقتصادي حادّمن جرّاء االتعثّر الداخلي، فلن يظهر ضوءٌ في نهاية النفق: فرأسمالنا هو العنصر البشري العابر للحدود. والتخلّف عن السداد الداخلي من شأنه أن يخفّض إنتاجنا إلى مستوى أدنى منه في ​اليمن​ وكمبوديا ، وسيعاني شعبنا من ​الفقر​ طوال العقد المقبل. ثمّ أن خطة الحكومة تدعو ​مصرف لبنان​ أيضاً إلى التخلّف عن السداد. وبخلاف ​المصرف المركزي​ ل​زيمبابوي​ ، فإن المصارف المركزية حول العالم تفي دائماً بالتزاماتها.

لا تلحظ خطّة الحكومة حتى تداعياتها الأولية. فالركود الاقتصادي الحادّ المقترن بالتعثّر الداخلي يجعل أرقام الإيرادات المالية للحكومةغير واقعية. ذاك أن الخطّة الحكوميّة لم تدرك أن التخلّف عن السداد الداخلي سيؤدّي إلى انخفاض الناتج المحلّي الإجمالي بشكل أكثر حدّةً مما هومتوقَّع (25٪ بدل 14٪). كما أنها لم تستوعب بأن العائدات الضريبيّة ستتدهور أكثر،لأنّ الإمتثال الضريبي سيتراجع الى حدّ كبير، وسيشعر المواطنون بانعدام المسؤولية في الشأن المالي ، ما قد يؤدّي الى إفلاس العديد من الأشخاص والشركات.

لا تقدّم الحكومة رؤية اقتصادية لإخراج الاقتصاد من الركود. والواقع أننا، في الجمعية، على يقين راسخ بأن لبنان يمكن أن يحقّق نمواً اقتصادياً كبيراً بنسبة 5-6٪ سنوياً من خلال اعتماد هيكلية اقتصادية تعزّز مزايانا التنافسية على النحو الذي قامت بها ​هونغ كونغ​ و​ايرلندا​ و​سنغافورة​ وغيرها. فهذه البلدان تشاركنا الكثير:

جميعها ذات مساحة جغرافية صغيرة، وكلّها محاطة ببلدان كبيرة، وتعاني ندرة في الموارد الطبيعية أو الأولية،ولديها رأسمال بشري مؤهّل
ترتكز مساهمة جمعية المصارف في تعافي لبنان المالي على نهج قائم على ركيزتين مقرون بجدول زمني واضح للتنفيذ على مراحل:

أما الركيزتان فهما استجابة فورية متوازنة وفعّالة تعالج احتياجات التمويل الخارجي وتضع المسار المالي إطلاق إصلاحات هيكلية طال انتظارها في غضون الأشهر المقبلة لتعزيز النمو المستدام والشامل جرّاءالتنويع الاقتصادي.

 

التنفيذ المرحلي الواضح وفي الوقت المناسب
لقد أعددنامقاربة اقتصادية تعتمد على ثروة لبنان - سكّانه - والعوامل التي أدّت إلى نجاح الدول المماثلة. وترتكزهذه المقاربة على تنويع ​الاقتصاد اللبناني​ من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج ، والإستفادة من رأسمالنا البشري الضخم لإدخال لبنان بنجاح في اقتصاد المعرفة.

سيقترن هذا التنوّع الاقتصادي بخطّة لبنية تحتية طموحة وواقعية في مجال النقل والاتصالات معإصلاحات هيكلية مطلوبة لهذه القطاعات.

على عكس الخطة الحكوميّة، فإن توقّعات ميزان المدفوعات لدينا تنبثق مباشرةً من المقاربة الاقتصادية المذكورة أعلاه.
نقدّر أن يسجّل ميزان المدفوعات استناداً الى رؤيتنا توازناً بحلول العام 2024.

على الصعيد المالي ، تستهدفمقاربتناتحقيق فائض أولي واقعي بحدود 2,1٪ من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2024 ، وهو ما يضع ​الدين العام​ في سياق إيجابي.

سيشتمل أداء ​المالية العامة​ على إنشاء شبكة أمان اجتماعي بقيمة غير مسبوقةنسبتًها 4% من الناتج المحلّي الإجمالي بحلول العام 2024. ونحن لا نخطّط لهذا المستوى من الإنفاق الاجتماعي بشكل غير مدروس واسترضائي،بل إنه المستوى الذي نراه ضرورياً لتجنّب استمرارانحدار مواطنينا إلى الفقر والعوز.

لا يمكن الحصول على هذه النتائج إلاّ إذا تخلّت الحكومة عن خيارها الخطير بإضافة التعثّر الداخلي المؤذي الى التعثّر الخارجي.فلا يمكن تحقيق الاستقرار المالي ولا النمو الاقتصادي في دولة تقرّر إسقاط ديونها من جانب واحد ، وتصادر الممتلكات بشكل غير قانوني ، وتتدخّل في العقود الخاصة. ولا جدال في أن سيادة القانون واحترام قدسيّة العقود شرطان لازمانللنمو الاقتصادي. لن ننجح كدولة إذا تبنّينا حلولاً سريعة او متسرّعة لمشاكلنا، وهو عكس ما فعلته تلك الدول المزدهرة في أوقات الأزمات لديها

ترتكزمقاربة الجمعية علىتجنّب التخلّف عن السداد الداخلي ، وتخفّضاحتياجات التمويل الخارجي الى حوالى 8مليارات ​دولار​ بدلاً من 28 مليار دولار خلال الأفق الزمني ذاته لخطّة الحكومة.

وتشدّد مقاربتناعلى الدورالرئيسي الذي تلعبه، قانونياً ونظامياً ، السلطات النقدية والرقابية في لبنان لجهة إعادة هيكلة ​القطاع المالي​ اللبناني وإعادة هيكلة وجدولة الدين العام. لذلك نرى، كخطوة أولى، ضرورة تسوية ديون الحكومة لمصرف لبنان بشكل عادل.

تتوخّى مقاربتنا اتّباع آلية تسوية تتضمّنالخطوات التالية: إنشاء صندوق حكومي لتخفيف الديون ("GDDF")؛ ومساهمة الحكومة من خلال الأصول أو الممتلكات العامة بقيمة 40 مليار دولار أميركي في الصندوق المذكور مقابل الحصول على 100٪ من أسهم الصندوق، أي كامل الملكيّة؛ وإصدارالصندوق لأوراقمالية مضمونة طويلة الأجل بقيمة 40 مليار دولار، يحملها مصرف لبنانمقابل التسوية النهائية لدين الحكومة لصالح المصرف المركزي؛ ويتنازل مصرف لبنان للصندوق عن كامل محفظة اليوروبوند وسندات ​الخزينة اللبنانية​؛

في المقابل، يشطب الصندوقللحكومةكامل محفظة الديون المشار اليها أعلاه، مقابل الأصول التي ساهمت بها الحكومة في الصندوق.

يتمّ تحويل رصيد إيرادات الصندوق الى الخزينة العامة بعد أن يسدّد الصندوق الفوائد المتوجّبة لمصرف لبنان. ويمكن تنفيذ هذا التبادل الداخلي الذي يجنّب التخلّف عن السداد بسرعة وسلاسة لصالح جميع أصحاب المصلحة - مما يتيح للحكومة المضي قدماً في التعامل مع بقيّة المسائل والملفّات الملحّة.

لا تطلب ​المصارف اللبنانية​ الإنقاذ أو التعويم لأنها ليست بحاجة إلى ذلك. فصناعتنا المصرفية سليمة، وما نحتاجه هو أن تلتزم الحكومة بما عليها في الوقت المناسب. وسوف تكون المصارف على استعداد لأن تباشر فوراً التفاوض مع الحكومة لإعادة جدولة الدين العام في اتّجاه تمديد آجال الإستحقاقات وتخفيض فوائده بما يتوافق مع قدرة الدولة على السداد ومع الحفاظ على مصلحة المودعين وعلى سلامة القطاع المصرفي ضمن النُظم القانونية والدستورية المعمول بها في لبنان.