لن تصل مساعي آل دياب إلى نتيجة سوى إظهار الولاء لآل عون، وأخذ موقعهم في سياق إذكاء الخلافات داخل البيت السني، وسيُذكرون في التاريخ ضمن قافلة المنقلبين الفاشلين على أهلهم وثوابتهم، لا أكثر ولاأقلّ.
 
اعتبرت عقيلة رئيس الحكومة الدكتورة نوار المولوي دياب، في حديث إذاعي حول وجودها في الهيئة الوطنية للمرأة اللبنانية، أنّ "الهيئة تقوم بعمل جبار، وأحيّي السيدة كلودين عون روكز على ما تقوم به، هناك مشاريع تطرح، مثل سنّ الحضانة للاولاد وقانون الاحوال الشخصية الذي يتم العمل به حالياً. أنا مؤمنة ومتدينة ولكن الحياة العملية شيء والدين أمرٌ بينك وبين ربك، فلنحافظ على ديننا وليحترم كل إنسانٍ دينه، ولكننا نريد قانوناً مدنياً للزواج والطلاق والإرث". 
 
 
 
أهداف تحريك ألغام الأحوال الشخصية
 
 
رسمت السيدة نوار المولوي دياب المشهد بوضوح: دفعٌ عونيّ نحو فتح ملفّ قانون الأحوال الشخصية في شقّه الإسلامي حصراً، ودفعه في اتجاهين:
 
 
ــ إثارة النزاع داخل البيت السني بين من يؤيّد ويعارض هذا المشروع، وإن كان المؤيّدون أقليّة.
 
 
ــ إلهاء الرأي العام عن المشاكل الحقيقية في البلد وإثارة الخلافات داخل صفوف الثوار في الشارع.
 
 
ــ الدفع نحو "العلمنة السنية" لفرض مزيد من التنازلات الدستورية والحقوقية "الذاتية" بدعوى التخلّي عن التعصّب الطائفي، بينما يتموضع التيار الوطني الحرّ في عمق المسالك الطائفية في الحكم والسياسة ويستولي على المكتسبات بكلّ الطرق والوسائل.
 
الدافع "العوني" في هذا الاتجاه ليس جديداً، فالنائب جبران باسيل تمكّن من إقناع الرئيس سعد الحريري باعتناق فكرة التغيير في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، وصوّر له أنه سيكون بهذا "مصلحاً" ومطوِّراً، ودفعه لتبنّي حزمة من القوانين التي تستهدف القضاء الشرعي بدعوى وجود فساد فيه، وقام بنقل قضايا القاصر من القضاء الشرعي إلى المدني، متجاهلاً أن الإصلاح الذي يحتاجه القضاء يشمل كل الجسم القضائي، كما أنّ القضاء الشرعي يحتاج إصلاحاً إدارياً، وليس تدخلاً في التشريعات الإسلامية التي تقوم عليها شؤون المسلمين. 
 
 
 
 
إندفع الحريري عميقاً في مواجهة الهوية الإسلامية، فوافق على إبطال عطلة يوم الجمعة، وهي المطلب التاريخي لدار الفتوى، وأعلن قبوله الشخصي بالزواج المدني، وساير بعض المنظمات النسوية في مسائل تتعلّق بـ"العنف الأُسريّ"، فارضاً ضغوطاً غير مسبوقة على دار الفتوى، وكأنه لم يقرأ أو يعتبر من تجربة والده الشهيد رفيق الحريري عندما عطّل مشروع الرئيس الراحل الياس الهراوي للزواج المدني في مجلس الوزراء، ولا رفض الرئيس الشهيد رشيد كرامي وكذلك الرئيس نجيب ميقاتي لهذا الطرح.
 
 
 
الحريري: السبّاق في خرق الدستور
 
 
خرج الرئيس الحريري من الحكم، وجاء الرئيس حسان دياب، فإذا به يأتي من الأرومة نفسها. وهو في جلسة مع الرئيس ميشال عون عشية تكليفه، فاخر بأنّه خريّج الإرساليات ويعرف من القداس أكثر مما يعرف عن خطبة الجمعة، وقال للرئيس: إنّ زوجتي من فرط حبّها لك عندما تظهر على الشاشات تغمر جهاز التلفزيون..
 
 
معرفة هذه الخلفية ضرورية لفهم كيف تتصرّف أسرة دياب، وما هي منابعها الفكرية والنفسية التي تنطلق منها في سلوكها حيث هي في السراي ولماذا أطلقت السيدة نوّار هذه الرزمة من الطروحات التي تعلم أنّها متفجّرة وغير دستورية، وهي تتحدّث فيها من منطلقٍ متعالٍ ومتشاوف، يقوم بتجاهل حقائق قام عليها لبنان منذ استقلاله وحتى اليوم، وثبات هذه الحقائق ليس تحجراً فكرياً، كما تحاول السيدة دياب توصيفه، بل إنّه الأساس الذي يضمن قبول المسلمين والمسيحيين بفكرة العيش معاً في هذا البلد.
 
 
بهذا المعنى، فإنّ قاعدة التفاهم الإسلامي المسيحي على قيامة لبنان تتمثل في ما ورد في المادة التاسعة من الدستور، وبناءً عليه، قامت المؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية، ومنها المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، ومؤسّساتُ الدولة المدنية.
 
 
عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الشيخ أمير رعد توجّه برسالة إلى أعضاء المجلس يذكّرهم بأنّ مِن "أهمّ صلاحيات مجلسكم أنّه هو المُشَرّع لأهل السنة والجماعة في قضاياهم الدينية. لذلك عندما يتحدث أحد، أي أحد، ويتكلّم بقانون الأحوال الشخصية فإنه يتعدى على صلاحيات المجلس، لذلك لا بُدّ من موقف واضح وصريح" للتصدّي للموجة الجديدة من استهداف الهوية الإسلامية.
 
 
الدكتور رأفت ميقاتي: تهديد لقواعد الكيان اللبناني 
 
 
الدكتور رأفت محمد رشيد الميقاتي، الأمين العام للمؤتمر الاسلامي الدائم للشريعة والقانون في لبنان، قال: إنّ الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية التي تتبع قانونياً لمقام رئاسة الوزراء لا تملك حقّ تجاوز النصوص الدستورية والقانونية المرعية الإجراء، فواجبها أن تعمل تحت سقف المادة التاسعة للدستور التي تنص على أنّ "..الدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تضمن للأهلين على مختلف مللهم احترام أنظمتهم في الأحوال الشخصية "، وهو ما يوجب على الرئيس دياب مسؤولية دستورية  وقانونية وتاريخية لجهة ضبط إيقاع مسار عمل الهيئة المذكورة والحؤول دون تجاوزها حد السلطة المتاحة لها وفق مراسيم إنشائها، وهذا ما لفتنا إليه الرؤساء السابقين". 
 
 
 
وذكّر ميقاتي أنّ الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ليست سلطة تشريعية ولا لجنة نيابية للعدل، كما تحاول دائما أن توحي بأنها الجهة المولجة حصراً بتشريعات المرأة والطفل والأسرة، فهي جهة استشارية وتنفيذية، ومن غير المقبول أن تنشغل  بتحضير اقتراحات قوانين وتشريعات غير دستورية، مهدِرة بذلك، مع أحكام الدستور، المالَ العام في زمن الإفلاس الكبير.
 
 
 
وشدّد ميقاتي على أنّ الجهة المولجة بالتشريع في مجال الأحوال الشخصية للمسلمين السنة هي حصراً المجلسُ الشرعي الاسلامي الأعلى وهذا ما عززه القانون الصادر عام ٢٠١١ الذي عَدَّل نصّ المادة ٢٤٢ من قانون المحاكم الشرعية، وجعل من قرارات المجلس المذكورة نصوصاً آمرة للمحاكم الشرعية السنية في لبنان، وبالتالي فهي مُلزِمة لكل مسلم في مجال الأحوال الشخصية، وإنّ صدورَ أي تشريعٍ عن غير هذا المجلس في مجال الأسرة يجعله منعدماً حكماً .
 
 
لن تصل مساعي آل دياب إلى نتيجة سوى إظهار الولاء لآل عون، وأخذ موقعهم في سياق إذكاء الخلافات داخل البيت السني، وسيُذكرون في التاريخ ضمن قافلة المنقلبين الفاشلين على أهلهم وثوابتهم، لا أكثر ولاأقلّ.