تبدو المفاوضات الصعبة مع الدول الممولة بمثابة سباق فعلي بين ثورة الجياع والمليارات المشروطة بمطالب سياسية سيادية.
 

مع ازدياد نسبة البطالة التي تجاوزت الـ52 %، ونسبة من هم تحت خط الفقر وقد وصلت إلى 35 %، في وقت يستمر النزف، وتعتمد الدولة المفلسة على ودائع الناس المتبقية في المصرف المركزي، لتمويل شراء الحاجيات الضرورية كالمحروقات والطحين والأدوية .

 


فمع انطلاق المفاوضات، وجّه المجتمع الدولي رسالة قوية إلى بيروت، عندما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن على الحكومة والجيش العمل على نزع سلاح حزب الله، محذراً من تدخل هذه المنظمة العسكرية في سوريا، وذلك في خلال مناقشة مغلقة في مجلس الأمن حول الموضوع، وأكد غوتيريش، ما زلنا نحث الحكومة اللبنانية على اتخاذ كل التدابير اللازمة لمنع حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى من الحصول إلى الأسلحة وبناء القدرات العسكرية خارج سلطة الدولة اللبنانية .!

 

 

هذه الرسالة اتت نتيجة تقاطعات المواقف الدولية والأممية، في الأيام الأخيرة، على إستعادة إشكالية سلاح حزب الله، ولا سيما من باب القرار الدولي 1559. أمر لم يحلّ برداً على قوى الثامن من آذار التي ارتفع عندها منسوب الارتياب، لتزامن إعادة إثارة مسألة السلاح مع انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وهو الذي تنظر اليه تلك القوى، وبالتحديد حزب الله، على أنه أحد أدوات الهيمنة الاميريكية . 

 

اقرا ايضا : صندوق النقد والصراعات السياسية.. تغييرات جذرية مطلوبة

 

وتبدي المصادر اعتقادها بأن الطلب الدولي من الحكومة اللبنانية نزع سلاح حزب الله، يحمّلها عبئاً لم تقدر عليه كل الحكومات السابقة. وتخشى أن يصل الضغط الدولي الراهن، في وجود حكومة إسرائيلية لا يفوّت رئيسها بنيامين نتنياهو وباقي أركانها فرصة للتهديد بحرب على لبنان تحقيقا لنزع السلاح، الى ما لا تحمد عقباه، خصوصا مع خلط أوراق النفوذ في المساحة السورية، والحديث عن قرار روسي بتحييد القوات الإيرانية وأذرعها بما فيها حزب الله، مقدمة لإخراجها من سوريا. إذ قد يسهّل هذان الخلط وإعادة التموضع خططا واستراتيجيات عسكرية غير مألوفة، بما فيها استهداف مباشر للحزب . 

 

 

وتتوقع المصادر تزخيم وتيرة الضغط الدولي  الأميركي على لبنان في هذا التوقيت بالذات، بما يؤدي الى جعل الحاجة اللبنانية الماسة الى مساعدات دولية والى برنامج يُتفق عليه مع صندوق النقد، أحد عناصر التضييق على حزب الله، مما سيزيد في إرتياب الحزب، وربما يدفعه الى تعطيل أي برنامج مع الصندوق يَشتمّ فيه شروطا سياسية، ولو غير مباشرة، على لبنان. وهو ما بدا واضحا في كلام الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في خطابه الاخير. 

 

 

من الملفت ، في سياق الضغط الدولي المتزايد على لبنان، مشروع القانون الذي تقدّم به السيناتور الجمهوري تيد كروز الى الكونغرس  قانون يحظر على حكومة الولايات المتحدة تقديم أي مساعدة الى أي حكومة لبنانية تتأثر بحزب الله أو يسيطر عليها الحزب. لكن هذا المسعى التشريعي الجمهوري يؤشر الى ما ينتظر لبنان في الأشهر المتبقية في عهد للإدارة الأميركية الراهنة، كما في الولاية الثانية في حال فوز الرئيس دونالد ترامب 
طبعاً هذا الموقف الدولي ليس جديداً، فهو واضح ومعروف منذ زمن قبل أن يقوم الحزب بتشكيل حكومة اللون الواحد التي تفاوض صندوق النقد للحصول على دعم بالمليارات، في حين تبدي الدول المانحة الكبرى تخوفاً واضحاً من أن تذهب مساعداتها إلى الحزب، ومن المعروف أن عواصم الدول الكبرى في مجلس الأمن هي التي تموّل صندوق النقد الدولي، ولهذا كان واضحاً منذ البداية، أن «الممر الإلزامي» الذي تحدث عنه عون، ليس اقتصادياً ومالياً فحسب، بل هو أولاً سياسي وسيادي يفرض على الدولة اللبنانية أن تكون سيدة قرارها، وأن تعود على الأقل إلى الالتزام الفعلي بما نص عليه مثلاً البيان الختامي الذي صدر عن مؤتمر سيدر في عام 2017.

 

 

ومن الواضح هنا، أن الدول المانحة تشترط منذ ذلك الحين، وحتى قبل انفجار الثورة الشعبية في لبنان، التي يفرملها كورونا وقتياً طبعاً، أولاً أن تكون أحادية السلاح في يد الدولة اللبنانية، وأن تلتزم عملياً سياسة النأي بالنفس، ولا تكون منطلقاً للافتراء والتهجم على دول الخليج تحديداً، وأن تبتعد عن أن تكون رهينة محور الممانعة، كما يسحبها حزب الله، وخصوصاً منذ تشكيلة حكومة اللون الواحد، وقد وصل الأمر أخيراً بعد انفجار أزمة الدولار، إلى اكتشاف وجود صرّافين إيرانيين في ضاحية بيروت الجنوبية، التي شكلت معقلاً موازياً للتلاعب بسعر الدولار، في حين كانت تتعالى الاتهامات ضد المصرف المركزي والمصارف اللبنانية، فيما بدا أنه خطة ممنهجة لتغيير طبيعة النظام الاقتصادي الحر في لبنان، وقد وصل الأمر إلى حد إعلان مسؤولين في حزب الله وآخرهم السيد حسن نصر الله يوم الأربعاء الماضي، أن هناك بدائل عن الغرب وصندوق النقد الدولي يمكن الاعتماد عليها، في إشارة صريحة إلى الصين وإيران، رغم أن الصين تعاني من العقوبات الأميركية، وإيران تطلب صراحة أربعة مليارات دولار دعماً من صندوق النقد الدولي الذي يتهمه الحزب، أنه من أدوات الاستكبار العالمي في إشارة إلى الولايات المتحدة، التي تلقّت أخيراً إشارات ضمنية من المرشد علي خامنئي عن استعداده لمفاوضتها. لذلك ليس خافياً على أحد أنه في ظل البطالة المستفحلة والأزمة المعيشية المتفاقمة، تبدو المفاوضات الصعبة مع الدول الممولة بمثابة سباق فعلي بين ثورة الجياع والمليارات المشروطة بمطالب سياسية سيادية.