ليس من العدل والإنصاف أن ننسب حب الدنيا والنساء والأنانية والحسد للعامل والفلاح والبقَّال وننسى النمط الغريب من التكالب والتهالك والتزاحم على الدنيا وملذاتها من قِبَلِ الأثرياء والأقوياء وأصحاب الرساميل، والويل ثم الويل للفقير إذا أخطأ فإنَّ الوعَّاظ لا تنام فرائسهم وغرائزهم وألسنتهم بالنيل منه للحفاظ على قدسية الدين والأخلاق.
 

لم يعد خافياً، أنَّ الإسلاميين أنفسهم وحركاتهم وأحزابهم الإسلامية، تحوَّلت إلى حركات سياسية، فأصبحوا كغيرهم يطلبون السلطة، من أجل الحفاظ على الهوية والعقيدة وتحكيم دين الله، بكل المعايير والقوى، وفقاً لما يعتقدون.

 

 

 وراحت تمارس الدور التعبوي والتثقيفي، ضمن مصطلحات ومفاهيم إسلامية للحفاظ على المنظومة الفكرية والخطاب الإيديولوجي العام. ولكن حينما نريد أن نستعير فهم أهل البيت (ع) لمسألة الصراع، ندرك أنَّ الثبات على (مقولة الحق) هو أمرٌ صعب ومستصعب، كما ورد في نصوصهم، وأنَّ الدنيا هي صراع مصالح وتدافع أهواء. 

 


هنا لا بد أن نسلَّط الضوء حول المواعظ والخطب التي يعجَّ بها عالم "النت" وخصوصاً في الوسط "الشيعي" إذ تمارس فيه ترسيم الدين وترسيخه، إمتداداً لدور الأنبياء والأئمة (ع) في الحياة، فالبعض من المبلِّغين ووعَّاظ "السلاطين" يعزو علَّة ما تعانيه الأمة من تفسُّخ اجتماعي وانحراف وانحطاط أخلاقي، هو ابتعاد الناس عن الدين والقيم والأخلاق، فالطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها فقط عن طريق الوعظ، فلا يكفي للواعظ أن يجعل من الحديث عن الدين بديلاً عن العمل به، فتراه يكثر من الراويات والأحاديث ولا يكلّ ولا يملّ من هرس الكلام وعجنه، وينزل بلاء الله وغضبه على الفقراء والمساكين، ويمنعه عن المنعَّمين والمترفين، بمعنى أنه يرفع المسؤولية عن الظلم الإجتماعي الذي نمرُّ به في بلدنا عن الظالمين والسارقين والمحتكرين والتجار باسم الله، لأنَّ المصلحة في الإيديولوجية الإسلامية تقتضي ذلك، ويضع الفقر والعوز والظلم على عاتق هؤلاء المساكين الذين يتوجهون إلى الإستغفار وطلب التوبة لتقصيرهم في دينهم، وبهذا يستريح نوابهم ومسؤوليهم وقياداتهم الرفيعة ـ ليست نحيفة ـ بل مقامهم رفيع، يستريحون من عذاب الضمير ويكتفون بقولهم "اللهم لك آمين".

اقرا ايضا : سماحة العلامة ـ كورونا ـ !.

 

 

هذا العزف على هذه المعيارية الظالمة جعلت الكثير من الوعاظ مع السلاطين غارقين في ملذات الحياة ومتعها، ناسين أنَّ الأخلاق هي نتاج الظروف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، فأي موعظة وأي حكمة ستنفع في مثل هذه الحالات، فلا تنفع مواعظ وأحاديث لتلك الأمعاء الخاوية، ومع الأسف يُحذِّرون المظلوم والمفجوع ويتركون الظالم وبعضهم يهتفون له، فيقعون في الظلم من حيث لا يشعرون، إذ ليس من العدل والإنصاف أن ننسب حب الدنيا والنساء والأنانية والحسد للعامل والفلاح والبقَّال وننسى النمط الغريب من التكالب والتهالك والتزاحم على الدنيا وملذاتها من قِبَلِ الأثرياء والأقوياء وأصحاب الرساميل، والويل ثم الويل للفقير إذا أخطأ فإنَّ الوعَّاظ لا تنام فرائسهم وغرائزهم وألسنتهم بالنيل منه للحفاظ على قدسية الدين والأخلاق، بينما لو سرق المترف بل لو اعتدى المترف أو الزعيم والمسؤول وجدتهم يضعون اللوم على الفقير وحده. 

 

 

وهذا عين ما حذَّرنا منه النبي محمد (ص) حين توعَّد قومه وأنذرهم بالعذاب، فقال:(لقد هلك الذين كانوا قبلكم إذا سرق فيهم القوي تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)، وهذا ما حذَّر منه أمير المؤمنين (ع) حين قال: (عجباً للسلطان كيف يُحسن، وهو إذا أساء وجد من يُزكِّيه).