المجاهرة بنظرية ان السياحة ستزدهر وتعود المداخيل إلى القطاع، لان انخفاض سعر صرف العملة سيجعل من لبنان بلداً رخيصاً بالنسبة إلى السياح الحاملين النقد الاجنبي، يناقضها الفشل في تأمين الاستقرارين السياسي والامني واستمرار لبنان ساحة صراع إقليمية، هذا اذا اعتبرنا ان أزمة كورونا ستنتهي قريباً.
 

المطاعم في لبنان مقفلة حتى إشعار آخر. الخبر عادي ولا شيء مميز فيه، فأقرانها في كل دول العالم تتشارك الواقع المر نفسه الذي فرضته "كورونا". المقاربة الصحيحة في الشكل تختلف جوهرياً في المضمون. فالازمة الاقتصادية والنقدية الداخلية جردت القطاعات السياحية والخدماتية من سلاح الأمل، والعودة إلى الازدهار مباشرة بعد انتهاء الجائحة. إقفال المطاعم المصابة بالصدأ لن تزيت قريباً، وتشابك اللهجة اللبنانية المحببة مع عشرات اللغات الاجنبية على حلبة مطعم صغير ظاهرة لن تتكرر حتى أمد بعيد.
"لا أتحضّر للافتتاح مع انطلاق موسم الصيف، انما أجري جردة على المعدات والبضائع لتصفية المؤسسة"، يقول مستثمر يقف أمام مطعمه بالقرب من مدينة جزين السياحية. "استطعت طوال الأشهر الستة الماضية تحمّل إيجار المحل ودفع 40 في المئة من رواتب الموظفين والعمال. انما بعد الذي أراه فلا أمل بعودة النشاط، والاقفال لم يعد يقلل الخسارة فحسب، بل أصبح مربحاً".

"دفن" المطاعم
بعدما بلغت مساهمة قطاع المطاعم بالناتج المحلي الاجمالي في العام 2010 نحو 10 مليارات دولار، أشارت نقابة "أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان"، على لسان رئيسها إلى أن "خسائر القطاع الشهرية تبلغ حالياً 500 مليون دولار". رقم يهدد بـ "موت القطاع بمجمله وبدء التحضيرات لدفنه"، بحسب رئيس النقابة طوني الرامي.
المشكلة في لبنان بحسب أرباب القطاع تختلف عن أي دولة أخرى. فعلى الرغم من الضرر العالمي الهائل الذي أصاب أحد أكثر القطاعات حساسية تجاه الأزمات، وأدى في الولايات المتحدة وحدها إلى فقدان ضعف عدد سكان لبنان وظائفهم في قطاع المطاعم بشكل مباشر، وتضرر 25 مليوناً آخرين جراء تناقص الرواتب والاجور، إلا اننا في لبنان "فقدنا القدرة على الشفاء"، يقول عضو مجلس نقابة اصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسيري وامين الصندوق عارف سعادة.
منذ أيلول العام الماضي ولغاية فرض التسكير العام في أوائل آذار، بلغ عدد المؤسسات المقفلة نهائياً حوالى 800 مطعم. أما اليوم وعلى الرغم من السماح بفتح الابواب شرط الا تتعدى نسبة الزبائن 30 في المئة من الطاقة الاستيعابية، فان أكثر من 95 في المئة من المؤسسات استمرت في الاقفال طوعاً. "فالاكلاف التشغيلية من تأمين المواد الاولية وأجور الطهاة والقائمين بالخدمة والعمال... أصبحت باهظة جداً وتفوق الربح الذي ممكن ان تؤمنه نسبة الاشغال المسموح بها، هذا مع العلم انه من المستحيل في هذه الظروف الوصول حتى إلى هذه النسبة"، يقول سعادة. "فالتوقف من الساعة السادسة مساء عن استقبال الزبائن، والتراجع الكبير في القدرة الشرائية عند المواطنين، والارتفاع الذي لا بد منه في الاسعار نتيجة انهيار سعر الصرف والعجز عن تأمين الدولار، وغياب السياح والمغتربين، كلها أمور ستقلص عدد رواد المطاعم الى حدوده الدنيا، هذا ان لم تعدمه".

الإفلاس العام هو المشكلة
منذ العام 2011 بدأ القطاع السياحي في التراجع، وذلك بعدما استطاع ان يؤمن مدخولاً في العام المذكور بقيمة 11 مليار دولار وساهم بتأمين الوظائف لنحو 160 الف عائلة. هذا الازدهار الذي بدأ ينحسر تدريجياً، لم يأخذ منحاه الدراماتيكي الا ابتداء من العام 2015 بالتزامن مع انفجار الازمة الاقتصادية المتأثرة بالتشنجات السياسية الحادة والخطيرة. فتراجع الاهتمام بالقطاع السياحي أسوة ببقية القطاعات، وصُب كل التركيز على كيفية تمويل الدولة. فارتفعت الفوائد على سندات الخزينة و"اليوروبوندز" مسببة موجة من ارتفاع الفوائد بشكل عام، وفقدت المؤسسات القدرة على الاقتراض وأبعدت الخلافات السياسية السياح والمغتربين وتراجعت السياحة الداخلية. وفي السنوات الثلاث الاخيرة انتهى زمن التسهيلات المصرفية للقطاع الخاص وبدأت المصارف التشدد في تحويل الاموال لاستيراد المواد الاساسية من الخارج، وأوقفت التسهيلات وإمكانية فتح الاعتمادات واعطاء الحوافز. وصولاً الى ضرب الموسم السياحي الصيفي بشكل كامل، مرة بحادثة قبر شمون الشهيرة ومرات بالمناكفات السياسية وانطلاق الثورة وفرض ازمة كورونا نفسها ضيفاً ثقيلاً على الاقتصاد اللبناني.

أصحاب المطاعم ممن استطلعت آراءهم "نداء الوطن" أجمعوا على انه "اذا خرجنا من كورونا فسندخل بأزمة أكبر بكثير، تتمثل في عجزنا عن تأمين المواد الاولية والاجور للعمال". فالمطاعم اللبنانية تستورد أكثر موادها الاولية من الخارج. هذا ويوجد في لبنان مئات المطاعم الاجنبية، منها على سبيل المثال لا الحصر 250 مطعماً متخصصاً بالمأكولات الآسيوية والسوشي، بمكونات أجنبية 100 في المئة، ويد عاملة غربية. مطاعم ومؤسسات خدماتية بالجملة ستعجز عن استيراد متطلباتها في ظل انهيار سعر الصرف والعجز عن تأمين العملة الصعبة، ومنع المصارف فتح الاعتمادات وتحويل ما في الودائع الى الخارج.

بارقة أمل
"مواجهة هذا الواقع الأليم ستكون بالتركيز على استخدام الصناعة المحلية"، يقول مدير عام "SUD restaurant" ميشال يزبك. "فهناك الكثير من الاصناف المستوردة التي يُعمل على تصنيع بدائل وطنية عنها بجودة عالية". كما انه يجري التركيز على مبادرات استخدام المكونات المحلية مثل البيض الوطني وغيرها من الاصناف المنتجة محلياً، في لوائح الطعام المعدة حديثاً. وهو الامر الذي سيؤدي مع تراجع نسب التضخم الوهمي وعقلنة الاسعار تدريجياً، الى انخفاض التكاليف وجعل المطاعم في متناول عدد اكبر من المواطنين".

وعود
سعادة يشير إلى ان "كل الوعود الرسمية من قبل المعنيين بالقطاع بشأن تأمين الحوافز واعطاء بعض التسهيلات واقرار الاعفاءات تتساقط على أبواب المصارف. والرد الوحيد الذي يأتينا منهم "خلّي هني يعطوكن". وهو الامر الذي يفرمل كل المبادرات والمحاولات بالتخفيف عن المستثمرين وتشجيعهم على معاودة فتح أبواب مطاعمهم".
المجاهرة بنظرية ان "السياحة ستزدهر وتعود المداخيل إلى القطاع، لان انخفاض سعر صرف العملة سيجعل من لبنان بلداً رخيصاً بالنسبة إلى السياح الحاملين النقد الاجنبي، يناقضها الفشل في تأمين الاستقرارين السياسي والامني واستمرار لبنان ساحة صراع إقليمية، هذا اذا اعتبرنا ان أزمة كورونا ستنتهي قريباً".

 

نداء الوطن