كل ما نشهده اليوم زيادة في النّدابين على أحوال الطائفة السّنية الكريمة، مع عُلو كعب الطائفة الشيعية وعُتُوّها، والكريمة بالطبع، لضرورات التوازن المذهبي.
 

أولاً: الحركة الوطنية والمارونية السياسية...

 


عندما كانت الحركة الوطنية اللبنانية فتيّة ونشِطة أواسط سبعينيات القرن الماضي، طرحت برنامجاً لإصلاح النظام السياسي في لبنان، النظام الذي كانت المارونية السياسية أحد أهم ركائزه، ولطالما اتُّهم أقطابها بتجذير وتطبيق الامتيازات الطائفية في البلد، وجعله "مزرعة" يستبيحها أصحاب النفوذ والامتيازات على ما شاع تلك الأيام لفترة طويلة، أمّا الحركة الوطنية التي كان يتزعمها الراحل الشهيد كمال جنبلاط، يحيطُ عن يمينه وشماله القائدان الشيوعيان الشهيد جورج حاوي والسيد محسن إبراهيم، فقد كانت الحركة الوطنية تأمل بتغيير سلمي عبر برنامجها المرحلي، إلاّ أنّ تحالفها مع المقاومة الفلسطينية التي كانت قد ملأت البلد سلاحاً وتنظيمات مُسلّحة ومُدرّبة بلا أي ضابط، وسرعان ما انخرطت في الحرب الأهلية التي استدرجت التّدخّل السوري أولاً، والاحتلال الإسرائيلي تالياً، برعاية أميركيّة وعربية، ممّا عجّل بانهيار النظام اللبناني، وأرسى اتفاق الطائف مطلع العام ١٩٩٠، هيمنة سياسية جديدة على البلد، قُطباها صيغة هيمنة مُعقّدة سورية وإيرانيّة، مُترافقة مع تصدّع الحركة الوطنية وتشتُّتها، وصعود نجم حامل الأمانة من صاحب الأمانة( الرئيس بري من السيد موسى الصدر)، ووليّ الأمر في لبنان من صاحب الأمر والزمان في إيران( السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله من السيد الخامنئي)

 

اقرا ايضا : غزوة أيار ٢٠٠٨، ما زالت في ذاكرة وضمير جنبلاط

 

 وعلى ما يُردّد أحد الطُّرفاء من العناصر الحزبية الذين شاركوا في القتال، وهو يُدين "الأساتذة"، أي قادة الحركة الوطنية وكوادرها، الذين أشعلوا ثورة ضد النظام حتى يأتي "المشايخ والسّادة" ليحكموا البلد ويعيثوا فيه فساداً وخرابا، حتى بات معظم اللبنانيين يُردّدون في السّر والعلن: السلام على إسم المارونية السياسية وأيامها السعيدة.

 


ثانياً: الحريرية السياسية وحسّان دياب.

 

 

بعد اتفاق الطائف وصعود نجم "عرّابه" الراجل الشهيد رفيق الحريري، وتولّيه مرحلة إعادة بناء ما هدّمته الحرب الأهلية مطلع تسعينيات القرن الماضي وحتى استشهاده عام ٢٠٠٥، عرف لبنان مرحلة استقرارٍ سياسي نسبي، مع نُمو اقتصادي لافت، مع أخطاء جسيمة بدأت مفاعيلها تظهر اليوم، وفي طليعتها الإسراف في الإستدانة الخارجية وتبذير الأموال العمومية، والتي فتحت شهيّة جميع أقطاب الطبقة السياسية الحاكمة على نهب المال العام والاثراء غير المشروع وصرف النفوذ وتكديس الثروات والفساد، حتى جاءت انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول الفائت عام ٢٠١٩، لقلب طاولة النظام الفاسد، والقائم على التسوية الرئاسية المشؤومة بين الرئيس سعد الحريري والرئيس ميشال عون، ولم تُفلح حتى الآن سوى بخلع الرئيس سعد الحريري من موقعه في ريادة الطائفة السّنية ورئاسة الحكومة معاً، وما لبث أن أخرج الثنائي( حزب الله والتيار الوطني الحر ) من قُمقمه شخصية سُنيّة باهتة جدّاً، هو رئيس الحكومة الحالية الدكتور حسان دياب، فزاد الأمور كافّةً سوءاً على سوء، واكتمل عهده الذي لم يمضِ عليه مائة يوم، بالإنهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وتفشّي البطالة والركود الإقتصادي مع جائحة الكورونا، ممّا جعل الجميع يترحّم على أيام الحريري، فالرئيس دياب الذي لا يعرف أحدٌ كيف تمكّن من شغل موقع رئاسة الحكومة، ولا أحد في لبنان يعرف "قرعة أبيه" من أين كما يُقال، إلاّ أنّ "القرعاء" غالباً ما تتغنّى بشَعر إبنة خالتها، ودياب يتغنّى هذه الأيام بشَعر حزب الله والتيار الوطني الحر، حتى بات المواطن اللبناني يترحّم على أيام الحريرية السياسية، ولا يمكن القول بئس "الدّيابيّة"، لأنّها لا تملك أُفُقاً بالتّحول إلى تيار سياسي فاعل، أو قابل للحياة، وكل ما نشهده اليوم زيادة في "النّدابين" على أحوال الطائفة السّنية الكريمة، مع عُلو كعب الطائفة الشيعية وعُتُوّها، والكريمة بالطبع، لضرورات التوازن المذهبي.