ترجمة وإعداد هشام عليوان - الأربعاء 06 أيار 2020

 

بقلم جيفري فيلتمان Jeffrey Feltman – معهد بروكينغز – 4 أيّار

 

برنامج الإنقاذ الطارئ الذي أعلن عنه رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب في 30 نيسان الماضي، يعبّر عن الانهيار الاقتصادي للبنان. وفي حين أن البرنامج قد أُعدّ في أسوأ زمن ممكن، فإنّ ما زاده سوءاً انتشار فيروس الكورونا. لكنّه في الأساس ينفض الغبار عن خطط لبنانية سابقة لاجتذاب الدعم الخارجي وفق الالتزام التالي: سيقوم لبنان بإصلاحات داخلية موسّعة، وسيكافح الفساد، وبالمقابل يستجيب الخارج فيفتح حنفيات المال.

 

 

لكن ما يميّز هذه الخطة عن سابقاتها، أنّ الحكومة الحالية تعتمد على تأييد جهة سياسية واحدة، هي حزب الله وحلفاؤه. وما كان مطروحاً من قبل من دعم للبنان، كان مصمَّماً ضمنياً لدعم مؤسسات الدولة الشرعية بالنسبة إلى القوى غير الحكومية، خاصة حزب الله. لكن بما أنّ هذه الحكومة تعتمد حصرياً على حزب الله وحلفائه لتوفير الدعم البرلماني لها، فلم تعد تنفع التبريرات التقليدية لجذب المساعدات الخارجية. والتحدّي القائم بوجه دياب الآن هو إقناع المانحين بأنّ خطته الإنقاذية لن ترسّخ هيمنة حزب الله في دولة متشتّتة ومعطوبة على نحوٍ متزايد، هذا إن كان لبنان دولة موجودة أصلاً.     

مقاربة رغبوية

 

 

هذه الخطة أكثر طموحاً من الخطط السابقة التي لم تجد طريقها إلى التنفيذ. فهي طلبت دعم صندوق النقد الدولي فيما كانت الحكومات السابقة تتجنّب ذلك، خشية أن يطّلع الصندوق على عمق الفساد الحقيقي في لبنان. وما تضمّه الخطة من إحصاءات، يكشف سوء الأوضاع: فنسبة التضخم هذا العام تبلغ 53%، و48% من السكان أصبحوا فقراء، ويحتاج لبنان إلى 28 مليار دولار لتسديد ديونه بحلول عام 2024. وتمثّل الصناعة 8% فقط من الإنتاج الوطني الإجمالي.

 

 

 وفي مقاربة تعترف بأن البلاد تغرق كلّها تقريباً، تؤشّر الخطة إلى قضايا عديدة، من أعباء الدين الخارجي إلى اختلال قطاع الكهرباء، إلى الإنتاج الزراعي وحماية البيئة. وفي لغة جافة وتكنوقراطية، فإنّ الوثيقة واضحة في أنّه على كلّ اللبنانيين أن يتوقّعوا نوعاً من "هيركات" اقتصادي ومالي لتحقيق انعطافة ما. وما تطرحه الخطة من أنّ "تحجيم الطلب المحلي من خلال خفض الإنفاق الحكومي وخفض الأجور والخدمات سيكون له أثر في الاستهلاك المحلي في الاستثمار، ما سيقلّص الاستيراد"، إنّما هي جملة مخفّفة لما يمكن اختصاره بـ"شدّ الحزام"، الذي هو الحال الآن، وقد تسبّب حتى الآن باحتجاجات عنيفة.

 

 


مهما تكن ممارسات المصارف غير مسؤولة، لكنها تحت الضغوط الأميركية حذفت حسابات حزب الله لتجنّب العقوبات الأميركية. والقطاع الخاص اللبناني بقيادة القطاع المصرفي يوفّر نوعاً من القوة المقابلة بإزاء حزب الله في النظام اللبناني، بما أنه لا أحد يريد الإفلاس المصرفي الجماعي

 

 

التحليل الموسّع في الخطة يقوم على التفكير الرغبوي، بناء على نيات الشركاء الخارجيين في تقديم الدعم للبنان، في حين أنّ الاهتمام منصبّ حالياً على مكافحة فيروس الكورونا واستراتيجيات التعافي الاقتصادي. وحتّى لو كان واضعو الخطة (باستشارة شركة لازار فرير Lazard Freres) يقدّمون ما يمكن اعتباره إعلان حسن نية، يبقى السؤال ما إذا كان التكنوقراط في حكومة اللون الواحد، المدعومة فقط من حزب الله وحلفائه، قادرين على تنظيف البيت الداخلي بطريقة شفّافة وغير منحازة، لتعزيز اقتصاد متجدّد بقيادة القطاع الخاص، في دولة غير موجودة غالباً إلا بالاسم فقط.

 

 

ثمة مخاوف من أن يكون مصير هذه الخطة واحداً من أمرين: أن لا تنفّذ التعهّدات مثل سابقاتها، أو أن تنفّذ بشكل مشوّه ومنحاز، حتى لو لم تكن هذه هي نية دياب ووزرائه. وفي كلا الحالين، ستتبخّر أيّ فائدة من دعم المانحين للبنان.

من اللافت تأكيد الخطة على الحاجة إلى الدعم الخارجي في أكثر من موضع. وهذا يعود جزئياً إلى الشكوك المثارة بشأن التعامل مع صندوق النقد الدولي – زعيم حزب الله حسن نصر الله يراقبكم -. لكن إن لم يأت الدعم الخارجي بحسب الرؤية المطروحة، فسيكون هذا عذرٌ جاهزٌ للحكومة للقول: "ليس هذا هو خطؤنا".

 

 

القطاع المالي

 

 

استخدمت الخطة الحكومية لغة تحاكي احتجاجات الشارع العام الماضي بشأن مشكلات القطاع الخاص الذي يقوده القطاع المصرفي. فمع تباطؤ التدفقات النقدية إلى لبنان، لم تعد تنفع حتى الفوائد المرتفعة في اجتذاب الأموال من الخارج. وفي أواخر عام 2019، فرضت البنوك بطريقة غير رسمية "كابيتال كونترول" واقعياً، مع غياب القوانين الناظمة. وجاء في الخطة أنّ الحكومة ستستعيد الأموال المهرّبة إلى الخارج بطريقة غير قانونية، وأنّه ستُخفض الفوائد المرتفعة على الدولار. لكن سؤالاً يثار هنا: هل كان تحويل الأموال إلى الخارج جريمة أم عملاً غير وطني، عندما اقتنص المودعون الفرصة؟ وهل كانوا من قبل يرتكبون جرماً عندما حصلوا على فوائد مرتفعة في لبنان؟ ثمة رغبة لا تقاوم في متابعة بعض الزبائن دون آخرين بما أنّ الحكومة نفسها مدعومة من طرف سياسي واحد.

 

 

تتكلّم الخطة أيضاً عن دمج إلزامي أو اختياري للبنوك وبيع أسهم في البنوك اللبنانية لشركاء أجانب. والإصلاح المصرفي مطلوب دون أيّ شك، لكن المسار يمكن أن ينحرف. فمهما تكن ممارسات المصارف غير مسؤولة، لكنها تحت الضغوط الأميركية حذفت حسابات حزب الله لتجنّب العقوبات الأميركية. والقطاع الخاص اللبناني بقيادة القطاع المصرفي يوفّر نوعاً من القوة المقابلة بإزاء حزب الله في النظام اللبناني، بما أنه لا أحد يريد الإفلاس المصرفي الجماعي.  

 

 


ستراقَب الحسابات المالية لبعض الشخصيات السياسية رجوعاً إلى ثلاثين سنة مضت. وسيكون المستهدفون هم معارضي محور حزب الله – دمشق – إيران، على الرغم من أن الفساد أعمّ في لبنان

 

 

القوى التي تدعم الحكومة الحالية غير مهتمة بالحفاظ على استقلالية القطاع المصرفي. وحتى لو شارك خبراء دوليون في الإصلاح المالي في دولة يهيمن عليها حزب الله، فقد يؤدّي الإصلاح إلى سيطرة الحزب على فخر الاقتصاد اللبناني، وسيكون المشرفون الدوليون بلا حول ولا قوّة أمام هذا الأمر، في وقت يتزايد الغضب الشعبي على المصارف بسبب تجميد حسابات المودعين، فكأنه يتمّ تلقين المصارف درساً بشروط حزب الله.

 

 

كانت مكافحة الفساد هي المطلب الأكثر إلحاحاً لدى المتظاهرين في لبنان قبل انتشار وباء الكورونا. لكنه يمكن أن يتحوّل بسهولة إلى أداة منحازة لحزب الله وحلفائه لملاحقة الأعداء السياسيين. وستراقَب الحسابات المالية لبعض الشخصيات السياسية رجوعاً إلى ثلاثين سنة مضت. وسيكون المستهدفون هم معارضي محور حزب الله – دمشق – إيران، على الرغم من أن الفساد أعمّ في لبنان. فهل بمقدور دياب ووزرائه مقاومة ضغوط حزب الله ووزير الخارجية السابق جبران باسيل في هذا الإطار؟ أم تتحوّل الحملة إلى وسيلة لتصفية معارضي حزب الله وتسهيل استكمال سيطرته على الدولة وعلى الاقتصاد فيها؟

 

 

هناك غموض عميق يحيط بباسيل وقدرته على البقاء خارج العقوبات الأميركية على الرغم من دوره في توسيع قبضة حزب الله في لبنان بإعطائه الغطاء المسيحي، والدفاع عنه. وبالنظر إلى الإدارة الأميركية التي تركّز اهتمامها على إيران، فإن باسيل ينبغي أن يكون هدفاً واضحاً، خاصة أنّه ترك منصبه الوزاري

 

 

وفي حين أنّ إجراءات مكافحة الفساد تتضمن "مكافحة التهريب عبر كلّ المعابر الحدودية"، إلا أنّ هذه الحكومة ستنظر بالتأكيد في مكان آخر، عندما يصل الأمر إلى أعمال التهريب التي يقوم بها حزب الله والأنشطة الاقتصادية غير القانونية. وقد ثبت في أيار 2008 كيف يتعامل حزب الله مع الحكومات التي تحاول فرض القانون عليه. فكان ردّه في ذلك الوقت أن احتلّ أجزاء من بيروت بالقوّة. كما أنّ خطة مكافحة الفساد لا تذكر استيراد النفط ولا بواخر توليد الكهرباء، ولا تهريب الوقود إلى سوريا، وكلّ الممارسات المشبوهة التي يقوم بها حلفاء جبران باسيل، صهر الرئيس عون، والذي يريد وراثته، ومهندس علاقات التحالف مع حزب الله.

 

 

وهناك غموض عميق يحيط بباسيل وقدرته على البقاء خارج العقوبات الأميركية على الرغم من دوره في توسيع قبضة حزب الله في لبنان بإعطائه الغطاء المسيحي، والدفاع عنه. وبالنظر إلى الإدارة الأميركية التي تركّز اهتمامها على إيران، فإن باسيل ينبغي أن يكون هدفاً واضحاً، خاصة أنّه ترك منصبه الوزاري.

 

 

وتتحدّث خطة حكومة حسّان دياب عن إيجاد فرص عمل وعن النموّ، وهو ما قد يبدو أكثر واقعية من البنود الأخرى. لكنّ مضاعفة عدد السياح تبدو حلماً: فدول الخليج لن تكون مصدراً وافراً للسياح بعد أزمة كورونا، وهبوط أسعار النفط لن يساعد. كما أنّها ستتردّد في العودة إلى بلد خاضع بازدياد إلى ميليشيا مدعومة إيرانياً، ومتحالفة مع أمثال باسيل الذي يذكر "التهديد الديموغرافي السنّي" و"الإرهاب السنّي" كي يبرّر تحالفه مع حزب الله. ومع إعلان بريطانيا وألمانيا حزب الله كياناً إرهابياً، فسيكون السيّاح من هذين البلدين في خوف من المجيء إلى لبنان.

 

 

أيّ دعم من الشركاء الخارجيين يجب أن يكون وفق شروط سياسية واقتصادية. ولكي لا يكون الدعم الخارجي خادماً مصالح حزب الله وسوريا وإيران في لبنان، يحتاج المانحون إلى تحديد ما هو المطلوب من توافق أوسع للقوى السياسية بدلاً من حكومة الجانب الواحد لدياب

 

 

ومن اللافت إغفال ذكر عمل المؤسسة الديموقراطية في لبنان، في الخطة الإصلاحية. وذلك بالنظر إلى أن هذه الخطة تتضمّن اجتثاث النظام القديم وتثوير الاقتصاد اللبناني، فإن الإحالات إلى البرلمان تبدو عابرة. تلحظ الخطة أن بعض جوانب البرنامج تتطلّب صدور قوانين. لكن لا يدخل في اعتبار الخطة أن يقوم البرلمان بمناقشتها كلها، على الرغم من التغييرات الأساسية التي تنطوي عليها الرؤية الحاكمة فيها. وبالنظر إلى أن البرلمان منقسم، فإن محاولة تجاوزه دليل على هشاشة حكومة دياب، وهي إشارة إضافية على عدم تسامح حزب الله مع الشفافية والمحاسبة الديموقراطية.

 

 

الأمل في استجابة دولية

 

 

مهما تكن عثرات الخطة واحتمالات استغلالها، فإن النقطة الأساسية هي أن الاقتصاد اللبناني لم يعد يخدم المواطنين. فالتدفقات الرأسمالية من الخارج والفوائد المرتفعة أخّرت انهيار لبنان ولن يعود إلى ما كان عليه بسحر ساحر. والرئيس دياب على حق حين قال إنّه حان الوقت لتغييرات جذرية، وإنّ الإصلاح هو المقاربة الصحيحة لجذب الدعم الخارجي. لكنّ المعضلة تكمن فيما إذا كان أحد خارج لبنان يريد القيام بدور القيادة لجمع الحزمة المالية المطلوبة من مصادر مختلفة استجابة لخطة دياب، بسبب كورونا وتداعياتها الاقتصادية. فضلاً عن أنّ الدول المانحة يساورها الشكوك، فقد يستفيد حزب الله وجبران باسيل من هذا الدعم لتصفية حسابات سياسية في الداخل، أو لضخّ الدولارات إلى سوريا وإيران.

 

 

أيّ دعم من الشركاء الخارجيين يجب أن يكون وفق شروط سياسية واقتصادية. ولكي لا يكون الدعم الخارجي خادماً مصالح حزب الله وسوريا وإيران في لبنان، يحتاج المانحون إلى تحديد ما هو المطلوب من توافق أوسع للقوى السياسية بدلاً من حكومة الجانب الواحد لدياب. وإذا تحقّقت هذه الشروط، تبقى الحاجة إلى قيادة قوية من الأميركيين والفرنسيين معاً أو أحدهما، لجمع ائتلاف داعم لتعزيز برامج صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية (IBRD). فإذا ما تفاقمت الاحتججات العنيفة في الشارع، مع البؤس الاقتصادي وحتى بروز الجوع، فسيبرز عامل ضاغط لعمل أسرع، مع خطر تليين الشروط. لذلك من الأفضل للداعمين المحتملين التحرّك الآن وإعلان الشروط، كما جمع الدعم الذي يستجيب للإجراءات اللبنانية الفعّالة من أجل الإصلاح والأمن الاجتماعي، بل يوفّر الدوافع نحو ذلك.

 

 

وكل ما سبق يفترض أنّ دولة لبنانية قادرة على تنفيذ البرامج ما زالت قائمة، وأنّ المجتمع الدولي يمكن أن يبقى متماسكاُ للمساعدة في عدم انحدار موقف يائس إلى ما هو أسوأ (كلاهما في ظروف البؤس الشعبي والتعدّي الآتي من حزب الله).