وبهذه الأقنعة والملابس التنكرية تتم الغاية والهدف وهو أخبث أساليب الهدم والتخريب، وحينئذٍ يختلط الحابل بالنابل، والأصيل بالدخيل، والوطني بالعميل وتضيع القضية.
 

تواجه الهيئات والمؤسسات الدينية ألواناً من التحديات في كل مكانٍ، وعلى مدى التاريخ نقرأ لتلك المؤسسة مواقفها اتجاه ما يحدث من انتفاضات وثورات تتمرَّد على الأوضاع المتردية بسبب سلطات مستبدة تسلب حقوق الناس وتضطهدهم بحيث يصبحون قوت الحاكم ليسوقهم إلى وقودٍ لحماية سلطته وهيبته، وبالتالي تعتمد السلطة على إنشاء مؤسسة دينية تحوي عمائم مكورة من أجل إضفاء شرعية على حكمه وسلطته، وبهم يصول ويجول ويأسرهم ليفتخروا بسياسته وحتى لو ظلم، فيجدون له التبريرات الدينية ويعتبرون ظلمه رحيماً ورحمة، ويوحون للناس الطيبيبن الذين يرون من أنهم الأدلاء على الله بأنَّ ما يفعله الحاكم ـ بشقيه الديني والسياسي ـ هو رحمة لكم، والراد عليه كالراد على الله ورسوله ، وقد يقعون في المحرمات والشبهات، لأن الناس بنظرهم لا تعرف المصلحة من المفسدة. 

 

 

بالتأكيد هذا في الأعم الأغلب في التاريخ، لكن للإنصاف هناك رجال دين بكل ما للكلمة من معنى، ليس لهم بالسياسة والمسوس، وبالأحزاب والمتحزبين، لأنهم هم سفراء الله للإنسان والإنسانية، وهم علماء بالدين ويطلبون الآخرة على الدنيا، ويقفون دائماً مع السواد الأعظم من الناس، لأنَّ السواد الأعظم من الناس هم الفقراء المظلومين والمضطهدين ومن المحتاجين والمساكين والأرامل والأيتام، ومن هنا نجد تفسيراً لكلام أمير المؤمنين علي (ع)،" الزموا السواد الأعظم" أليس السواد الأعظم في هذه الحياة هم الفقراء والمحتاجين والمظلومين، فهذا القسم من العلماء الأجلاء الذين ننحني أمامهم، لأنهم يطلبون العلم لله وليس للإتجار وكسب المناصب، لأنه ما إن تفتح أبواب الوظائف لأهل العمائم يكثر الدخلاء والأدعياء وطلاب المنصب والوظيفة، إذ جلَّ همهم إشباع بطونهم وفروجهم ولو كان على حساب الناس وجوعهم وفقرهم، وأعتقد لا نحتاج إلى أدلة، والحياة أمامكم، وليس على المرء أن يداهن في دينه، ولهذا لحق الأصيل دنس الدخيل كما قال العلامة الفقيه " محمد جواد مغنية " الذي ترك أعلى منصب في الطائفة الشيعية  رئاسة المحاكم الجعفرية في لبنان، وانصرف إلى العلم والدفاع عن حقوق الناس كافة والمطالبة بحقوقهم، وعاش حياته عيشة أهل الله في أرضه، وأغنى الدين والإنسانية بقلمه الزاخر وبكتبه التي واكبت حياة الإنسانية وما لحق بها من تحديدات وتطورات، ولم يهتم بوظيفةٍ زائلة، ولا بأمورٍ عفنة من أجل أن يرضي الزعيم على حساب  دينه وضميره ورسالته التي يعتبرها واجبٌ أخلاقي وديني وإنساني وهو الوقوف مع الناس وهدايتهم إلى ما هو خيرٌ لهم في هذه الحياة.

 

اقرا ايضا : سلطة كورونا (أحيينا اليوم وموتينا بكره)

 

 ومن هنا كان يعتبر أنَّ الأسباب والأهداف لهذا التضخم في صنفٍ يتقن فن التجارة الرابحة والرائجة عليهم بالمال والنساء، ولهذا العدد الكبير من الشيوخ، لشيوخ المنصب والزخرفة والتعدي على الله والحياة وهم ليسوا بأهل لذلك، ويضيف العلامة مغنية في كتابه: " تجارب محمد جواد مغنية / ص 483/ " ومن شاء فليراجع قبل اتهامنا، سألخصها : أولاً ـ البطالة والفشل في الحياة، فيشدوا الرحال إلى الحوزات الدينية ويكوِّروا العمامة، ويطلقوا اللحية، وعلى بابك يا كريم.. ثانياً: ـ الرغبة في الوظيفة ويسعون لنيلها بواسطة هذا الزي، في سلك القضاء، الإفتاء، ـ أو المصيدة على الناس لأكل الحقوق الشرعية.. 
والثالث: وهو الأخطر، ضرب القطاع الديني من داخله، والهدف منه ضرب كل حركة من حركات التحرر الوطني...وبهذه الأقنعة والملابس التنكرية تتم الغاية والهدف وهو أخبث أساليب الهدم والتخريب، وحينئذٍ يختلط الحابل بالنابل، والأصيل بالدخيل، والوطني بالعميل وتضيع القضية.

 


حمى الله دينه وإنسانه، وحفظ العلماء الأجلاء والمقاومين والمجاهدين في سبيل حفظ وكرامة الإنسان، وفضح كل من تعدَّى على هذا الدين وغرَّر بالكثيرين من الناس نساءاً ورجالاً، إنه سميع مجيب. ونعوذ بالله من عثرة الغفلة وسوء القصد.