لقد كان الأجدى أن تتضمن هذه الخطة السعي الجاد لاقرار القوانين الكفيلة بالمحاسبة والرقابة واستعادة المال العام عندها فقط يمكن ان نخطو الخطوة الاولى بالاتجاه الصحيح.
 

تصدرت الخطة الإقتصادية التي أقرتها الحكومة مؤخرا عناوين الاخبار والإهتمامات المحلية والدولية باعتبارها آخر العلاجات التي يمكن أن تشكل مدخلا لحل الأزمة المالية والإقتصادية التي تعاني منها البلاد وذلك بحسب ما يرى بعض المستشارين وخبراء الاقتصاد ممن ساهموا في إعداد هذه الخطة.

 

وبعيدا عن تفاصيل الخطة وبنودها التي نتركها لأهل الإختصاص فإن ثمة ما يجب أن يقال على هامش هذه الخطة التي تجري مناقشتها اليوم مع الكتل النيابية في قصر بعبدا بناء على دعوة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

 

إن هذه الخطة قد تكون ضرورة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لكنها ليست الحل المنشود ولا هي قادرة على اجتثاث المشكلة ذلك أن أبطال هذه الازمة والمتورطون بها هم أنفسهم المدعوون لمناقشة الخطة، وهم أنفسهم مهندسوا السياسات المالية السابقة التي أدت إلى ما نحن فيه اليوم، وهم أنفسهم المتهمون بمسببات الإنهيار، وهم أنفسهم يجتمعون اليوم لمناقشة هذه الخطة، بالرغم من امتناع بعض الكتل من المشاركة في محاولات للهروب من المسؤوليات لا سيما كتلة المستقبل التي اتخذت مع رئيس التيار سعد الحريري صفة "المعارضة" وهو يقف اليوم على المفرق بصفته "حامي الحمى" في مشهد تافه وهزيل متناسيا أنه الشريك الأساسي في كل الصفقات والهندسات المالية منذ  رئاسته الاولى للحكومة.

 

اجتماع بعبدا اليوم سيبقى مظاهرة فولكلورية دون جدوى على قاعدة "فيك الخصام وأنت الخصم والحَكَم" لأنهم جميعهم متهمون ومسؤولون بل وشركاء عما وصلنا إليه وهم اليوم يناقشون الحلول والخطط والبرامج للخروج من عنق الزجاجة.

 

إن كل ما تقوم به الحكومة اليوم  وتحت شعار "خطة الإنقاذ" هو  مضيعة للوقت، ما لم تبادر هذه الحكومة وما لم تناقش في اجتماعها اليوم في بعبدا  سبل وقف النهب والسرقة وما لم تبادر الى اقتراح القوانين لاستعادة المال المنهوب وما لم تبادر الى معالجة فضائح الكهرباء  التي تسببت بخسارة 50٪ من الدين العام ذهبت الى الجيوب المعروفة.

اقرا ايضا : عمال لبنان الضحايا

 


إن  كل  الاجراءات والخطط ما هي إلا عراضات ومسرحيات وهي ملهاة عن الازمة الرئيسية التي تسببت بالانهيار.

 

تأتي هذه الخطة بالتزامن مع المزيد من الفضائح آخرها قضية الفيول المغشوش والفضائح التي ساقها النائب انطوان حبشي في مؤتمره الصحفي الأخير والتي فيما لو اخذت طريقها الى القضاء لاستطاعت ان تعيد المليارات الى خزينة الدولة.

 
كيف يمكن لهذه الحكومة ان تذهب فعلاً الى المبادرة الجادة وهي الغارقة الآن مثلاً في روائح الفيول المغشوش، والذي يتردد ان الغش فيه يعود الى أعوام حيث تردد ان هناك "شركة حلبية" بين مجموعة من السياسيين و"الملائكة" وبعضهم ممن استولد هذه الحكومة، جعلت من تجارة الفيول اويل والمازوت والبنزين "بستاناً" يوزع ثماره وملياراته على كثيرين من الذين، ويا للمسخرة، يصفّقون اليوم لـ"خطة الإنقاذ"، التي لن تنقذ شيئاً، ليس لعجزها عن معالجة جادة لمشكلة الكهرباء فحسب، بل لأن وباء الكورونا كهرب الاقتصاد العالمي، الذي تراهن الحكومة على أنه سيهطل عليها بالمليارات، عشرة من صندوق النقد الدولي ولكأنه كرم على درب المفلسين طبعاً، و11 ملياراً فقط لا غير من الدول المانحة في "سيدر"، الذي باتت شروطه أقسى.

 

لقد كان الأجدى أن تتضمن هذه الخطة السعي الجاد لاقرار القوانين الكفيلة بالمحاسبة والرقابة واستعادة المال العام عندها فقط يمكن ان نخطوا الخطوة الاولى بالاتجاه الصحيح.