ووفق تقديرات اقتصادية فإن 55% من الشعب اللبناني بات تحت خط الفقر، فيما سُجل في الأشهر الأخيرة إقفال مئات المؤسسات التجارية مترافقاً مع صرف واقتطاع رواتب عشرات الآلاف من الموظفين.
 

الخطة الاقتصادية التي أقرتها الحكومة ، تعرضت للاهتزاز منذ الساعات الأولى لولادتها، وبدأ القصف عليها أولاً من أطراف مشاركة في الحكومة، قبل ظهور انتقادات المعارضة، وجاهرت قطاعات اقتصادية رئيسية بعدم موافقتها على بعض ما ورد في الخطة، في حين شككت قطاعات أخرى في قدرة الدولة على تنفيذها، في حال تأخر وصول المساعدات الخارجية. وذهب العديد من الخبراء أبعد من ذلك حيث اعتبروا الخطة مجرد أمنيات واقتراحات، ستبقى حبراً على ورق .

اقرا ايضا : لبنان في مهب الريح

 

 

أن تجارب الدولة اللبنانية في تقديم الخطط الإصلاحية، تشكّل تاريخاً طويلاً من النكوث بالتعهدات بسبب الخلافات والكيديات السياسية، التي يدفع البلد أثمانها الغالية، منذ مؤتمرات باريس١ و٢ و٣، وما تلاها من مؤتمرات للدول الداعمة للبنان، والتي كان آخرها مؤتمر سيدر عام ٢٠١٨، الذي أقر مساعدات وتسهيلات وقروض ميسّرة بأحد عشر مليون دولار، مشروطة بإطلاق ورشة إصلاحات حقيقية مالية وإدارية، توقف الهدر والنهب، وتضع الدولة على سكة التنمية الحقيقية . فهل  سيكون مصير الخطة الحالية، والتزاماتها الإصلاحية، أفضل من  سابقاتها ؟ . لا يُمكن الرهان على إنقاذ لبنان من دوامة الأزمات الخانقة التي يتخبّط فيها، في ظل الانقسامات السياسية، والصراعات الحزبية، وما يُحيط بها من فقدان للرؤية الاستراتيجية الضرورية، والقابلة للتنفيذ في إطار زمني محدد، وتحقيق الإصلاحات المالية والإدارية الموعودة . وإن كان قرار الحكومة بطرق باب صندوق النقد الدولي، يبقى أن خريطة الطريق التي رسمتها تطرح الكثير من التساؤلات وتثير بعض الشكوك، منها ما يتعلق بالأسس التي قام عليها الإقتصاد اللبناني وقواعد الحكم الرشيد، كمبدأ فصل السلطات لا سيما السلطتين النقدية والتنفيذية. 

 

ومنها ما يمس بمسلمات هي في صلب الدستور اللبناني ليس أقلها حماية الملكية الفردية وعلى رأسها الودائع في المصارف.


 هكذا أتت الخطة عرجاء، غير متوازنة لجهة تركيزها على شق إصلاحي على حساب شق آخر. وهذا بحد ذاته يشكل إعاقتها الأساسية وقد يعقّد مهمتها لا سيما مع الدول المانحة التي جعلت من هذه الإصلاحات الهيكلية الحجر الأساس لا بل الشرط لمساعدة لبنان.


 كما ويطرح أسئلة كثيرة حول النوايا الكامنة وراء تحميل كافة المسؤوليات أو القسم الأكبر منها إلى مصرف لبنان والمصارف. فأين اصبح الكلام عن مزاريب الهدر، والفساد ملأ الشاشات في الفترة الأخيرة؟ وأين التفاصيل التنفيذية والجداول الزمنية لاستراتجية مكافحة الفساد. 

 

وبالعودة إلى قرار الحكومة بالتوجه إلى صندوق النقد، المسألة لا تتعلق فقط بالإصلاحات الهيكلية المنتظرة إنما تتعلق بالوجهة السياسية لهذه الحكومة. وبكلام أوضح عن مدى استقلاليتها عن القوى السياسية الراعية لها، بما فيهاحزب الله، ومدى ابتعادها عن الصراعات في الإقليم. 

 

قالها بيان الديبلوماسية الفرنسية على طريقته منذ يومين وعاد وكرّرها مساعد وزير الخارجية الأميركي.  


الخطة الاقتصادية للحكومة التي لم تتخلّ في جزئها الأول عن تحميل القطاع المصرفي كلّ أسباب الفشل، والتي استثنت المنظومة السياسية من الفساد وتغاضت عن إرتكابات القطاع العام، تستعرض في جزئها الثاني مجموعة من الإصلاحات البنيويّة بطريقة سردية، وتكرر عبارات ووعود مجتزأة تفتقر للآليات والجدول الزمني، تعرّضت لما يكفي من إنتقادات واسعة ومرشحة للتفاعل من القطاع المصرفي والهيئات الإقتصادية والكتل السياسية . هذه الخطة بصرف النظر عن مضمونها الاقتصادي ، هي إسقاط لمبادئ دستورية وقيمية راسخة كالحقوق الشخصية والملكية الخاصة واعتداء على المنظومة القانونية الموجودة. إلتزام الحكومة بطلب الدعم من صندوق النقد الدولي عاد ليدخل مدار الشك بعد كلمة الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بالأمس كدليل على الضياع السياسي . 

 

كما استرعى الانتباه في كلام نصرالله الحيّز الذي خصصه لإعادة تصويب البوصلة الحكومية في موضوع الاستعانة بموضوع صندوق النقد الدولي تحت سقف الشروط التي يضعها حزب الله بحيث لا نسلّم رقابنا لصندوق النقد بحسب تعبيره.

 

غير أنّ هذا الموقف لا يبدو منسجماً في النظرة إلى الأمور مع الوقائع من منظور المجتمع الدولي، خصوصاً بعد الموقف الفرنسي والموقف الاميركي .اللذان أكدا أنّ خطة حكومة دياب عليها أن تحظى بموافقة صندوق النقد الدولي وليس العكس بمعنى أنّها يجب أن تنال موافقة المساهمين في الصندوق وشروطهم لا أن تكون خطة بشروط حزب الله.

 

وفيما تراهن حكومة الأخصائيين على المساعدة المجانية من دون مقابل أو تنازل أو قراءة واقعية أو إصلاح سياسي وقضائي وأمني، وتفترض انعدام المصالح الخارجية، يبحث المواطن اللبناني عن بصيص أمل بين المصير المجهول للمنح والقروض الدولية التي سترمي أحمالها على أكتافه في ظل وعود بمعالجة تراكمات الفساد والهدر والسرقة وسوء الإدارة. ومن جهته صرح مصدر خاص من البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراًبمعلومات خاصة وأرقام صادمة تلخص الفاجعة.

 

خبراء الاقتصاد يُجمعون على انتقاد المشروع، لأنّه يتجاهل تماماً مطالب الإصلاح، ولا يمسّ إطلاقاً مَواطن الفساد والفاسدين، لا رجال السياسة والحكم منهم، ولا رجال المال والاقتصاد. . بمعنى اوضح كل اركان منظومة المحاصصة والزبائنية . ووفق تقديراتهم، فإن 55% من الشعب اللبناني بات تحت خط الفقر، فيما سُجل في الأشهر الأخيرة إقفال مئات المؤسسات التجارية مترافقاً مع صرف واقتطاع رواتب عشرات الآلاف من الموظفين. وهذا ان دل على شئ انما يدل على اننا كلبنانيين مقبلين على سنوات عجاف حمى الله لبنان واللبنانيين .