ما زالت تداعيات غزوة أيار عام ٢٠٠٨ تفعل فعلها في الحياة السياسية اللبنانية، وغدا حزب الله مُمسكاً فعلياً بمفاصل مهمّة في مؤسسات الدولة اللبنانية الشرعية، الحكومية والبرلمانية والإدارية والأمنية.
 

في السابع من أيار عام ٢٠٠٨، أي منذ حوالي إثنتي عشر عاماً، قام حزب الله بعملية عسكرية في مدينة بيروت، استهدفت مقرّات تيار المستقبل، وخاصةً الإعلاميّة منها، وحوصر رئيس التيار في منزله في قريطم، كما حوصر رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في السراي الحكومي، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط في منزله في كليمنصو، وسقطت العاصمة بأيدي المجموعات المسلحة التي زحفت من الضاحية الجنوبية لبيروت، ومن وسط العاصمة المُحتل منذ عدوان تموز عام ٢٠٠٦، ونجا جنبلاط بأعجوبةٍ وفضلٍ من حليفه الدائم رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد حوادث دموية رهيبة وقعت في الجبل بين عناصر حزب الله العسكرية وعناصر مُسلّحة من الحزب التقدمي الاشتراكي، وما لبث أن تراجع جنبلاط حثيثاً عن المواقف التي كان قد أطلقها ضدّ حزب الله قبل غزوة أيار هذه، واجتمعت الحكومة وتراجعت عن قراراتها بشأن شبكة اتصالات المقاومة الإسلامية( غير الشرعية )، وعن قرارها بإعادة قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير إلى ملاك الجيش، وإثر العملية التي سقط فيها أكثر من سبعين قتيلاً، مع خرابٍ واعتداءاتٍ وقطع طرقات، وسرقات ونهب، بسطَ حزب الله سيطرتهُ التّامة على مُجريات الحياة السياسية والعسكرية والأمنية في لبنان، قبل انعقاد مؤتمر الدوحة في قطر في ٢١ أيار عام ٢٠٠٨، الذي أعاد نوعاً من التّوازن للحياة السياسية اللبنانية بين فريقي الثامن من آذار والرابع عشر منه، وسمح بالتّوافق على انتخاب العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية.

 

اقرا ايضا : أوقفوا تهريب المواد الإستهلاكية المدعومة إلى سوريا، أو عطّلوا دعمها

 

 

ما زالت تداعيات غزوة أيار عام ٢٠٠٨ تفعل فعلها في الحياة السياسية اللبنانية، وغدا حزب الله مُمسكاً فعلياً بمفاصل مهمّة في مؤسسات الدولة اللبنانية "الشرعية"، الحكومية والبرلمانية والإدارية والأمنية، وساهم وصول الجنرال عون إلى سدة الرئاسة الأولى عام ٢٠١٦، في تفاقم هذه السيطرة المتمادية.

 

 

ويبدو أنّها ما زالت ماثلة بقوّة في ذاكرة وضمير الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كلّما تعرّض لبعض المضايقات بسبب نزعته" المُمانعة" لأدوار حزب الله في لبنان، سرعان ما ينكفئ ويتقوقع في محيطه المذهبي، بخلاف ما كان عليه والدهُ الزعيم الشهيد كمال جنبلاط، فنراه يلوذُ بنزعة " المُهادنة"، والجنوح نحو السِّلم والسلامة، وما زيارتهُ بالأمس لقصر بعبدا ولقائه مع رئيس الجمهورية، وتصريحاته المُسالمة للعهد  وتياره "الباسيلي"، وطمأنة رئيس الحكومة حسان دياب بسلامة حكومته وطول عمرها، إلاّ أدلّة إضافية على أنّ غزوة حزب الله "المجيدة" في أيار عام ٢٠٠٨، ما زالت حيّة وسارية المفعول لدى الزعيم الجنبلاطي.

 

 

لم يكن اتفاق الدوحة عام ٢٠٠٨ إلاّ مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "هُدنة على دخْن، وجماعة على أقذاء". والدّخْن: الحقد، والأقذاء: القاذورات.