عاشت حكومة الرموت كونترول ميتة لأنها امتزجت كليا بسياسة العهد ومصالحه وتوجهات داعميها. العهد سقط الآن مع الحكومة ولم تعد تنفع كل اجهزة تنفس حزب الله وكورونا إنعاشهما .
 

حين توعّد رئيس الحكومة حسان دياب باتخاذ تدابير مشددة بعد جلسة مجلس الوزراء، ظن اللبنانيون أن رئيس حكومتهم سيعلن خطة الانقاذ الاقتصادي المنتظرة منذ أكثر من 76 يوما، تاريخ تشكيل هذه الحكومة. وما إن خرج ليتحدث بعد جلسة الحكومة حتى تبدّت في كلامه لهجة الحزم التي تمدّه بها الغرفة السوداء المتحكمة بحكومته، فأتى كلامه انقلابياً انتقامياً بمضمون فارغ لا يحمل سوى محاولة تبرير الفشل بالفشل. أما خطة الانقاذ التي لم يمنع أحد حكومة دياب من إقرارها سوى الحكومة نفسها، فقد كرر دياب الوعود الفارغة بضرورة إقرارها، وعلى الوعد يا كمّون.


فمن البديهي ان بركان الغضب الاجتماعي على الأبواب. الدولار يلامس الـ4000. وكورونا  لم يُخمد المخاوف بعد من موجات جديدة قد تخرق النظام الصحي. المؤشرات تفيد بأن البلاد مقبلة على اضطرابات سياسية وشعبية شرسة. فبصيص أمل التغيير الذي انفجر مع ثورة 17 تشرين تحوّل إلى واقع حتمي بعد ما بدأ اللبنانيون يشعرون بالجوع والذلّ. الأمرالذي سيدفع بالمجموعات في المناطق للتنسيق في ما بينها والعودة إلى الشارع مجددا. 

 

لم يعد يختلف إثنان على أن العهد والحكومة يفتشان عن كبش فداء لتحميله كل موبقات السنوات الغابرة، من الحديث الدائم عن السياسات المالية والاقتصادية للطبقة الحاكمة، الى الغمز من قناة المعارضة الحالية وصولاً الى حاكم مصرف لبنان ، في حين لا يستطيع التيار الوطني الحر أن يدعي أنه خارج هذه التركيبة لكونه شريكا أساسيا في هذه السياسات الى جانب تيارات سياسية أخرى، في الوقت الذي كان فيه مصرف لبنان يغطي على هذه السياسات ويدفع الأموال الطائلة لسد عجز الدين، ولم يكن في يوم من الأيام مسؤولا عن سلسلة الرتب والرواتب التي أرهقت الخزينة، ولا عن ملف الكهرباء الذي حمله وزراء التيار الوطني لسنوات وتسبب في نصف الدين العام، ولا عن الهدر في الصناديق، ولا عن التهريب على المعابر غير الشرعية، ولا عن التلزيمات بالتراضي، ولا عن التوظيفات الانتخابية العشوائية . 

اقرا ايضا : لبنان قبل هبوب العاصفة

 


 بعد 27 عاماً من تثبيت سعر صرف الليرة من قبل مصرف لبنان المركزي، فإن الليرة اليوم تقف أمام استحقاق السقوط مع سقوط النظام الرأسمالي الحر، ومصادرة الأموال تحت حجة التحقيق ومحاربة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، ها هي الحكومة تسارع إلى استخدام صلاحياتها في سياسة الهجوم بشكل انتقائي، ولو أدّى الأمر إلى إحراق الأرض وما عليها. 

 

بعد أكثر من شهر ونصف الشهر على التعبئة العامة المستمرة لمواجهة كورونا، وما سبقها من أشهر طويلة من الأزمة التي تتفاقم يوما بعد يوم، أصبح اللبنانيون أمام حائط مسدود في غياب أي خطة واضحة من قبل السلطة للخروج من المأزق. في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار وحجز المصارف على أموالهم، يبدو أن الانفجار الاجتماعي بات قريبا بعدما دخل لبنان فعليا مرحلة الانهيار الاقتصادي. كشف رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب عمق الأزمة التي يعاني منها لبنان وحاول إلقاء جانب من المسؤولية على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وتجاهل دياب كليا الدور الذي لعبه حزب الله على صعيد عزل لبنان عن محيطه العربي أو على صعيد التسبب بعقوبات أميركية على المصارف اللبنانية. الآن وصل لبنان الى عنق الزجاجة من يُخرجه؟ لم تستطع الحكومة حتى الساعة عن إستيلاد الحلول ولا يبدو انها قادرة على الانقاذ بغض النظر عن نواياها الإنقاذية .

 

 والكارثة في عمق الأزمات في لبنان، هي أن أخذ البلد إلى محور الممانعة، قاد إلى دفعه نحو عزلة عربية ودولية كبيرة، بصرف النظر عن المجاملات. 
الوقت انقضى بالتلهي، حكومة الإنقاذ أصبحت بحاجة لمن ينقذها من خلافات أعضائها التي لا تتوقف، من تعثرها، ومشكلاتها التي لا تتوقف. يوم الحكومة تدرس خطة الانقاذ، ويوم انجزت منها ٥٧ بالمئة ويوم لا تزال الخطة قيد الدرس.

 

 لم تشفع ازمة وباء كورونا في إطالة أمد المماطلة. انكشف الفشل والاعتراض والانهيارسريعا ولم تعد سياسة الهروب إلى الأمام تنفع في إعطاء مهلة سماح جديدة للضحك على الناس. استعارة رئيسها مفردات العهد الفاشلة بتهديد الموظفين الخارجين عن الطاعة حديثا لا يحل مشكلة فشل الاداء وتدهور الوضع المالي، وتغطية العجز الفاضح باتخاذ القرارات الصائبة. جرب قبله عهد اميل لحود وانتهى الى الحضيض. بدل شبك الأيادي والاستعانة بالخبرات، تجارب الفشل مصيرها الفشل الذريع. حل المشكلة بتعاون الجميع وليس بالتحدي والاستعداء واستعمال الحكومة وسيلة لتصفية الحسابات السياسية والشخصية.

 

 الانهيار يتسارع يوما بعد يوم ولم تعد المسكنات تنفع بتخدير الرأي العام. سقطت صيغة تركيب حكومة كيف ماكان منذ تأليفها. سقطت صيغة تجاوز التوازنات السياسية والطائفية. لم يشعر اللبنانيون بوجود الحكومة الا بإجراءات كورونا. عاشت حكومة الرموت كونترول ميتة لأنها امتزجت كليا بسياسة العهد ومصالحه وتوجهات داعميها. العهد سقط الآن مع الحكومة ولم تعد تنفع كل اجهزة تنفس حزب الله وكورونا إنعاشهما .