إبّان أزمة احتجاز الودائع المصرفية ومع انطلاق ثورة تشرين، أخذ تحالف متحدون على عاتقه مسؤولية الدفاع عن حقوق المودعين واسترجاع أموالهم بالقانون، حيث تلقى عدة وكالات وتقدم بدعاوى قضائية وتابع كل ملف على حِدة. وبعد أن طالت الأزمة معظم الشعب اللبناني، وبعد الأداء غير الأخلاقي وغير القانوني للجهات المعنية وعلى رأسها مجالس إدارات المصارف الخاصة والمصرف المركزي وجمعية المصارف ووزارة المال والنيابة العامة المالية، باتت ضرورة التصدّي للفساد في القطاع المصرفي وقرارات جمعية المصارف المجحفة بحقّ المودعين أولى الأولويات، سيّما من قِبل القضاء الذي لم يقم بأي خطوات جدّية في هذا المجال. من هنا، تم تأسيس "جمعية مكافحة الفساد المصرفي" التي أخذت على عاتقها الانتقال بهذا الملف إلى أعلى مستويات المسؤولية والمحاسبة، بدءًا بتوكيل الفريق القانوني في "متحدون" لمتابعة ملف الفساد في المصارف قضائياً.

 

وفي خطوة أولى من نوعها تقدّم التحالف اليوم الأربعاء ٢٢ نيسان 2020 بشكوى أمام رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود بعد مراجعات متكررة، بوجه المدعى عليهم جمعية المصارف ممثلة برئيس مجلس إدارتها د. سليم صفير وعدد من المصارف المشكو منها ممثلة برؤساء مجالس الإدارة، وذلك بجرم إساءة الائتمان سنداً للمادة 671 من قانون العقوبات ، وجرم التحريض سندا لأحكام المادتين 217 و 218 من القانون عينه، كما وإصدار تعاميم مخالفة لأحكام الدستور اللبناني سيّما الفقرة (ج) من مقدمته التي نصت على العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز، وأيضاً الفقرة (و) التي نصت على ان النظام الاقتصادي هو نظام حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصّة، وكذلك المادة 15 من الدستور التي نصت على ان الملكية هي في حمى القانون.

 

وفي الوقائع، أشارت الشكوى إلى الإجراءات الصارمة وغير القانونية التي أخذت مداها إلى التطبيق دون وازع أو رقيب وكأننا في دولة لا قضاء فيها على الإطلاق، بدءًا بخفض سقوف السحوبات بالدولار إلى مستويات متدنية جداً والتعليق التّام لعمليات التحويل إلى الدولار وفرض قيود على المقترضين، وحجب التسهيلات المصرفية عن الزبائن بشكل مفاجئ ومن دون سابق إعلام أو إنذار، وسواها من القرارات الاستنسابية والتعسفية التي طالت أموال المودعين، في وقتٍ بلغ التواطؤ أشدّه مع عددٍ من كبار المودعين الذين قاموا بالتنسيق مع من هم في السلطة بتهريب أموال طائلة إلى الخارج دون أن يتعدّى تدخل القضاء مستوى المسرحيات الاستعراضية.

 

وكما هي الحال دائماً لدى تدخل القضاء، للأسف، فإن المجرمين الكبار يبقون محصنون من أية محاسبة بغطاءٍ منه، في حين يتحمّل سائر المواطنين "غير المدعومين" تبعات مدّ اليد إلى ودائعهم والخسائر الفادحة نتيجة ذلك، لا لشيء إلا للتمادي في حماية كبار الفاسدين قضائياً وسياسياً بدل إرغامهم على إعادة الأموال المختلسة، الحلّ الوحيد للأزمة.

 

إن تحالف متحدون بصدد إعداد مراجعة شاملة لأداء السلطة القضائية لا سيّما مؤخراً بعد الثورة، وهو إذ يعتبر أن تعاطي القضاء مع الشكوى الحالية سيكون مفصلياً لما تطرحه هذه الشكوى من ظلمٍ بالغ وإزهاقٍ للحقوق وبترٍ للعدالة طال الغالبية الساحقة من المواطنين. في ضوئها سيدلّ التحالف بالإصبع وبالاسم على كل متواطئ في هذا الملف سواء أكان قاضياً أم مصرفياً أم سياسياً، حتى وإن اقتضى الأمر نعي القضاء حالياً في لبنان والدعوى إلى تشكيل سلطة قضائية بديلة.