كأنّي بسعد الحريري اليوم يستذكر ما كان قد شكى منه الإمام علي بن أبي طالب من أصحابه في أيام انحلال خلافته وجرأة معاوية بن أبي سفيان عليه بعد حادثة التحكيم،: لقد ملأتم قلبي قيحاً، ووريتُم والله صدري غيضاً، وجرّعتموني الموت أنفاساً، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان...ولكن لا رأي لمن لا يُطاع.
 

يرتبط النشوء السياسي للخوارج بحرب "صفّين"، عندما خرج على علي بن أبي طالب رضي الله عنه طائفةٌ ممن كانوا معه في هذه الحرب، وأجمعوا على تكفيره لقبوله التّحكيم، إلاّ أنّ الشهرستاني عاد فعمّم لفظ "الخوارج" على كلّ من خرج على الإمام الحقّ، الذي اتّفقت الجماعة عليه، سواء كان الخروج أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو من كان بعدهم على التابعين بإحسان. 

 

ورأى بعض الباحثين في تاريخ الإسلام المُبكّر، أنّ الخوارج هم جماعة من المسلمين المُتعصّبين الذين رأوا أنّ الفصل في موضوع خلافة النبي "ص" لا يصحّ أن يوكل للبشر، وهكذا اتّخذوا هذا المبدأ "لا حكم إلا لله" شعاراً لهم وانسحبوا من جيش الإمام علي بن أبي طالب، وعُرفوا في تاريخ الإسلام السياسي بسبب انفصالهم بالخوارج.

إقرأ أيضًا: جنبلاط يتذكّر قول الحجّاج: هذا أوانُ الشّدّ فاشتدّي زِيم

 

والخوارج الذين خرجوا هذه الأيام على رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، هم كأسلافهم الذين اقتاتوا من لحم نجل الرئيس الراحل رفيق الحريري، وشربوا من دلوه، وأثروا على إرث الحريرية السياسية، فقلبوا لها ظهر المِجنّ، ظنّاً منهم أنّ نجم سعد الحريري قد أفل، ولا قيامة سياسية له بعد خروجه من جنّة الحكم، وتمّ تجميع كوكبة من المسؤولين السابقين، والمفكرين والإعلاميين والمُحللين السياسيين، ويتناوبون بين بعضهم البعض الهجوم على الرئيس سعد الحريري، مع الإشادة بنهج وإرث والده الراحل رفيق الحريري، مع ما يلزم من التّباكي على وضع الطائفة السّنيّة، الذي أزرى على يده إبان حكمه خلال السنوات الماضية، ويزداد تدهوراً اليوم في ظلّ حكومة دياب الهجينة، ومع الاعتراف بصحّة الكثير من الوقائع السياسية التي أخطأ في معالجتها الرئيس سعد الحريري، إلاّ أنّه من المُبكّر إعدام الرجل سياسياً وأخلاقيّاً، والتعجيل بخلعه كما سبق وقام به الصحابي أبو موسى الأشعري،عندما خلع إمامه علي بن أبي طالب بعد خديعةٍ ووقيعة من الصحابي الداهية عمرو بن العاص.

 

كأنّي بسعد الحريري اليوم يستذكر ما كان قد شكى منه الإمام علي بن أبي طالب من أصحابه في أيام انحلال خلافته وجرأة معاوية بن أبي سفيان عليه بعد حادثة التحكيم،: لقد ملأتم قلبي قيحاً، ووريتُم والله صدري غيضاً، وجرّعتموني الموت أنفاساً، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان...ولكن لا رأي لمن لا يُطاع.