خسر الحزب معركة كسر العظم في الهيركات، لكن المعركة لا تزال مستمرة، والصراع مستمر بين مكامن النفوذ الإيراني الأميركي على الساحة اللبنانية، بمعزل عن حجم الخسائر والانهيار الذي يطال لبنان واللبنانيين.
 

مع استمرار القلق من وباء كورونا الذي لا أمل حقيقياً بعد بالخروج منه، يستمر بموازته ارتفاع سعر صرف الدولار، وجنون الأسعار الذي يتخطى كل الارقام القياسية . المعارضة حذّرت الحكومة من ثورة الجياع بعد الانتهاء من أزمة كورونا، لأن ما يجري في طرابلس وبالتحديد في ساحة النور من تظاهرات احتجاجية بسبب الغلاء والارتفاع الجنوني للدولار سيكون له ارتدادات على سائر المناطق، على الرغم من خطة التعبئة العامة والحجر المنزلي القائمة منذ حوالى الشهر، لأن لسان حال الناس يقول ان الموت بسبب كورونا أفضل من الموت بسبب الجوع .

 

 ما يمرّ فيه لبنان حاليا وما يعيش في ظلّه، يعلم الجميع، علم اليقين أن ليس هناك من إنقاذٍ سيأتي من الصندوق أو من سيدر أو من الخارج قبل أن يتمّ التسليم بالإصلاحات المطلوبة في الكهرباء والاتصالات وتشكيل هيئاتها الناظمة، وضبط الجمارك لمنع عمليات التهريب من المعابر البحرية والبرية والجوية، وإعادة هيكلة القطاع العام وترشيقه وترشيده. وهنا بيت القصيد. فهذه الإصلاحات تضرب فساد الطبقة الحاكمة على اختلاف مشاربها التي تتقاسم البلد، وتصيب من ضمنها حزب الله ذاته بموارده، بحيث ينظر إلى أن تطبيقها يضعف نفوذ محوره لصالح المحور الآخر الأميركي. 

 

ولأن كل مجرى الكون يدور حول صراع المحورين، تُرفع عناوين حاكمية مصرف لبنان ورياض سلامة وقطاع المصارف وهيكلته وهي عناوين مدرجة في خانة النفوذ الأميركي تحديداً، وتخاض المعركة حول الهيركات التي تقضي على ما تبقى من النظام المصرفي الحر، حيث الوجهة هي الغرب.

 

لامس دياب ومَن معه من الخبراء ومَن يُدير المحرّك من الخلف الخطوط الحمر. فإذا بالاشتباك السياسي يتوسّع، فيدخل الحريري ووليد جنبلاط على الخط. يدفن بري الهيركات، فثمة مصالح لمتموّلين شيعة كبار هي أيضاً في الاستهداف هؤلاء محسوبون على بري. ترفع الكنيسة الصوت حماية لرجال الأعمال المسيحيين. 

خسر الحزب معركة كسر العظم في الهيركات، لكن المعركة لا تزال مستمرة، والصراع مستمر بين مكامن النفوذ الإيراني  الأميركي على الساحة اللبنانية، بمعزل عن حجم الخسائر والانهيار الذي يطال لبنان واللبنانيين.

 

إقرأ أيضًا: حكومة مواجهة التحديات من فشلٍ لآخر والأزمة المقبلة أكثر خطورة

 

 سيكون اللجوء إلى صندوق النقد هو العنوان الضاغط للصراع الآتي بعد حين، وعندما تسقط خطوط الدفاع لمحور إيران .  
ان حكومة الرئيس حسان دياب مجرد حكومة صورية لن تحل او تربط في موضوع الازمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة، ودورها فقط يرتكز على تغطية الفراغ وتمرير المرحلة بأقل الخسائر الممكنة بانتظار ابرام اتفاق دولي عربي على تسوية سياسية شاملة في لبنان او ميني طائف جديد .
ان ازمة كورونا قد تكون مبدئيا انقذت الحكومة، فالمنطق يقول انه قبل الازمة، كانت اية لحظة اقليمية ودولية مؤاتية ستدفع حكما ثنائي حزب الله امل الى الاطاحة بها، ولا سيما ان اي ترتيب من هذا النوع معناه اعادة انعاش الاقتصاد وضخ سيولة في البلد وهو اهم من الابقاء على حكومة صورية .

 

 المعطيات تشير الى ان ثنائي حزب الله  امل اعطى فترة سماح عملية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لاعادة ترتيب وضع صغار المودعين ومحاولة لملمة الازمة المالية بما يسمح باستقرارها عند الحدود التي وصلتها حاليا بانتظار تبدد المشهد الدولي باتجاه تحديد مصير هذه الحكومة . 
والدليل على ذلك تصريح نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم بعدم ممانعة الحزب توظيف نائب للحاكم له علاقات مع الولايات المتحدة يصب في الاتجاه نفسه، ويعني ان الحزب ومن خلفه بري يتعاطى ببراغماتية في الملف الاقتصادي ومتشعباته الدولية والاقليمية افساحا في المجال امام ترتيب مُعين يقوده بري ومدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم لتخفيف الضغوطات المالية على لبنان وضخ السيولة اللازمة سواء عبر المساعدات أو القروض . 
وهذا يقود بحسب العارفين الى نتيجة عملية مفادها ان الخطة الاقتصادية المنتظرة سوف تكون نتيجة تفاهمات سياسية داخلية ودولية لانها مقترنة بشكل مباشر بموضوع صندوق النقد الدولي والتعيينات المالية ومصير المصارف والحاكم وموضوع ترسيم الحدود بين لبنان والعدو الاسرائيلي ومسألة استخراج النفط وموضوع اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، بما معناه ان حكومة دياب غير قادرة ولا تملك قرارا واضحا للبت في مسألة الخطة الاقتصادية التي تعمل عليها اذا افترضنا انه سمح لها بتقديمها .


 
ففي ظلّ التغييرات الاقليمية الكبيرة المتوقّعة ماذا سيفعل لبنان ؟ الأكيد أن حزب الله لم يعد يمتلك وعوداً مرتبطة بالاستثمارات الصينية أو السوق العراقية. والأكيد أيضاً أن الدول العربية القادرة، في مقدّمها المملكة العربية السعودية لن تكون مستعدّة لمساعدة بلد مفلس مثل لبنان تشكّلت فيه حكومة حزب الله. لن تساعده حتّى لو رغبت بذلك. على الدول العربية القادرة التكيّف بدورها مع مرحلة هبوط أسعار النفط والغاز، المنتظر أن تستمرّ طويلا والتي سيكون لها انعكاسات ربما تفوق بسلبياتها وخطورتها تلك التي سيخلّفها انتشار وباء كورونا. هناك مستقبل للمنطقة بات على المحكّ وغداً لناظره قريب .