كارثة القرن كما وصفناها حلَّت بالشعب اللبناني! وتيْتَانِك لبنان تغرق في أعماق المحيطات المظلمة! وما زال الطمع والجشع يستبدّان بالبعض فيستفيد هذا البعض من الأزمة أضعاف ما استفاد قبل الأزمة مثل تجّار المواد الغذائيّة والخضار ومسيِّلي الشيكات المصرفيّة ومَنْ يدعمهم من السياسيّين. حقيقةً باتت الحلول جميعها مؤلِمةً جدًّا جدًّا! آمل أن أكون مخطئًا!
 

   منذ ستّة أشهرٍ كانت الثورة. في رأيي، جاءت بعد فوات الأوان؛ لأنَّ الفساد كان قد أتى على الأخضر واليابس، فالطبقة السياسية لم تترك شيئًا. ومع ذلك، كان يمكن الثورة أن تفعل شيئًا عظيمًا ليس لاسترجاع ما قد نُهِب وسُرِق، إنّما لعدم الوقوع في الكارثة الاجتماعيّة الكبرى، أي لعدم الوقوع في الفوضى الشّاملة! 


   وقف مَنْ وقف ضدّ الثورة. له مبرِّراته التي قد تكون وجيهةً، لكنّه أضاع فرصة نجاح الثورة. وانضمّ منِ انضمّ إليها. وتخلّى من ثَمَّ مَنْ تخلَّى عنها بعد أن اعتبر أنّ هناك "شيئًا أكبر منّي ومنّك". والآن بعد خراب البصرة، نتجه إلى المجاعة بسرعةٍ قياسيّةٍ أو على الأقل إلى التدنّي الشّديد الشديد في مستوى المعيشة! بدأت الأحزاب والشخصيّات السياسيّة والمجتمعيّة التي حكمت البلد طيلةَ ثلاثة عقودٍ بتوزيع "الكرتونة" التموينيّة. يعني بدأت بتوزيع مسكِّنات الجوع بدلًا من معالجة المرض والأسباب التي أدّت إلى الجوع وإلى ما وصلنا إليه من انهيارٍ تامٍّ للنظامين الاقتصادي والمالي.


   في هذه الأثناء، لا سيما في بداية الثورة، تمّ تهريب ما تبقّى من أموالٍ لم تُهرّب من قبل. فزمط أصحاب المصارف بأموالهم كافّةً بالإضافة إلى الطبقة السياسيّة. ماذا بقي في المصارف؟ الفتات! لا شيء غير الفتات! وبدأ الكابيتال كونترول... نَفَدَ الفُتَات... العوض بسلامتكم! وأبلغُ كلامٍ قيل في اليومين الماضيين هو ما قاله دولة رئيس الحكومة: "لقد تبخّرت أموالكم قبل مجيئنا إلى الحكم!".


   بدأ مسلسل "الهيركات". فتبيّن أنَّ الهيركات سيطال ٦٠٪؜ و٧٠٪؜  من قيمة ودائع النّاس التي تتجاوز قيمتها المئة ألف دولارٍ والتي باتت رقميّةً ولم تعد أموالًا فعليّة. أرقامٌ لا قيمةَ لها على دفاتر بنكيّةٍ لا تُساوي شيئًا. الآن يبدو أنّ الهيركات قد سقط! ما البديل؟ البديل هو السيطرة على أملاك الدولة ومؤسّساتها، لكن بالمال ذاته الذي هرّبته المصارف وذلك بشراء مشاعات الدولة ومؤسّساتها بثمنٍ بخسٍ حيث، بالتّأكيد، لن يأتي الأجنبي ليستثمر في لبنان وهو يتطلّع إلى الاستثمار في دولٍ كثيرةٍ بعد انهيار الأسعار بسبب تداعيات أزمة كورونا. يعني باختصارٍ، تنتهي الدولة بالكامل ونصبح رعايا أو مستخدمين لدى أصحاب الودائع الكبيرة التي "تبخّرت" أو بالأحرى هُرِّبت. خذوا مثلًا أملاك الدولة البحريّة وغير البحريّة إذ سيتمّ الاستيلاء عليها بالمال الطازج الذي نحن بأمس الحاجة إليه. هكذا لا يعود لدينا شواطئ ولا جبالٌ ولا وديان. يصبح اللبناني في دولةٍ يملكها أفرادٌ! قد يكون هؤلاء كثيرين في البداية! لكن مع الوقت يشتري الكبار من الصغار بأثمانٍ بخسةٍ، وذلك استغلالًا لحاجة البعض إلى المال!


   وحكومة الأوادم! ماذا عساها تفعل؟ حسنًا إنّ نظافة الكف مطلوبةٌ. لكنّها ليست كافيةً فالوقت يداهمنا جميعًا! وزاد من حدة الأزمة فيروس كورونا إذ صار من المستحيل أن نجد من يمدّ لنا يد العون. فالدول انشغلت بهمومها الداخليّة الكبرى!


   بناءً عليه، فإنّ كلَّ دقيقةٍ تضيع الآن تُعادل سنةً إنْ لم يكن أكثر! ببساطة: لبنان بحاجةٍ ماسّةٍ إلى ٣٠ مليار دولارٍ طازجةٍ بحسب ما يقول الخبراء الاقتصاديون للبدء بالنهوض من القاع! وحتى نرى النور، وحتى نصل إلى الأرض نحن بحاجةٍ إلى سنوات! طريقتان لا غير للإتيان بالمال: إمّا من الدول الصديقة والحليفة وصندوق النّقد الدولي وهذا لا تباشيرَ له في الأفُق وستكون له شروطٌ قاسيةٌ وأليمةٌ قد تتعدّى الشّأن المالي البحت لتصل إلى المس بالسيادة الماليّة والسياسية، فنصبح تحت انتدابيْن ماليٍّ وسياسي؛ وإمّا من جيوب مَنِ اغتنى على حساب لبنان! وهؤلاء معروفون من الجميع.


   أسبوعٌ وراء أسبوعٍ، وشهرٌ وراء شهرٍ، والأزمة تشتدّ ويلتفّ الحبل على رقاب اللبنانيّين. وقد يأتي وقتٌ ليس ببعيدٍ يعيش فيه اللبناني على البطاقة التموينيّة وفي ظلّ تقنينٍ قاسٍ للمحروقات ورغيف الخبز وفي ظل فقدان الدواء. ومن المدهش أنّ ما نقوله يعرفه الجميع، لكنّ الطبقة السياسية تعيش هدوءًا ما بعده هدوء! فهي ليست في عجلةٍ من أمرها!  


   كارثة القرن كما وصفناها حلَّت بالشعب اللبناني! وتيْتَانِك لبنان تغرق في أعماق المحيطات المظلمة! وما زال الطمع والجشع يستبدّان بالبعض فيستفيد هذا البعض من الأزمة أضعاف ما استفاد قبل الأزمة مثل تجّار المواد الغذائيّة والخضار ومسيِّلي الشيكات المصرفيّة ومَنْ يدعمهم من السياسيّين. حقيقةً باتت الحلول جميعها مؤلِمةً جدًّا جدًّا! آمل أن أكون مخطئًا!