هل سيتمكّن رئيس الحكومة الذي سيخرج في مقابلة إعلامية ، من إقناع الرأي العام بصوابيّة خياراته، أم أنّه سيتحوّل تدريجًيا مع حكومته، إلى نسخة أخرى عن الحكومات السابقة التي فشلت فشلاً ذريعًا في الوفاء بوعودها للبنانيّين . وخصوصاً انها تنتقل من فشل الى آخر بالوقت الذي تشير فيه المعطيات الى ان الازمة الاتية ستكون اصعب .
 

منذ تشكيل الحكومة الحالية وقبل وصول وباء الكورونا الى لبنان كان الحديث منصبّا على مكان واحد هو الخطة الماليّة الاقتصادية، اذ أن الحكومة التي أعلنت التوقف عن دفع ديون لبنان الخارجية،ع تحولت الى خليّة نحل لإعداد خطة متكاملة تتمكن عبرها من التفاوض مع الدائنين ،والمجتمع الدولي، بغية إنقاذ لبنان وإعادة ثقة المستثمر اللبناني والمجتمع الدولي فيه. منذ أيام كُشف النقاب عن مسودّة خطّة الحكومة، والتي جاءت هذه المرة أكثر تفصيلاً من التي سُرّبت منذ شهرين تقريبا، فقد ظهر من خلال ما تم تسريبه حول الخطة المالية الاقتصادية التي تعدّها الحكومة، أنها عبارة عن دراسة مالية ، وبعيدة كل البعد عن الخطة الشاملة التي يحتاج اليها لبنان في هذه الظروف الصعبة. ويسأل البعض كيف يمكن لحكومة تنتقد السياسيين السابقين أن تحذو حذوهم في الفساد أين هي شعارات الإصلاح والنيّة بمكافحة السرقات لا بل أين هي حكومة الإنتفاضة التي لولاها لما استقر هؤلاء الوزراء على كراسيهم . 

الخطة الحكومية  تتحدث عن خسائر لبنان، وكيفيّة تعويض الخسارة،تبدو الخطة من حيث شكلها مطابقة لما يريده صندوق النقد الدولي، ولكنها لم تؤشّر عن كيفيّة فعل ذلك، حيث بدأت من تحديد خسائر الدولة وليس عن موجوداتها ولا عن كيفية النهوض بالماليّة، وبطبيعة الحال. تبدو الخطة إيجابية من ناحية الحديث عن الواقع الحالي للمالية اللبنانية، خصوصا اننا اصبحنا امام حسابات واقعيّة، ولو انّ طريقة الوصول اليها لا تزال مبهمة.
بعد سقوط الهيركات بالضربة القاضية وسحب الحكومة يدها منه ليلقى المصير نفسه الذي لقيه مشروع الكابيتال كونترول، وبعد أن وقعت الواقعة بإعلان لبنان دولة مفلسة ومتعثرة عن سداد ديونها، تلجأ الحكومة، بدل مصارحة الناس بالواقع، إلى التفكير بابتلاع أموال المودعين من خلال عملية نصب واحتيال وسرقة موصوفة، مع ما يعنيه ذلك من لعب بخطوط حمر قد تنزلق بالبلد لحرب أهلية جديدة. ثم يأتي من يسأل لماذا الثورة . ورغم ذلك يدّعي رئيس الحكومة أن حكومته هي الأولى في تاريخ الحكومات التي تحدثت عن الأزمة الإقتصادية بكل جرأة، لكنه أغفل أن ما وصفه دياب بـالجرأة ليس الا إمعاناً وإصراراً على التشفّي مدفوعاً  بتحريض وتخطيط من المتسلطين على الحكم. الفشل والتراجع أقل ما يمكن أن يوصف به آداء حكومة حسان دياب. 

إقرأ أيضًا: الثورة الشعبية مدعوة للتصدي لعقلية السطو على أموال الناس

حكومةٌ أصابها الوهن لا لشيء إلا لأنها ترتجل المشاريع من باب الكيدية أولاً، وغياب الرؤية ثانياً، فلا تلبث أن تتراجع عنها. هكذا يمكن ترجمة تراجع دياب في اجتماع مع ممثلي الهيئات الإقتصادية حين تحدث عن "خطط الإصلاح المالي، بالقول إنها ليست منزلة. ان بعض المشاركين في اللقاء فوجئوا بالقول أن الحكومة مازالت في طور تحضير الخطة الانقاذية ويهمها سماع آرائهم واقتراحاتهم، وهو مايتناقض كليا مع ما أعلنه دياب بان الحكومة أنجزت ٥٧٪ من الخطة خلال الاجتماع مع سفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان في بعبدا. وفي مزيد من أزمات الحكومة، فإن ملف التشكيلات القضائية شهد توقيع وزيرة العدل كلود نجم عليه بعد مماطلة استمرت حوالي الشهر. حيث أنّ التشكيلات القضائيّة المُجمّدة، أظهرت مدى هشاشة الجسم القضائي الذي يُنازع لكسب إستقلالية غير موجودة! وتعيينات نوّاب مصرف لبنان، لا تزال بدورها عرضة للأخذ والردّ، بسبب التدخلات، بعيدًا عن أيّ معايير ماليّة إنقاذيّة حقيقيّة. حتى أنّ تمرير  الحكومة سلسلة من التعيينات الادارية لم يمرّ على خير، حيث فتح الباب مُجدّدًا على الواقع الطائفي والمذهبي في لبنان، وأسفر عن إرتفاع صوت مُمثّلي الطائفة الأرثوذكسيّة الرافضين للمساس بحقُوقهم. 

وتشير مصادر سياسية في معرض تقويمها للأداء الحكومي، إلى أن القوى السياسية التي تمسك بالزمام في مجلس الوزراء، ليست لديها قدرة على ترجمة القرار الذي يمكن أن تتخذه على أرض الواقع، في ظل الثقل الذي تمثله هذه القوى داخل الحكومة، وعلى وقع الأزمة المالية الصعبة التي يمر بها البلد، ما يعني أن هناك غياباً للقرار السياسي بكيفية إيجاد أسس الحل للأزمة المالية. فلغاية اللحظة لا زالت الأمور تراوح في إطار أفكار عامة لا تعكس الإرادة الفعلية للناس لمواجهة الأزمة.

 ولذلك فإن هذا التخبّط الحكومي القائم، مرده إلى عدم وجود قرار وعدم وجود رؤية ولغياب الوضوح السياسي لمجلس الوزراء. في الختام، صحيح أنّ الحكومة الحالية لا تُحسد على التركة الثقيلة التي ألقيت على عاتقها، لكنّ الأصحّ أنّ إدارتها لكثير من الملفّات جاءت دون الآمال المَعقودة عليها. فهل سيتمكّن رئيس الحكومة الذي سيخرج في مقابلة إعلامية ، من إقناع الرأي العام بصوابيّة خياراته، أم أنّه سيتحوّل تدريجًيا مع حكومته، إلى نسخة أخرى عن الحكومات السابقة التي فشلت فشلاً ذريعًا في الوفاء بوعودها للبنانيّين . وخصوصاً انها تنتقل من فشل الى آخر بالوقت الذي تشير فيه المعطيات الى ان الازمة  الاتية ستكون اصعب .