في ظل ارتفاع مستوى مخاطر انتشار فيروس «كورونا» على الاقتصاد العالمي، ومع مشاكل إنتاج النفط وتصديره، شكّل الذهب «ملاذاً آمناً»، ما رفع الطلب على سبائكه، ورفع أسعاره إلى أعلى مستوى لها منذ كانون الأول عام 2012

«الهاتف لا يكفّ عن الرنين. الطلبات تنهال علينا»، هذا ما قاله قبل نحو 10 أيام أليساندرو سولداتي، مدير «غولد أفينو» الوكيل الرسمي لمجموعة «بامب» الرائدة عالمياً في تجارة المعادن الثمينة. جاء كلامه بعد تفشي فيروس «كورونا» بشكل كبير جداً داخل الولايات المتحدة الأميركية، وارتفاع الطلب على الذهب الذي بات الملاذ الآمن لكثير من المواطنين الخائفين من تدهور الأوضاع الاقتصادية.

خلال ثلاثة أسابيع، تجاوزت مبيعات الشركة ما باعته في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2019. وفي سابقة لم تشهد الولايات المتحدة مثيلاً لها قبل اجتياح الفيروس، ارتفع الطلب على شراء الذهب، ووصلت الأمور الى حدّ طلب المصرفيين البريطانيين استئجار طائرات شحن عسكرية، لتسليم سبائك الذهب العائدة لهم إلى بورصات نيويورك.
يومها أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» بأنه تم بيع كل الذهب المعروض تقريباً في الولايات المتحدة. وأوردت أن المستثمرين والمصرفيين الأميركيين واجهوا نقصاً حاداً في سبائك الذهب والعملات المعدنية.
أما شركة «Credit Suisse Group AG» التي تقوم بصب سبائك منذ عام 1856، فقد أوصت عملاءها بعدم طلب سبائك الذهب، لعجزها عن توفير طلباتهم. كما لجأ مصرفيو «وول ستريت» إلى دار الصك الملكية الكندية للمساعدة، فطلبوا من كندا زيادة إنتاج الذهب لشحنه إلى الولايات المتحدة.
كل ذلك، قاد رويداً رويداً الى ارتفاع سعر عقود الذهب، الى أن بلغت أعلى مستوى لها منذ كانون الأول عام 2012 حيث ارتفعت الى أكثر من 1.5% وتخطى سعر الأونصة حاجز الـ 1700 دولار في المعاملات الفورية. وفي نهاية التعاملات، كان المعدن النفيس مرتفعاً 1.7% عند 1717.36 دولاراً للأوقية. كما صعدت العقود الأميركية للذهب 0.5% لتبلغ عند التسوية 1761.40 دولاراً للأوقية بعدما سجلت أثناء الجلسة أعلى مستوى منذ شباط 2013 عند 1769.50 دولاراً. وعادت الأسعار اليوم إلى الانخفاض بنسبة تقارب 1% بعد بيع المستثمرين كميات للاستفادة من أرباح الدولار، المرتفعة قيمته في السوق.

أزمة تسليم
تواجه الشركات التي تتعامل بشراء سبائك الذهب وبيعها وتصنيعها، صعوبات لوجستية وعملانية. إذ تتلقى معظم الطلبات عبر الإنترنت، ولديها القدرة على تلبيتها، لكن التحدي في ضمان عمليات التسليم، وخاصة مع إلغاء معظم الرحلات الجوية في العالم.
لدى العملاء خيار الاحتفاظ بعملاتهم أو سبائكهم في خزائن هذه الشركات، التي تقدم غالبيتها حلولاً للتخزين، أما من يفضلون الاحتفاظ بـ«معدنهم الأصفر» تحت فراشهم، فسيتعين تحمل الانتظار ريثما ينحسر فيروس «كورونا».
شركة «جي ام بوليون» ومقرها في الولايات المتحدة نبهت عملاءها إلى أنه «نظراً إلى ارتفاع حجم الطلبات، فقد تصل مدة التسليم إلى أكثر من 15 يوم عمل». على المدى الطويل، قد يصبح الوضع أكثر تعقيداً. القطاع بأكمله سيتأثر بعدما اضطر العديد من مصافي تنقية الذهب الى الإغلاق.
في سويسرا، توقفت مصافي «بامب» و«فالكامبي» و«أرغور إيرايوس»، والتي تمثل حوالي ثلث الإنتاج العالمي، مؤقتاً عن العمل بناءً على طلب السلطات. على المنوال نفسه، فرض رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا، الاثنين الماضي، الإغلاق لمدة ثلاثة أسابيع في بلاده، وهي أكبر منتج للذهب في القارة والأكثر تضرراً من وباء «كورونا»، جنوب الصحراء الكبرى.
بعض البنوك بدأت بمراجعة عملياتها المتعلقة بالذهب، إذ يتوقع بنك «غولدمان ساكس» ارتفاع الأسعار إلى 1800 دولار للأوقية على مدار ثلاثة أشهر، في حين يتوقع «سيتي بنك» إمكانية وصول سعره إلى ألفي دولار للأوقية في غضون 18 أو 24 شهراً.

مذاهب مختلفة
الوضع يتشابه مع ما حصل في الأزمة المالية عام 2008، حين انخفض الذهب في المرحلة الأولى من هبوط الأسهم وانخفض بأكثر من 18%، لكنه استأنف بسرعة كبيرة مساره التصاعدي، حيث ارتفع بنسبة 30% تقريباً بين نهاية تشرين الأول 2008 ونهاية كانون الثاني 2009.
بدرجة أعلى يحصل هذا الآن، مع تدافع المستثمرين إلى الأمان في الذهب. جون ريد، المحلل الاقتصادي في مجلس الذهب العالمي، رأى أن من يلجأ إلى هذا النوع من المنتجات، غالباً ما يكونون أفراداً «يمثّلون الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة أكثر من الأغنياء». أما «المستثمرون المحترفون» حسب تعبيره، فيتوجهون الى المصدر مباشرة عن طريق شراء الأصول المالية المرتبطة بالذهب من السوق والتي «يسهل الوصول إليها، كما أنها أرخص سعراً»، في حين أن بعض الأفراد «يحبّذون الشعور بالأمان عبر وجود الأصول بين أيديهم».