لعلّ وباء الكورونا يكون أرحم بكثير من هؤلاء المسؤولين والسياسيين والحُكّام، والفقهاء ورجال الدين وقادة الأحزاب، ولا نملك سوى أن يشملنا الله تعالى برحمته فلا يجمع علينا جائحة الكورونا وجائحة الطبقة السياسية الحاكمة بفسادها وعُتُوّها.
 

رغم مُصاب اللبنانيين بجائحة الكورونا، التي ضربت لبنان بعد الإنهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والتي زادت الأمور سوءاً على سوء، ما زالت تصرفات بعض المسؤولين والوزراء والنواب وأُمناء الأحزاب تتّسم بطيشٍ كبير، وانعدام مسؤولية وغِيرة وطنية، والأمثلة أكثر من أن تُحصى، فوزيرة العدل، الأكاديمية الأستاذة في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف، تحجز في جارور مكتبها التشكيلات القضائية، والتي بذل مجلس القضاء الأعلى جهده خلال أشهرٍ لإخراجها للعلن، علّها تساعد في ظبط الفلتان القضائي السائد منذ عقود، ونائب ٌ كان مسؤولاً أمنيّاً بارزاً خلال فترة الوصاية السورية على لبنان، يخرج عن طوره وهو يُساجل أحد مسؤولي تيار المستقبل، بأنّ مبلغ ال "٢٧ مليون دولار" الذي أُشيع وجوده في منزله، عندما داهمته قوة أمنية لاعتقاله، ما هو إلاّ ثمن " اغتيال" رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُستدركاً بالقول: "بلطوا البحر"، هذا مع العلم أنّ شرّ البلية ما يضحك، فخصوم سيادة اللواء النائب سبق لهم أن "بلّطوا البحر"، وبكفاءة عالية. ومنذ يومين فقط طلع علينا نائبٌ ينضوي في حزب الله بتغريدة غريبة عجيبة، إذ ينسبُ خبراً عن الخلفية ألعباسي المأمون، فيذكر بلا سندٍ ولا رويّة، أنّ المأمون كان يخطب في الناس فيقول: بأنّ عهده شهد انحسار وباء الطاعون، ليرُدّ عليه أحد الحاضرين: إنّ الله أرحم من أن يجمع علينا خلافتكم ووباء الطاعون، ولم يُكلّف النائب نفسه التّحرّي عن صحّة الخبر وثِقة سنده، فالطاعون الذي ضرب بلاد الشام أيام خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه،  والذي عُرف بطاعون " عمواس، وهي بلدة في فلسطين"، وذهب ضحيته عددٌ من الصحابة،  وفي مقدمهم أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان، وهذا الوباء كان قد انحسر وتلاشى قبل زوال الخلافة الأموية وحلول الخلافة العباسية، فضلاً عن أنّ قولاً مُتهوراً ومُتهافتاً لا يمكن أن يصدر عن أعظم خليفة في التاريخ الإسلامي،  وأكثرهم علماً وفقهاً وأدباً. أمّا سقطة صحيفة نداء الوطن بعرضها كاريكاتوراً يتعلق بذكرى ١٣ نيسان عام ١٩٧٥، وهي ذكرى أليمة، وغالباً ما تُؤرّخ بها بداية محنة الحرب الأهلية اللبنانية، ليُظهر الكاريكاتير صورة لفلسطيني يعتمر الكوفية الشهيرة، ليقرنها بالرسم التشبيهي لفيروس الكورونا، وهو إيحاءٌ في غير محله، ولا يستحضر من تلك الحرب الأهلية السوداء سوى نكأ الجراح، وبعث مشاعر كراهية وحقدٍ بين الفلسطينيين واللبنانيّين لا مُبرّر لها اليوم ولا فائدة تُرجى. 

 

إقرأ أيضًا: قاسم قصير ..حزب الله الفاعل الأبرز في لبنان الكيان والنظام

 


مع المصائب التي تتساقط على رؤوس المواطنين الغارقين في أزماتهم المالية والاقتصادية الحرجة، والتي فاقمتها أزمة وباء الكورونا، لا يتورّع كبار المسؤولين الفاسدين في هذا البلد عن الدعوة لاسترداد أموال الدولة المنهوبة ومكافحة الفساد، وهم في طليعة هؤلاء الضالعين بنهب المال العام، ونشر الفساد في البرّ والبحر. ناهيك عن كوكبة من المسؤولين الذين عاثوا فساداً في كافة المجالات، والذين يجب أن يكونوا وراء القضبان، يُحاضرون يومياً بالشؤون السياسية والمالية والإقتصادية والإيديولوجية،  فضلاً عن تورُّطهم بالإدلاء ببعض الإرشادات والنصائح الطبية ومكافحة الأوبئة.

 


مرحلة حرجة جدّاً هذه الأيام الحالكة، ولعلّ وباء الكورونا يكون أرحم بكثير من هؤلاء المسؤولين والسياسيين والحُكّام، والفقهاء ورجال الدين وقادة الأحزاب، ولا نملك سوى أن يشملنا الله تعالى برحمته فلا يجمع علينا جائحة الكورونا وجائحة الطبقة السياسية الحاكمة بفسادها وعُتُوّها.