في حين أنهكت أزمة وباء «كوفيد- 19» كلّ الدول، حتى تلك التي تملك قدرات عُظمى، إقتصادياً ومالياً وصحياً وأمنياً، يُواجه لبنان، البلد الصغير المُثقل بالهموم والمشكلات، بإمكانات متواضعة، ثلاث أزمات في آن: «كورونا» والنزوح السوري والأزمة المالية - الإقتصادية. ومنذ سنوات يطرح لبنان الصوت، لكنّ معاناته من تداعيات أزمة النزوح لم تلقَ أيّ تجاوب دولي جدّي، بل اكتفَت الجهات الخارجية المعنية بمَدّه بمسكنات، لعلّه يكفّ عن الأنين. فهل يشعر العالم المُتألِّم اليوم بوجع لبنان، ويُخلّصه بعد «كورونا» من أزمة بدأت منذ 9 سنوات، قبل الوباءين الصحي والمالي؟
 

ذكّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ممثلي مجموعة الدعم الدولي للبنان، خلال اجتماعه بهم الأسبوع الماضي، أنّ لبنان يتحمّل أزمة النازحين السوريين منفرداً، وقد تَخطّت كلفتها عليه 25 مليار دولار. وأشار الى أنّه سبق أن توجّه مراراً وتكراراً الى المجتمع الدولي شارحاً تداعيات هذه الأزمة السلبية على لبنان، داعياً الى تأمين عودتهم الآمنة الى بلدهم. وذكّر عون المجتمع الدولي بـ»مسؤولياته تجاه هذه الأزمة الإنسانية».

 


بالنسبة الى مساعدة اللبنانيين والنازحين لمواجهة «كورونا»، تقول مصادر بعبدا، إنّ لبنان تلقّى مساعدات خارجية، وهناك مساعدات إضافية قريبة، حدّدها لبنان بالحاجات والكميات. أمّا على مستوى عودة النازحين، فلا تزال الأبواب موصدة أمام تحقيق هذا المطلب اللبناني. ومع حلول أزمة «كورونا» وإغلاق سوريا حدودها أمام أبنائها، بذريعة منع تفشي الفيروس على أراضيها، أُقفل الباب أمام عودة النازحين الطوعية التي ينظمها الأمن العام اللبناني، الى تاريخٍ غير معلوم.


 
 

وتقول مصادر بعبدا، إنّ «أحداث 17 تشرين الأول طغت على ملف عودة النازحين، ثمّ طغت أزمة «كورونا» على الإثنين معاً»، مشيرة الى أنّ «كثيرين من السوريين، الذين أصبحوا بلا عمل بسبب الأزمة الإقتصادية التي يعانيها لبنان، عادوا الى بلدهم، ولو لم تطرأ أزمة «كورونا» وتُغلق سوريا حدودها، كان من المُفترض أن يعود عدد كبير من النازحين الى بلدهم، إذ إنّ هناك مجموعات راغبة في العودة، سبق أن سجّلت أسماءها لدى الأمن العام». وتضيف: «ما زال هناك في لبنان نحو مليون و500 ألف نازح سوري، ويجب إيجاد حلّ لتحقيق عودتهم، ولبنان يطرح الصوت ويُشجّع العودة طوعاً ويُنظّمها، لكن لا يمكنه إلزام النازحين بالعودة».

 

وتشير المصادر نفسها، الى أنّ «المبادرة الروسية تعثّرت ولا مبادرة دولية أخرى جدّية. فقضية عودة النازحين مُسيّسة لدى بعض الدول لأنّها تريد استخدامها ورقةً عند الوصول الى الحلّ السياسي الشامل. مبديةً خشيتها من انعدام الأمل في تحقيق هذه العودة في المدى القريب، إذ إنّ «أزمة كورونا تهزّ عروشاً وأنظمة، وهي أقوى من الجميع، وكلّ دولة منشغلة بمصيبتها».


 
 

مُناداة لبنان لا تلقى آذاناً صاغية، ولم يُؤتِ تلويح عون بورقة التواصل المباشر مع سوريا ثماره دولياً. وعلى رغم اللامبالاة الدولية، تؤكّد مصادر بعبدا أنّ عون لن يستسلم «ولن نحقق آمال البعض ونبقى متفرّجين، بل سنؤدّي واجبنا الى أن نلقى تجاوباً». وتشير الى أنّ عون هَدف من الاجتماع بممثلي مجموعة الدعم، الى «لفت المجتمع الدولي المُنشغل بأزماته الى قضية النازحين وحَضّه على مساعدة لبنان، والى شرح ما يمرّ به البلد بواقعية وصدق بعيداً من أيّ مبالغة، وتزويد السفراء كلّ المعطيات والتقارير اللازمة».

 

وقبل أن تفرض أزمة «كورونا» نفسها أولوية على كلّ الأجندات، استهلّ وزير الشؤون الإجتماعية الدكتور رمزي مشرفية عمله في ملف النازحين، بالإجتماع بمسؤولي المنظمات المعنية وبزيارة دمشق، مستفيداً من صداقاته الشخصية مع عدد من مسؤولي هذه المنظمات، ومن خطة العودة التي سبق أن أعدّها الوزير السابق صالح الغريب، والذي يتولّى ملف النازحين الآن، ضمن فريق وزارة الشؤون.

 

وتقول مصادر مشرفية إنّه «ما بعد كورونا سيواصل عمله حيث توقّف، إن على صعيد التواصل مع دمشق أو مع المنظمات، وسيسعى الى تحقيق نقلة وإنجاز نوعيين على صعيد عودة النازحين».

 

هناك مساعٍ عدة على هذا الخط، فَرملتها أزمة «كورونا» الطارئة، ومنها عمل «حزب الله» على تأمين العودة الطوعية للنازحين. وكان «الحزب» يعمل على تأمين عودة 20 ألف نازح الى القصير في سوريا خلال العام الحالي.


 
 

«الحزب» مقتنع بأنّ عودة النازحين لن تتحقق إلّا بتواصل رسمي مباشر بين لبنان وسوريا. أمّا بالنسبة الى التداعيات التي قد يرتّبها هذا التواصل على لبنان، فتقول المصادر: «ليس بالضرورة أن يزور رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة دمشق، بل على الحكومة أن تُكلّف أحد الوزراء رسمياً ليمثّل الدولة اللبنانية. وقد يكون مشرفية، لأنّه المعني بهذا الملف وهو قريب من فريق سياسي حليف لسوريا». وتؤكّد أنّ «على الحكومة اتخاذ هذه الخطوة الجريئة، لأنّ الإتفاق بين الحكومتين اللبنانية والسورية يحدث فارقاً كبيراً على صعيد عودة النازحين، لجهة التنسيق السياسي والأمني والاجتماعي وتقديم حوافز أكثر وإشارات إيجابية من الجانب السوري وفتح أكثر من معبر حدودي».

 

في 2 نيسان الحالي، قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، إنّ «البعض يحاول إعادة الأسد الى لبنان من النافذة... في حين أنّه لا يريد عودة النازحين، وأكبر دليل على ذلك أنّه لم يعمل على إعادتهم من الأردن، على رغم أنّ الاتصالات لم تنقطع بين الأسد والحكومة الأردنية».

 

وجهة نظر جعجع تؤيّدها كلّ قوى 14 آذار، فيما تؤكّد المصادر القريبة من «حزب الله» أنّ «هذا التواصل يُشكّل مصلحة للبنان، وليس الهدف استغلاله لإعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا أو إعادة الجيش السوري، بل إنّ غايته إخراج «الإخوان السوريين» من لبنان». وتقول إنّ «سوريا البلد الأم للنازحين، ومن حقّها المطالبة باتصال رسمي مع لبنان لتحقيق العودة».