تكاد تنتهي فترة المئة يوم التي حدّدتها الحكومة لنفسها لكي تنجز وتنتهي هي معها، ولولا جائحة «كورونا» ومخاطرها، التي استدعت هذا الاستنفار الحكومي وغير الحكومي الواسع، لكان يمكن ان يكون الاهتمام الآن منصباًّ على البحث في البدائل الحكومية.
 

صحيح انّ هذه الحكومة تحمل من سابقاتها إرثاً ثقيلاً من الازمات، لكن الصحيح ايضاً انّها لم تتمكن حتى الآن من إنجاز اي ملف من الملفات التي وعدت بمعالجتها، وإن كان الجميع يعترفون لها وينوّهون بجهدها المبذول لمواجهة وباء «كورونا» ومضاعفاته.


 

قبل اسابيع كان الاشتباك يدور حول الحكومة وفي داخلها حول التعيينات القضائية ثم «الكابيتال كونترول» وإعادة المغتربين الى «الهيركات»، لكن الاشتباك بات الآن متركّزاً داخل الحكومة، وإن كان بعض من في داخلها يتلقى إسناداً من قوى سياسية خارجها، وإذ بالوزراء ليسوا على قلب واحد بل صارت قلوبهم شتى.


 
 

يتصرّف رئيس الحكومة حسان دياب على اساس انّه هو شخصياً والحكومة يتعرّضان لحملات، وانّه صمت طويلاً، وإذ به بزيارته للرئيس سليم الحص أمس، يبدأ تموضعاً سياسياً على الساحة السياسية عموماً وفي البيئة التي ينتمي اليها خصوصاً، ما دفع البعض الى القول، انّ دياب التكنوقراطي اضطر للدخول الى السياسة ولم يعد في إمكانه البقاء في الموقع التكنوقراطي، ولذلك، يحاول ان يكوّن فريقاً سياسياً ثانياً او ثالثاً على مستوى بيئته.

 

وفي المختصر، يقول البعض، انّ دياب لم يعد في امكانه القول «انا تكنوقراطي»، لأنّه بدأ يدافع عن نفسه وبناء المتراس الذي يقتضيه هذا الدفاع. ويتفق البعض على انّ ما يقوم به دياب، معطوفاً على المواقف التي تهاجمه، يثبت انّ ما يحصل على الأرض داخل الحكومة وخارجها، إنما يمهّد لاشتباك سياسي أوسع، بغض النظر عن الملفات التي تتصدّى لها هذه الحكومة. لكن السؤال الذي يطرحه الجميع، هو كيف سيكون الوضع الحكومي والعام في البلاد بعد زوال وباء «كورونا»؟


 
 

سياسيون مطلعون يقولون، انّ مرحلة ما بعد «كورونا»، التي سبقتها مرحلة إفلاس الدولة، ستكون مرحلة افلاس مصارف، ولا سيما منها المصارف الدائنة للدولة بمبالغ ضخمة جداً. وصحيح انّ «الهيركات» بدا انّه متعذراً نتيجة الرفض العارم له، لأنّه يحتاج الى الإقرار بقانون في المجلس النيابي، وهو الأمر الذي يبدو متعذراً جداً، لكن البحث عن بدائل له ناشط، وأظهرت الاتصالات في هذا الصدد حتى الآن، انّ هذا «الهيركات» سيكون عمودياً وليس افقياً، بمعنى أنّه سيطاول المصارف وليس المودعين، أي سيطاول اموال مالكي المصارف. فهؤلاء تمكنوا قبل 5 اشهر من تحويل اموالهم الخاصة الى الخارج لتقع الواقعة على اموال المودعين، وهنا سبب الصرخة القائمة منذ اشهر الى اليوم حول هذا الموضوع.

 

وفي اعتقاد متابعين في هذا الصدد، أنّ تصرّف اصحاب المصارف هذا، إنما استند الى معطيات متينة لديهم عن الواقع المالي للدولة، فبادروا الى تحويل اموالهم الخاصة الى الخارج، حتى لا تذهب مع اموال المودعين، الذين لم يعترف احد بعد حتى الآن بالمصير الذي آلت اليه هذه الودائع. فالدولة عندما علّقت دفع سندات «اليوروبوند» أثبتت إفلاسها، ولكن اذا لم تتخذ معالجات قريبة في هذا الصدد، فإنّ مصارف عدة ستفلس ولن ينفع معها لا دراسات «ماكينزي» ولا استشارات «لازارد».

 

ويؤكّد معنيون انّ البلاد مقبلة قريباً في ضوء الإفلاسات المصرفية المنتظرة على عملية دمج بين مصارف، ولكن الدمج لن يطاول على ما يبدو بعض المصارف التي تتمتع بتغطيات سياسية محلية وخارجية، وانّ «الهيركات» العمودي الذي سيحصل سيطاول حسابات ولن يطاول اخرى، وبعض المصارف التي لن تفلس، والتي تحوي ودائع لجهات سياسية محلية وعربية. علماً انّ الافلاس هو على عكس «الهيركات» لا يحتاج الى قانون، لكنه يؤدي الى نتيجة «الهيركات» نفسها بلا قانون، من خلال ما ينصّ قانون النقد والتسليف، من احكام تقضي بأن يعيد مصرف لبنان لمودعي كل مصرف مفلس أو يشهر افلاسه، مبلغ 75 مليون ليرة لصاحب كل وديعة مهما كانت كبيرة. ويعيد للمودعين الصغار ودائعهم مئة في المئة، اذا كانت تراوح بين مليون و75 مليون ليرة .


 
 

وفي رأي البعض، انّ قرار حاكم مصرف لبنان الاخير، الذي قضى بإعفاء المصارف من الـ 10% من الاحتياط الذي ينبغي ايداعه في مصرف لبنان، إنما يدلّ الى الواقع الافلاسي لبعض المصارف. لذلك فإنّ البلاد مقبلة على افلاس مصارف بعد افلاس الدولة، وانّ ما يجري حالياً هو بمثابة سباق بين المصارف للنجاة من الافلاس، علماً انّ ما يريح الدولة كمدينة للمصارف، هو افلاس هذه المصارف، ولا سيما منها المصارف الدائنة لها بمبالغ ضخمة...

لذا يقول البعض: بعد «الكورونا» انتظرونا...