فلتكن مؤسساتكم بقرة التي تعطي الحليب في كل يوم، بدلاً من أن تكون ثوراً يعطينا لحمه ودهنه وشحمه الممتلئ كوليسترول بعد أن يسقط، لأنَّ الناس في زمن جائحة كورونا يطلبون القوت يوماً بيوم. فالجنة لا تكون لكم عبر الواتس آب، ولا السكايب، ولا الشاشة بل بسد حاجة محتاج في هذا الزمن الكؤود.
 

رأس الحكمة مخافة الله، قيل إنَّ نابليون مرَّ ذات يوم على (كاتدرائية) فوجد اثني عشر تمثالاً من ذهب، فسأل عن أصحابها، فقيل له هذه للرسل، يعني حواري عيسى. فقال نابليون: أنزلوهم واسكبوهم نقداً، ودعوهم يبشروا في الأرض بالمحبة، كما فعل معلِّمهم. 

 


ماذا لو عاد نابليون، ومرَّ على مؤسسات (محمد بن عبد الله "ص")، ومنابر الوعظ والإرشاد، ومساجد الله المزركشة والمزينة والمزخرفة بأسماء أهل بيته الإثني عشر، وفوق كل رأس معممٍ تعلوه قبَّة مطلية بخيوط الذهب التي قد تطعم فقراء حيِّ بأكمله، وحوزات ومرجعيات مليئة بأخماس الله وزكواته، تلك هي مؤسسات باسم محمد وأهل بيته الإثني عشر، تكِّدس الأموال باسم فقراء محمد، وتتربع على وظائف باسم شيعة علي بن أبي طالب، فمتى يأتي دور الأموات لتفتح خزائنها في زمن "كورونا" ونخرج منها عجائب الذهب والكنوز، لكي لا يبقى على الشفاه من يباس للأقل من شيعة علي (ع) وأتباع محمد (ص)، ولا في البطون طوىً، ولا في العيون مآق، حتى من أصغر موظف في مؤسساتهم، من صغار المفتيين والكتبة والمتصيدين، الذي يثيرون الإشمئزاز من مواعظهم وإرشاداتهم وهم ينامون على حرير ولا يعرفون فقراً، الا لعنة الله على كل متصيِّد باسم محمد وعلي وأهل بيته الأطهار (ع)، وكأنهم لا يعلمون أنَّ الموعظة لا تنفع في البطون الخاوية، لا ندري كيف ننتمي لمحمد (ص) الذي كان يرتق ثوبه بإبرة الزهد، وما هو إلا ابن امرأةٍ كانت تقدُّ القديد وتمشي في الأسواق، وهو أشرف الخلق، وكيف ننتمي لعلي بن أبي طالب، الذي باع ما يملك وبقي ثلاثة أيام هو وفاطمة بنت محمد مع ولديهما الحسنين (ع) لا يذوقون فيها طعاماً، حتى نزل فيهم قول الله تعالى: " ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً"، إلى المؤسسات الدينية وخصوصاً الشيعية، هل تعلمون أنَّ علياً (ع) كان لا يفرِّق بين حيوان وحيوان، فضلاً عن بني البشر. 

 

إقرأ أيضًا: ديكُ الله..!

 

يروى أنَّ رجلاً "كافراً" سأل صديقه ذات مرة، لماذا يرميني الكل بالبخل، وهم يعرفون أنني أوصيت بأن تذهب جميع أموالي للفقراء بعد وفاتي، فقال له صديقه: دعني أخبرك قصة "الثور والبقرة"، فقد اشتكى الثور للبقرة يوماً قائلاً: الناس دائماً يطرون لطفكِ وجمال عينيك، فيما يستعملون جميع العبارات لذمي، ولا شك أنكِ تجودين عليهم بالحليب، ولكنني اعطيهم لحمي كله، فلماذا لا يحبونني؟!. فأطرقت البقرة قليلاً، ثمَّ قالت: ربما كان ذلك لأنني أعطي خلال حياتي.

 

 

 أرجو المعذرة لو كان التشبيه جريئاً، فلتكن مؤسساتكم "بقرة" التي تعطي الحليب في كل يوم، بدلاً من أن تكون "ثوراً" يعطينا لحمه ودهنه وشحمه الممتلئ "كوليسترول" بعد أن يسقط، لأنَّ الناس في زمن جائحة "كورونا" يطلبون القوت يوماً بيوم. فالجنة لا تكون لكم عبر "الواتس آب، ولا السكايب، ولا الشاشة" بل بسد حاجة محتاج في هذا الزمن الكؤود.

 

 

 وأخيراً ، هذا أمير المؤمنين (ع)، الذي كان يأنف الطعام الشهي، والملبس الناعم، والمسكن الفاخر، ـ يا شيخ، يا مفتي، يا واعظ ـ قائلاً: لو سلكتم الحق من نهجه لابتهجت بكم السبل، وما عال فيكم عائل، ـ أي ما افتقر فيكم فقير ـ فما كان من علي (ع) إلاَّ أن يُوفِّر للناس نصيباً كافياً من آلة العيش، وأنه ما دام في مملكته من لاعهد له بالشبع ولا طعم له بالقرص، فمن يتغنَّى بعلي (ع) وأهله بيته (ع)، ويكون قائداً للناس، فعليه أن يتحمل ما يتحمله الناس، ويعاني ما تعانيه الناس، حتى إذا زال شبح المرض والفقر والجوع، زال عنه، وإلاَّ فما معنى القيادة والولاية لأهل البيت (ع).