فرض الانتشار السريع لجائحة كورونا تداعيات على المسارات الاقتصادية والاجتماعية لغالبية الدول الكبرى، إذ برزت الثغرات التي تنهش سياساتها الداخلية والمالية، بالرغم من صمود بعضها إلّا أنّ كورونا حمّلت لبنان أعباءً باهظة الثمن، وسط نقص في الإمكانيات الماليّة واللوجستيّة لاستكمال مقاومته على المستويات كافّة.
 
وتثار مخاوف حول مدى استطاعة الاقتصاد المنهك تحمّل استمرار إغلاق المرافق البحريّة والبريّة والجويّة أبوابها في أغلب مناطق البلاد وتطرح الأسئلة حول قدرة نجاح لبنان بإدراة أزماته وسط انعكاسها على الداخل اللبناني، في ظلّ الإجراءات الاحترازية من "كورونا".
 
**فجوة ماليّة تقدّر بـِ 83 مليار دولار**
 
لفتت الصحفية الاقتصادية، محاسن مرسل، إلى أنّ كورونا زادت على الطين بلّة في بلد يعاني من فجوة ماليّة تقدّر بـِ 83 مليار دولار وعجز في ماليّة الدولة وتراجع في النمو الاقتصاديّ.
 
وبحسب مرسل تجلّت تداعيات الكورونا على القطاعات كافّة ولم تسلم أيٍّ منها حتى القدرة الشرائية للمواطن اللبناني على الشراء تأكلت بنسبة 40 في المئة وسط ارتفاع جنوني في الأسعار باستثناء الخبز.
 
وكشفت مرسل للبنان الجديد أنّ "هناك مليونين عائلة لبنانيّة تصنّف ضمن خانة الفقراء بسبب خسارتها وظائفها واستفحال الأزمة".
 
وقالت:" الدولة اللبنانية بصدد الطلب 500 مليون دولار من صندوق النقد للمساعدة في ظلّ هذه الجائحة"، معتبرةً أنّ "هذا الرقم قليل بالنسبة للغلاء الحاصل في البلاد".
 
وحذّرت مرسل من انعكاس الأزمة الاقتصادية بشكل سلبي على المجتمع اللبناني في ظلّ الفقر، مرجحةً ان يرتفع عدد الجرائم في الأشهر المقبلة بغية السرقة والنهب.
 
** كورونا..تُعدّد الأزمات في لبنان**
 
الأستاذة في العلوم الاجتماعية، هدى رزق، أشارت إلى أنّ "كورونا  سيؤدّي إلى مجموعة من الأزمات المالية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية".
 
وعن القطاعات الأكثر تضرّرًا جراء الجائحة، أجابت:"الخدمات والنقل والطيران والتجارة، فوق ما عانته جراء الأزمة الاقتصادية التي سبقت الجائحة وأدّت الى تراجع  العجلة الاقتصادية، وسط إقفال خلال الأشهر الماضية 800 مؤسّسة سياحية ومطعم وملهى ومقهى وشركات صغيرة، أصيب قلب قطاع النقل العام مع الاقفال التام في البلاد".
 
وقالت في سياق حديثها للبنان الجديد: "يشكّل سائقو وسائل النقل هذه نموذجًا لفئات اجتماعية تكسب قوتها بشكل يومي في مجالات عدّة،  كذلك ينتظر أن تتكشف مآسٍ اجتماعية عن آثار الإقفال العامّ لدى فئات تقتات من أعمالها اليومية مثل بسطات الخضار وأسواق الفاكهة، التي مُنعت من النشاط تحسّبًا لاكتظاظ المواطنين داخلها".
 
وفي تقريرٍ نُشر الأسبوع المنصرم،  لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، كشفت فيه أنّ "ملايين من سكان لبنان مهدّدون بالجوع بسبب إجراءات الإغلاق المتصلة بالوباء".
وطالبت المنظمة الحقوقية "لبنان استخدام أي مساعدة طارئة دولية لزيادة الدعم المباشر للأسر ذات الوضع الهش".
 
 ** الحلول المطروحة لانتشال لبنان من الأزمة**
 
أمّا رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، باتريك مارديني، اعتبر أنّ مشكلة كورونا هي مشكلة عرض وليست طلب أي ّهي مشكلة "شركات ومؤسّسات" وليست "أفراد".
 
وعدّد مارديني الحلول لانتشال البلاد من أزمة كورونا، قائلًا:" يجب حلّ مشكلة العرض إذًا على الحكومة أن تعمد إلى ابقاء الشركات والمؤسّسات مستمرّة من خلال إلغاء الضرائب المفروضة عليها في عام 2020 و إلغاء رسوم الاستيراد".
 
واستطرد مرديني:"على الحكومة ان تتكفل بدفع رواتب الموظفين في الشركات التي عمدت إلى عدم تسديد الرواتب خلال فترة الاقفال لكي لا تتجه إلى الاقفال التام".
 
ولدى سؤالنا حول كيفيّة استحصال الحكومة على الأموال لدعم المؤسّسات، أجاب:" بداية من خلال قرض البنك الدولي ومن خلال دعم الكهرباء لأنّ الدولة تدفع خسارة على قطاع الطهرباء مليار دولار بالإضافة إلى الغاء المشاريع الاستثمارية كسدّ بسري".
 
وقدّر مارديني "تراجع بايرادات الدولة هذه السنة إلى 8 مليار دولار".
 
وتشكّل جائحة الكورونا امتحانًا للبنان ومدى قدرته على تحقيق القضاء عليه.