أعلن مصرف لبنان انه، انطلاقاً من المعايير المحاسبية الجديدة المعتمدة في البنوك المركزية العالمية، فإنّ المبالغ التي يتم الحديث عنها لا تعتبر خسائر، بل يتم ترحيلها الى السنوات المقبلة وإطفائها مقابل الإيرادات المستقبلية.
 

حسم مصرف لبنان، في بيان أصدره أمس، الجدل القائم حول حجم خسائره، كاشفاً انّ الخسائر المتراكمة خلال سنة معينة والتي لا يمكن تغطيتها من مخزونات مؤقتة أو محدّدة، يتم ترحيلها إلى السنوات التالية، وأكد انّ مصرف لبنان «مكلَّف بالمهمة العامة لحماية العملة الوطنية من أجل ضمان أساس النمو الاجتماعي والاقتصادي المستدام (المادة 70 من قانون النقد والتسليف)».

 

ومما جاء في بيانه:

- يمكن أن تستمر الخسائر لعدة سنوات، وتشمل طرق تغطيتها استخدام الاحتياطات المتراكمة. وفي حال تمّ استنفاد الاحتياطات، يتم تعويض الخسائر المتراكمة مقابل الأرباح المستقبلية حتى تتم تصفية الأولى. بناءً على دراسة أجراها البنك الأوروبي المركزي حول توزيع الأرباح وقواعد تغطية الخسائر للبنوك المركزية، تم تحديد المعالجات التالية من خلال عَيّنة من 131 مصرفاً:

- الخسائر المتراكمة خلال سنة معينة، والتي لا يمكن تغطيتها من مخزونات مؤقتة أو محدّدة، يتم ترحيلها إلى السنة (السنوات) التالية وربما يتم تعويضها مقابل جزء أو كل الأرباح السنوية المستقبلية. وقد ينتج عن ذلك حقوق ملكية سلبية بانتظار استكمال العملية (28 مصرفاً).

- واجه بنك الاحتياطي الفدرالي وبنك إنكلترا والبنك المركزي الأوروبي والبنوك المركزية في منطقة اليورو سلسلة من الأزمات المالية، وإن كانت مختلفة إلى حد ما. وقد لجأت هذه البنوك المركزية أيضاً إلى إجراءات غير تقليدية أكبر وأكثر خطورة من الناحية المالية من أي إجراءات سابقة.

- خلال الأزمة المالية، قامت البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم بعدد من العمليات غير التقليدية ذات الحجم غير المسبوق. ونتيجة لذلك، توسّعت الميزانيات العمومية للعديد من البنوك المركزية بشكل كبير، مما أدّى إلى تغيير ملفات تعريف المخاطر بشكل كبير. وضعت هذه الأحداث المعلومات المالية المنشورة للبنوك المركزية في دائرة الضوء العام، وأثارت تساؤلات حول سلامتها المالية.

- أدّت الظروف السياسية غير المستقرة في البلاد، إلى جانب الاضطرابات الإقليمية وأعباء الأزمة السورية، إلى إضعاف الاقتصاد اللبناني لعدة سنوات حتى الآن. لكن خصوصية لبنان ما زالت تكمن في مرونته وقدرته على الانتصار تحت ضغوط اجتماعية وسياسية واقتصادية شاقة بشكل استثنائي.

- يتم ترحيل كلفة الفوائد على الأدوات المالية على مدار السنة وتسجيلها الى جانب الأصول في الحسابات الانتقالية؛ يتم تعويض جزء منها في نهاية العام، والمبلغ المتبقّي من خلال الأرباح المستقبلية لمصادر الإيرادات المختلفة التي أقرّها مصرف لبنان مثل عمليات السوق المفتوحة والأصول غير الملموسة.

- أوضح الفدرالي الأميركي مؤخراً أنّ الخسائر التي تؤدّي إلى نقص في الاحتياطات («الفائض») بالنسبة للمستوى المطلوب، سيتم تسجيلها ضمن الاصول التي تمثّل قيمة الحسم في التحويلات المستقبلية إلى الخزانة اللازمة لإعادة بناء الاحتياطات.

 

حمود

توضيحاً لهذا البيان، أشار الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ«الجمهورية» الى انّ النظام المحاسبي الخاص بالمصارف المركزية يسمح لها بتحويل أرباحها وخسائرها الى موجودات ومطلوبات، تظهر في ميزانيتها العمومية، بحيث تصبح الخسائر موجودات لها والارباح مطلوبات لها. ولفت الى انّ استقرار النقد من أبرز مهام المصرف المركزي، وبالتالي في خَلقه للعملة يستطيع ان يتميّز بنظام محاسبة ضمن صندوق استقرار هذا النقد والذي يدخل من ضمن النظام المحاسبي للبنوك المركزية السائد منذ فترة طويلة.

 

وشرح انه في حالة الاستقرار السياسي اذا حصل تدفّق نقدي كبير بالعملة الأجنبية يمكن تصنيفها في خانة الالتزامات ووضعها في صندوق يُستعمل لمواجهة أي هبوط للعملة في مرحلة لاحقة، اما اذا حصل ضغط على العملة او هبوط في سعر صرفها فيتم وضعها في خانة الخسائر على ان يتم إطفاؤها عندما تعود البَحبوحة. فإذا تحسّنت الأوضاع واصبح هناك تدفق للعملة الأجنبية تتحول الى ليرة لبنانية، ويُقدِم المصرف المركزي على شراء العملة الصعبة، مع العلم اننا اليوم في حالة معاكسة.

 

وعن العوامل التي قد تدفع باللبناني الى التخلي عن الدولار واستبداله بالعملة اللبنانية، قال حمود: قبل العام 1975 كان الدولار يساوي ليرتين و8 قروش بسبب تدفق العملات الصعبة من المغتربين والقطاع السياحي والاشقاء العرب والمستثمرين، وكلما كانت تتم أي عملية استبدال للعملة الصعبة بالعملة اللبنانية لدواعي الصرف او الاستثمار كان المركزي يشتريها. وما جعل الليرة اللبنانية قوية جداً في تلك الفترة تحويل كل العملات الصعبة التي تدخل الى البلاد الى ليرة لبنانية. وأكد انّ الاستقرار السياسي والمالي، اذا توفّرا، كفيلان بإعادة دعم الليرة اللبنانية.

 

وعمّا اذا كانت تحتسب المصارف خسارتها مثلما يحتسبها المصرف المركزي؟ أوضح حمود انّ ما يعتبره المركزي مطلوبات تحتسبه المصارف كموجودات، لأنّ المركزي يقول ان المصارف تريد منّي 70 مليار دولار أي مطلوبات، بينما المصارف تقول انها أودعت لدى المصرف المركزي 70 مليار دولار وهو ما يشكّل موجوداتها لدى المركزي.

 

في المقابل لا يوجد لدى المصرف المركزي 70 مليار دولار نقداً بينما المصارف تريد هذا المبلغ نقداً. تصنّف أموال مصرف لبنان ضمن موجوداته التي تتمثّل بمطلوباته من الدولة ومن القطاع العام، وجزء من هذه الأموال أيضاً موجود في الخارج، ومن الصعب التصرّف بها لأنّ هناك خشية من أن تفقد الدولة قدرتها على الحياة في الأيام الصعبة التي نعيشها.

 

ورداً على سؤال، أوضح حمود انّ البنك المركزي في موجوداته ومطلوباته هو ملك الدولة وجزء من وجودها. وبالتالي، مخطئ من يظنّ انه بشطب مديونية الدولة تجاه المركزي يعني انّ مديونية الدولة انخفضت، وبالتالي على الدولة ان تطلب من البنك المركزي المساعدة في إيجاد الحل لمشكلتها، والتي تتمثّل بديونها الكبيرة وعدم قدرتها على الاستمرار في دفع خدمة الدين، على أن تبدأ المعالجة أولاً من خدمة الدين، كما على الدولة ان تطلب من «المالية» تأمين التوازن في ماليتها.